"البراءة للجميع" عبارة بسيطة تفسر ما آلت إليه قضية الشهيد سيد بلال فى ذكرى رحيله الثانية بعدما حصل المتهمون بتعذيبه حتى الموت على حكم بالبراءة، شأنهم شأن كل المتهمين فى قضايا قتل الثوار، لتبقى أرواح الشهداء تلعن كل من قتلها غدرا وغيلة، وكل من سمح لهم بالعيش بيننا أحياء يرزقون دون سابقة عقاب أو حساب. ومع حلول شهر يناير بدأ شباب فيس بوك يتذكرون ملامح ثورتهم التى كانت تتشكل فى مثل هذه الأيام منذ عامين، وحتما كان استشهاد سيد بلال بهذه الطريقة البشعة أحد أبرز هذه المعالم، لذلك كثر تداول الفيلم الوثائقى "سيد بلال.. بأى ذنب قتل"، الذى تم إنتاجه بعد الثورة ليوثق فى 15 دقيقة شهادات كل من تم تعذيبهم مع سيد، وكانوا شهودا عيان على تعذيبه حتى الوفاة. بدأ الفيلم بشهادة محمد أحمد أمين المحامى وعضو اللجنة العامة لحقوق الإنسان بنقابة المحامين، الذى تم استدعاؤه إلى أمن الدولة أيضا على خلفية أحداث تفجير كنيسة القديسين، الذى قال: ضابط أمن الدولة اتصل بوالدته، وقال لها "لو سيد ابنك مجاش أنا هاخد إبراهيم أخوه"، ويشرح أمين سلوكيات أمن الدولة فى عهد المخلوع قائلا: كل من كان يناهض نظام الحكم آنذاك كان يتم عمل ملف أمنى له، ووفقا لهذا الملف يصبح على الشخص أن يذهب إلى أمن الدولة مرة شهريا كإجراء تأمينى، وإن لم يفعل تقتحم أمن الدولة منزله فى منتصف الليالى وينتهكوا حرمات البيوت ويأخذوا ممتلكاتها، ومع وقوع أى حدث طارئ كتفجير الكنيسة توسع دائرة الاشتباه ويتم استدعاء كل من له ملف أمنى لديهم. استدرك قائلا: هذا الاستدعاء لا يتم بهدف التحقيق بأسلوب آدمى بل يتم لبدء التعذيب حتى يجبرونا على الاعتراف بجرائم لم نرتكبها على الإطلاق، ولأنه لا يوجد أى أدلة إدانة بحقنا كان القضاء يحكم ببراءتنا ولكنهم كانوا يعيدون اختطافنا من بيوتنا من جديد. ويستكمل محمد سليمان إبراهيم -شاهد عيان على تعذيب سيد بلال- تفاصيل ما حدث قائلا: "خدوه ودخلوه زنزانة فى مديرية الأمن القديمة حتى الواحدة والنصف مساء، ندهوا عليه وقالوا له تعال ورينا بيتك، وحينما لم يجدوا شيئا فى منزله يثبت إدانته عادوا به إلى المديرية القديمة وتركوه للصبح، وأدى معنا صلاة الفجر ثم الظهر، وبعدها ندهوا اسمه فى التحقيقات، فقال لزميلنا سيد إبراهيم خلى بالك من ابنى بلال". بعدها اصطحبوه إلى الدور الثالث المعروف لدينا بأن به عتاة التعذيب نعرفهم جميعا من أيام الجهاز فى مدينة نصر، على الرغم من أن بعضهم كان يتخذ أسماء وهمية كالضابط جعفر، أما شياطين الضباط فى التعذيب فكانا "شمس وجيكا"، وحينما كان سيد يضيق بالتعذيب ويسألهم "أنا مسلم بتعملوا فيا كده ليه؟ فيردوا عليه احنا كفرة". التقط أطراف الحديث شاهد عيان آخر لم يذكر اسمه، وقال: "حينما شاهد سيد بلال آثار التعذيب على أجسادنا عقب التحقيقات وقبل أن يندهوا اسمه ظهرت عليه علامات التوتر والقلق، فقال له زميلنا محمد إسماعيل اذكر ربنا هو قادر ينجيك. ويستكمل المحامى أحمد محمد أمين شهادته، قائلا: بلال لم يتحمل تعذيبهم وقتل فى يوم واحد، من الواحدة ظهرا حتى العاشرة مساء، فوجئنا به يعود إلينا محمولا على كرسى لأنه غير قادر على الوقوف، وكان "متبهدل أوى" ولكننى حينما اطمئننت أنه خرج من التعذيب ووجدته شرع فى الصلاة من على الكرسى نمت من شدة تعبى، وما هى إلا دقائق قليلة حتى فزعت من نومى على صوت حشرجة قوية بعدها سقط بلال من على الكرسى فعرفت أنه يحتضر وتأثرت جدا بمنظره، فوجدت الضابط يضحك وهو يقول لى: "معلش يا أبو حميد ضباط جداد وبيتعلموا لسه"، أكد على روايته الشاهد محمد سليمان إبراهيم الذى قال: حينما حضر من التعذيب طلب أن يصلى وداهمته سكرات الموت فى أثناء الصلاة، وكل من كان فى التعذيب فى هذا اليوم شاهد على هذه الواقعة، بعدها اتصل ضباط أمن الدولة بشقيقه، وقالوا له: "تعالى استلم جثة أخوك من المستشفى"، وللأسف الشديد تواطأ معهم مدير المستشفى، حينما قال كذبا: إن بلال وصل قبل خروج الروح، فى حين أنه مات من التعذيب أمام أعيننا، وحينما حضر أهله هالهم آثار التعذيب على جسده فقاموا بتصويره، وكان هذا أكثر ما فى وسعهم أن يفعلوه فى هذا الوقت. ينضم للفيلم شاهدا جديدا هو هيثم إبراهيم، الذى شارك فى تغسيل جثمان بلال بعد وفاته، وكانت شهادته على النحو التالى: كان على وجهه آثار حروق، فضلا عن علامات شديدة الزرقة جراء تعذيبه صعقا بالكهرباء، بالإضافة إلى جروح قطعية تحت إبطيه وفى فخذه، وحينما كنت أتولى تغسيل جثمانه وأكتشف أى علامات تعذيب كنت "أقول لناصر بيه رئيس مباحث تفتيش إسكندرية شايف؟!". أضاف: أسرة بلال لم تتمكن من إنهاء إجراءات دفنه لأن أمن الدولة انتهى منها بسرعة جدا ودفنوه ليلا بجوار باب المدافن حتى لا يستغرق الدفن وقتا طويلا، واتصل بى الضابط حسين بلال وقال لى بالحرف: "الموضوع ده لازم العربيات فى الشارع كتير ومفيش أكتر من العربيات اللى من غير نمر". يعود المخرج من جديد بكاميرته إلى المحامى محمد أحمد أمين، الذى فسر الأسباب التى دفعت الضباط لتكثيف جرعة بلال من التعذيب قائلا: "بلال كان مش بيتكلم خالص مع ضباط أمن الدولة، ودى حاجة بتستفزهم جدا، وكان معروفا لديهم بطبيعته العنيدة عكسى مثلا، كنت أتحدث مع الضباط وآخد وأدى فى الكلام معاهم، أما سيد بلال فكان بيكره ضباط أمن الدولة لأنهم عذبوه كتير، وكانوا سبب فصله من شركة بتروجيت بشكل تعسفى، وحتى وفاته لم يحصل على حقوقه من الشركة، فاعتبر أنهم كانوا سبب قطع عيشه، لذلك كان دائما يقول لضابط أمن الدولة: "أنا مظلوم وانت عارف". وفى نهاية الفيلم، أجمع زملاء سيد بلال فى رحلة تعذيبه على ضرورة أن يقتص القضاء من القتلة، وممن عذبهم وامتهن كرامتهم الإنسانية، وطرحوا أسئلة مشروعة جدا تتردد على لسان كل المصريين مع مطلع كل نهار: "ازاى الضباط دول موجودين على مكاتبهم لحد دلوقتى؟ يعنى إيه ضابط سحل وضرب وقتل يفضل موجود فى الخدمة؟! احنا عايزين دفعات جديدة من كلية الشرطة مش مريضة نفسيا، وتعرف إزاى تتعامل مع بنى آدمين!"، لينزل تتر نهاية الفيلم على صور تجمع الشهيد سيد بلال بابنه الوحيد، الذى كان آخر من تذكره قبل استشهاده وأوصى به أصحابه. *معلومات الفيلم : صناع العمل أطلقوا على أنفسهم إخوة سيد بلال، وجاء ترتيب أسمائهم على التتر كالتالى: عمرو عادل فرج سعيد أيمن فرماوى محمد رشدى حاتم حسين إشراف عام: وسام عبد الوارث