"إن الذى يمد رجليه لا يمد يديه"! القصة من بدايتها، كما رواها الشيخ العريفى فى خطبته الأثيرة عن مصر، أن الشيخ أحمد الدردير وكان عابدا عالما صالحا، جلس فى الأزهر يوما يعلم طلابه، فلما دخل أحد الولاة، وكان يريد أن يستميل المشايخ لبعض الفتاوى التى يريدها لإلزام بعض الناس بأمور، فقام الطلاب خائفين من كثرة الجند، ومبجلين لهذا الوالى، فأخذ الدردير مصحفا، ووضعه فى حجره، وجعل يتلو القرآن وقد مدّ رجليه، فمر به الوالى فقال: من هذا؟ قالوا: هذا الشيخ أحمد الدردير، قال: فلماذا لم يقم لما رآنى؟ فحاولوا أن يعتذروا له، فحنق عليه الوالى، ثم ذهب إلى قصره، وأخذ صرة أرسلها مع أحد رجاله، قال: أعطها ذلك الشيخ الذى كان مادّا رجليه لما مررنا به، فلما أقبل إليه ذلك المندوب، وناوله الصرة، علم الشيخ أن ذلك الوالى أراد أن يذله بقبول المال، فنظر إلى هذا الرسول وقال له: "ارجع إلى من أرسلك، وقل له إن الذى يمد رجليه لا يمد يديه". ... كأن "سر الكرامة" مدفون تحت تراب مصر تتوارثه الأجيال، وكأن "بذرة الحرية" مغروسة فى أرضها منذ علّم المصرى القديم الزراعة للبشرية، وكأن "جينات الشرف" محقونة فى أصلابهم، تنتقل من جد لأب لابن لحفيد فى سلسال ممتد إلى يوم القيامة، وكأن "مسحوق العزة" ذائب فى نهر النيل مثل "الفوّار" يروى عطش المصريين للماء والحرية.. فى جرعة واحدة. يد المصرى دوما هى العليا، تنفيذا لتوجيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليس المسلمين فحسب، ولكن الأقباط أيضا لوصيته صلى الله عليه وسلم "الله الله فى قبط مصر فإنكم ستظهرون عليهم ويكونون عليكم عدة وعونا فى سبيل الله"، وقد قال عبد الله بن عمرو بن العاص -رضى الله تعالى عنهما- "قبط مصر هم أخوال قريش مرتين" نظرا لأن السيدة هاجر زوجة إبراهيم عليه السلام أم إسماعيل جد نبينا عليه الصلاة والسلام مصرية، وأمنا مارية القبطية مصرية أيضا. على مر العصور، حاول الطغاة كسر كرامة هذا الشعب، وتصويره بما ليس فيه من الخنوع والخضوع والذل من أجل لقمة العيش.. يأبى المصرى أحيانا أن يكشف عن وجهه الحقيقى، ويتحايل أحيانا أخرى، ف "ياخد حاكمه على أد عقله"، قبل أن يهب ليقتلع الطاغية، ويخلع الفرعون، ويقضى على آمال "الوريث المشتاق". أيام صعبة، وذكريات أليمة، و"مرار طافح" عاشه مصريون فى الغربة من أجل لقمة عيش حُرموا منها فى بلدهم، يغنى أحدهم لمصر من بعيد بأسى وشجن مع حمزة نمرة: "البعد عنك خوف.. وأنا ع الرجوع ملهوف.. لكن هاعود إزاى ومكانه كله ضيوف.. يا قلبى يا موجوع يا آهة حاضنة دموع.. حب الوطن بيعيش لما يموت الجوع"، وقبل أن يظن "الكفيل" أنه اشتراه عبدا أسيرا ذليلا، ينتفض المصرى بعزته وشموخه "تذكرتى رايح جاى". "الدردير" رفض أن يحصل على المال ب"يد سفلى"، و"دردير المصرى نسخة 2013" ليس عالما طيبا، ولا زاهدا ورعا، ولكنه "نظام ثورة حرة"، يأبى صلف أى والى "موالى" للنظام القديم، ويمد رجليه فى عين "التخين".