التطوير الإعلامى صحفيا وتليفزيونيا لا يأتى من فراغ. ومن أهم مصادر هذا التطوير خبرات وتجارب من عملوا ردحا طويلا فى مؤسسات إعلامية رفيعة المستوى وحسنة السمعة. وهناك أيضا آراء ورغبات وبحوث المشاهدين والقراء. وتفرض الأخيرة أحيانا بعض الملامح على شكل ومحتوى وسائل الإعلام. وليس حتما أن تكون هذه الرغبات والنتائج المستخلصة من البحوث ملزمة مائة بالمائة بحجة أن الجمهور "عايز كده". صاحب الرسالة يتوجب عليه فى الغالب الأعم ألا ينزل على نزوات وغرائز الجمهور. إن تجارب من سبقونا فى فنون الصناعة الإعلامية لا يصح الاستخفاف بها أو إهمالها، ومن هنا يقال: لن نعيد اختراع العجلة، ومع ذلك فمن المستحب أحيانا كسر القواعد، ولهذا يبالغ البعض بالقول: إن القاعدة هى ألا قاعدة. وليس لأى "مستجد" أو مبتدئ كسر القواعد، فشرط "الكسر" هو الخبرة والمعرفة وإلا كان الأمر مجرد سذاجة. والتجربة والخطأ لا ينبغى السماح بهما فى وسائل الإعلام المحترمة، فالمتلقى واع والمنافسة أضحت شرسة. ومن غير المستحب مهنيا محاكاة الآخرين استسهالا. المحاكاة تعكس عجزا أو فقرا إبداعيا. وقديما صاغ ابن خلدون هذه القضية المنتشرة بوائقها فى بلادنا (النامية) فقال رحمه الله: "المغلوب مولع بتقليد الغالب". صمام الأمان فى التطوير والتجويد هو التحضير المسبق ودراسة محتوى الرسالة الإعلامية وقالبها الفنى وخصائص المتلقى. ومن البدهى معرفة حدود وآفاق وهوية التمويل والممولين. ويعد تطوير الهوية البصرية والبرامجية فى محطات التليفزيون أمرا فى غاية الحساسية، ولا يصح التعامل فيه بخفة واندفاع. ولتيسير هذا المعنى نتخيل شخصا رأيناه اليوم بملابس غربية، ثم يظهر لنا فى الغد بالسروال الفضفاض والحزام الكردى، وبعد غدٍ بالثوب والعقال العربى. لو شاهدنا شخصا بكل هذه التغيرات الشكلية، فقد نظن أنه مهرج أو بهلوان، وهذا يقود إلى الاستخاف به. ولهذا يُنصح بالتأنى والتريث قبل إجراء التغيير والتبديل فى الهوية البصرية والبرامجية، فلا يتم فى مدى شهور أو حتى عام. إن كبريات الصحف والمواقع والمحطات التليفزيونية لا تبدل ولا تضيف كل شهرين أو ثلاثة أشكالا أو ألوانا أو برامج جديدة.