أقرت الجمعية التأسيسية بوجوب اعتماد اللامركزية كأسلوب لتفويض المسئولية من الحكومة المركزية إلى المحافظين لتحقيق اتخاذ القرار بالسرعة والمرونة المناسبة، وعدم انتظار القرار من العاصمة، لذلك رأيت أن أقدم لقرائنا الكرام شيئا من التفصيل عن الدور الحيوى للامركزية لمجتمع يريد التقدم والتنمية، بما يكفل دعم اللامركزية، وتمكين الوحدات الإدارية بتوفير المرافق والخدمات المحلية، والنهوض بها وحسن إدارتها، وأيضا لمكافحة الفساد الإدارى والمالى. لذلك فتلعب اللامركزية دورا أساسيا لمكافحة الفساد، فهى تنظيميا تحد من قرارات الفساد، فالنظام المركزى قراراته تسرى على أرجاء الدولة، فاللامركزية وسيلة لتفكيك تكتلات الفساد مما يسهل الحد منه والقضاء عليه. كما يمكن القضاء على الفساد بتغيير ثقافة المجتمع بزرع مفهوم الشفافية والوضوح لدى المواطنين والمسئولين من خلال التشريعات والقوانين والإجراءات المنضبطة، مع تفعيل الثقافة الإعلامية بجميع فروعها لطرح هذه القضايا، فإعمال القانون ضد كل من تثبت عليه جريمة الفساد وإعلانها والتشهير بمرتكبيها وبمحاكمات عادلة وفورية تنشأ مع صدور التشريعات الرادعة للقضاء على الفساد، مع بث وقائع المحاكمات كى تصبح رادعا معنويا آخر لكل مَن يفكر بممارسة الإفساد بشكل عام، والفساد الإدارى بشكل خاص. اللامركزية وحياد أجهزة الإدارة العامة: تعمل على أن يتضمن الهيكل السياسى نظاما فعالا للإدارة العامة الرشيدة، تقوم على مؤسسية مستقرة تتسم بمعايير الكفاءة والنزاهة والحياد، وذلك بطرح نظرة شاملة لإصلاح الجهاز الإدارى بالدولة تؤهله للقيام بوظائفه التنموية والخدمية بصورة أكثر كفاءة وحيادية بغض النظر عمن يكون بالسلطة من الأحزاب المختلفة. ولضمان كفاءة الجهاز الإدارى للدولة وحياده يجب أن تخضع ترقيات العاملين به لقواعد موضوعية ثابتة ومستقرة، مع وضع نُظُم واضحة للمساءلة والمحاسبة، وضمان نظام عادل للأجور والمكافآت يحد من الاستغلال السياسى والفساد المالى والإدارى. ولضمان عدالة جهاز الشرطة ونزاهته للتعامل مع المواطنين والمنظمات، يجب أن يخضع هذا الجهاز فى جميع أعماله لما يعرف بالرقابة المشروعية القانونية التى تباشرها السلطة القضائية بكافة أجهزتها المختلفة دون حصانة أو استثناءات؛ لتتمكن من القيام بمهامها الأساسية بنشر العدل والأمن بين المواطنين، كذلك إعادة النظر بمناهج كلية الشرطة لتتناسب مع وظيفة الشرطة المقررة بالدستور، وإعادة تأهيل الضباط الحاليين لتغيير ثقافة حالة الطوارئ لتحل محلها ثقافة احترام حقوق الإنسان واحترام القانون. ولمكافحة الفساد يجب تمكين اللامركزية بالحكم المحلى لتطوير إدارتها وتبنى برنامج حكم محلى رشيد وليس مجرد إدارة محلية، بما يتبعه من لامركزية تعميق ممارسات الديمقراطية لاختيار المحافظ بالانتخاب الحر المباشر، ومنح أعضاء المجالس الشعبية المحلية المنتخبة بمختلف مستوياتها الوسائل الرقابية اللازمة. اللامركزية تدعم المساواة وتكافؤ الفرص، فمن الضرورى لتحقيق العدالة وتعميق الانتماء للوطن، ويتحقق ذلك عن طريق عدم التمييز بين المواطنين فى الحقوق والواجبات على أسس عنصرية. إن اللامركزية توجب التعددية السياسية، وإشراك كافة الفئات من خلال إستراتيجية الدمج وإدخال البديل مع احترام قواعد المنافسة العادلة بين أطراف المجتمع، بالإضافة إلى تفعيل نظام للتنشئة السياسية لكل أفراد المجتمع، وتطوير النظم التعليمية لضمان تعلم الحقوق والواجبات، مع تنمية القدرات الفردية والجماعية وبث قيم الحوار والتسامح والمشاركة، وتأصيل قواعد المسئولية والمساءلة. ومن الأمور المهمة للامركزية عملها على الشراكة بين الدولة ومنظمات المجتمع المدنى كالأحزاب السياسية والنقابات المهنية والعمالية والاتحادات الطلابية، والغرف التجارية والصناعية والجمعيات الأهلية، وغيرها، واتباع سياسات تضمن إزالة القيود على إنشائها، ولكن بشرط عدم مخالفة أعمالها لأحكام القانون وحريات الآخرين والقيم والثقافة السائدة للمجتمع، وقواعد النظام العام، وأن تتسم أعمالها بالشفافية فى ظل الحفاظ على سلطة الرقابة المالية لمواردها ونفقاتها. اللامركزية تعمل على حرية تداول المعلومات والبيانات، فإتاحتهما ضرورة لازمة لتحقيق الشفافية والنزاهة ومعالجة تضارب المصالح وتفعيل المشاركة السياسية والمجتمعية، ولتحقيق ذلك يجب إصدار التشريعات وتعديل القوانين حتى تتيح للمواطنين الحق فى الحصول عليها من خلال تدقيق وتصحيح البيانات الرسمية والإفراج عن الوثائق المتعلقة بالأمن القومى التى يحددها القانون بعد مضى 25 عاما؛ أُسوة بالدول المتحضرة. من دعائم اللامركزية المساءلة والمحاسبة، فيجب التركيز على بناء سياسات لمكافحة الفساد، ويحتاج ذلك إلى إلغاء تبعية المنظمات والهيئات الرقابية للسلطة التنفيذية وضمها للسلطة التشريعية أو السلطة القضائية، ونشر تقاريرها بحرية وشفافية تامة وتخويلها سلطة إحالة المخالفات للقضاء دون إذن من أى جهة تنفيذية، مع تأكيد الاستقلال التام، والحصانة المطلقة للسلطة القضائية دون إقصاء أو احتواء، وإصدار قانون إجراءات محاكمة الوزراء بما يحقق العدالة والمساواة بين الحاكم والمحكوم والمساءلة؛ تأكيدا لمبدأ السلطة بالمسئولية، لإعلاء إرادة الأمة على ما سواها.