أثناء وضع الدستور استجاب غالبية أعضاء الجمعية التأسيسية لمطالب الكنائس المختلفة بالإبقاء على نص المادة الثانية من الدستور كما هى ورفضوا طلبات القوى السلفية بوضع كلمة "أحكام الشريعة" مكان كلمة "مبادئ الشريعة" لطمأنة شركاء الوطن، واستجيب لطلباتهم بوضع مادة للاحتكام لشرائعهم، ووقّع ممثلو الكنيسة على مسودة الدستور قبل الأخيرة، ثم صدرت لهم تعليمات بالانسحاب "السياسى" من الجمعية التأسيسية مع المنسحبين بلا مبرر منطقى لهذا الانسحاب!. قيل إن الانسحاب جاء عقب إقرار المادة 219 -التى تفسر المادة الثانية الخاصة بالشرعية- والتى تنص على أن "مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة"، والتى سبق أن احتج عليها البابا تواضروس وقال: إنها "كارثية". ثم جاءت الاحتجاجات أمام قصر الاتحادية لتشهد تكرار الخطأ نفسه الذى وقعت فيه الكنيسة فى انتخابات الرئاسة عند ما حشدت أنصارها وراء (الفلولى) أحمد شفيق ضد الرئيس مرسى، وخطأها عند ما حشدت أنصارها ضد الإعلان الدستورى الأول الذى وضعه العسكر بزعم أنه مع الشريعة. لست فى حاجة هنا لذكر ما أوردته صحف أمريكية مثل نيويورك تايمز وواشنطن بوست من حشود مسيحية (البعض قدرها ب15 ألفا) خرجت من الكنائس للهتاف ضد الإخوان والمرشد والرئيس محمد مرسى أمام الاتحادية، أو تظاهر منظمات أقباط المهجر أمام البيت الأبيض للاستقواء بأمريكا لإسقاط رئيس بلدهم! نعم من حقهم الديمقراطى التظاهر والاحتجاج، لكن لأنهم "مواطنون"، بعيدا عن لعب الكنيسة الدور السياسى السابق نفسه الذى تسبب فى احتقان سابق لدى قطاعات إسلامية عديدة من وراء الستار. وعلى الرغم من نفى القس أنجيلوس إسحاق سكرتير البابا الاتهامات الموجهة ضد للكنيسة بالحشد ضد الرئيس، وقوله "إنها لا محل لها من الصحة" و"الكنيسة مؤسسة روحية وطنية لا علاقة لها بالسياسة"، إلا أننى حرصت على ذكر آراء المراسلين الأجانب حول حقيقة هذا الحشد ولعب الكنيسة دورا سياسيا ورفع الصلبان والشعارات المناهضة للرئيس والدستور، لا ما قاله نشطاء إسلاميون عن هذا الحشد وهو كثير!. كنت أتوقع من البابا تواضروس الثانى أن يعيد الكنيسة لدورها الروحانى الجميل بعيدا عن لعب دور سياسى يحرض ضد الرئيس الشرعى المنتخب ويمنع السير فى ركاب "جبهة إحراق مصر"، وسعدت بدعوته كافة القوى الوطنية للجلوس على مائدة الحوار، ودعوته للهدوء وعدم اللجوء للعنف، ولكنى أخشى إذا استمرت هذه العقلية التحريضية من قبل بعض غلاة المتعصبين الأقباط لحشد رواد الكنائس ضد الرئيس (الإسلامى) وضد التيارات الإسلامية فى الفضائيات ولعب الكنيسة دورا سياسيا، أن تزداد حدة الطائفية الدينية بعد السياسية. أتمنى ألا تكرر الكنيسة –عبر بعض القساوسة داخلها وليس كل قيادتها- أخطاء حشد أنصارها وراء أحمد شفيق ووراء رفض الإعلان الدستورى الأول، بالحشد هذه المرة ضد الرئيس الشرعى؛ لأنها فى الحالتين السابقتين راهنت على الحصان الخاسر، لا على التعايش السلمى. وأتمنى من البابا تواضروس أن يضرب على أيدى هؤلاء القساوسة الذين يسيئون للعلاقة بين المسلمين والأقباط عبر هذه الحشود السياسية ويتعمد قيادتها فى الشوارع بلباسهم الكهنوتى انطلاقا من بعض الكنائس؛ لأن هناك فارقا بين تظاهر المواطن القبطى بجوار المواطن المسلم للمطالبة بحقوقه السياسية، وقيادة قساوسة للمظاهرات ضد الرئيس الشرعى المنتخب لمجرد أنه "إسلامى"!