لماذا انسحب التيار الليبرالى من الجمعية التأسيسية للدستور؟ حارت العقول فى تفسير موقفهم، فالانسحاب لم يكن احتجاجا على تشكيل الجمعية كما يدعون، فهم وافقوا على ذلك التشكيل الذى تم بالتوافق بين الاتجاهات السياسية، وشاركوا فى أعمال الجمعية فترة من الزمن. لكن مستر برادعى أخرجنا من تلك الحيرة، وقدم تفسيرا لموقف التيار الليبرالى، فقال لصحفية دير شبيجل الألمانية: إنهم قد انسحبوا؛ لأن هناك أعضاء فى الجمعية لا يؤمنون بالهولوكوست ويمنعون الموسيقى!!. فما حكاية الهولوكوست تلك التى يرفض الليبراليون الجلوس مع أعضاء لا يؤمنون بها؟!. قبل أن نروى لكم القصة نقول: إن الليبراليين يقدمون أنفسهم للجمهور بأنهم يدافعون عن حرية الرأى والتعبير، وأنهم يهيمون حبًّا بالديمقراطية وشوقا لها، ومع ذلك ينسحبون من الجمعية طبقا لتفسير مستر برادعى رفضا للجلوس مع أعضاء لا يؤمنون بالهولوكوست. ومن فضل الله علينا أن الليبراليين يكشفون تناقضهم ونفاقهم بأنفسهم، فالهولوكوست تحولت إلى وسيلة إرهاب لكل صاحب رأى، وإلى قيود كبلت حرية الرأى والتعبير فى أوروبا وأمريكا، فلا يجرؤ أحد على مجرد طرح أسئلة أو إعمال العقل أو البحث بحرية فى حقيقة القصة. ولكن ما الذى دفع مستر برادعى إلى تذكر تلك القصة؟ وماذا تعنى رسالته؟ لكى نفهم أغراض مستر برادعى لا بد أن نذكر مناشدته أمريكا وأوروبا بإصدار بيانات إدانة واضحة للإعلان الدستورى الذى أصدره الرئيس محمد مرسى، فتفسير البرادعى لانسحاب التيار الليبرالى يأتى فى إطار مطالبة الغرب للتدخل فى الشئون الداخلية المصرية حتى لا يقوم أعداء إسرائيل الذين ينكرون الهولوكوست بصياغة الدستور، مما يؤدى إلى استقرار مصر ونهضتها، وهذا يشكل خطرا على إسرائيل. أما قصة الهولوكوست فهى تتلخص فى أن اليهود استغلوا انتصار الحلفاء على هتلر فى الحرب العالمية الثانية للادعاء بأنهم شاركوا فى الحرب إلى جانب الحلفاء؛ لذلك اضطهدهم هتلر وقام بحرقهم فى أفران الغاز. تلك القصة استخدمها اليهود لابتزاز الغرب سياسيا وماديا؛ حيث حصلت إسرائيل على التأييد السياسى والدعم العسكرى والاقتصادى من أمريكا وأوروبا، كما حصلت على مئات المليارات من الدولارات كتعويضات من ألمانيا، بالإضافة إلى مئات المليارات كتبرعات من الأمريكيين لليهود المضطهدين. القصة تحولت إلى صناعة ضخمة؛ حيث تم إنتاج أكثر من 500 فيلما سينمائيا عنها حتى عام 1983، وكانت قنوات التلفزيون فى أوروبا وأمريكا تقوم بعرض بعض هذه الأفلام عندما تقوم إسرائيل بشن عدوان على الفلسطينيين أو على لبنان أو على أية دولة عربية، فلا يهتم الغربيون بضحايا العدوان الإسرائيلى على العرب، وإنما تتدفق دموعهم حزنا على اليهود ضحايا الهولوكوست. لم يكتف اليهود بالإنتاج السينمائى الضخم، ولكن الصحف وقنوات التلفزيون امتلأت بالمقالات والبرامج عن الموضوع، وصدرت مئات الكتب التى جرى توزيعها بأسعار رخيصة، وفى الوقت نفسه تم منع نشر أو عرض أية مواد أدبية أو سياسية أو إعلامية تهاجم اليهود، وهناك كثير من العلماء والباحثين الذين حاولوا دراسة القصة، فتم فصلهم من الجامعات أو إلغاء درجاتهم العلمية، ولم يستطع صحفى أن يكتب أية معلومة حقيقية رغم كل الادعاءات حول حرية الرأى والتعبير والصحافة والإعلام. تبرز هنا قصة المؤرخ الإنجليزى ديفيد إيرفنج، وهو متخصص فى تاريخ الحرب العالمية الثانية، وعندما انهار الاتحاد السوفيتى استطاع أن يحصل على إذن من السلطات الروسية بالاطلاع على وثائق المخابرات السوفيتية، وحصل إيرفنج على مجموعة من الوثائق التى تؤكد أن القصة مزيفة، وأن أعداد اليهود الذين قتلهم هتلر كانت قليلة، وأن أفران الغاز تلك كانت تستخدم فى تنظيف ملابس الجنود الألمان من القمل وغيره من الحشرات. عند ما عاد ديفيد أيرفنج من الاتحاد السوفيتى إلى إنجلترا اعتدى عليه اليهود بالضرب فى مطعم بلندن، وتم منع نشر مقالاته أو كتبه، ولم يتذكر أحد حرية الرأى والإعلام. لو عدنا إلى الصحف الغربية بعد نهاية الحرب العالمية سنجد أن اليهود قد رفعوا لافتة على معسكر أشوفيتز تحدد عدد ضحايا اليهود بمليون واحد فقط، لكنه تم بعد ذلك تغيير اللافتة إلى ثلاثة ملايين، ثم تم رفع العدد إلى ستة ملايين. جرى بعد ذلك اعتماد هذا الرقم رسميا من كل دول أوروبا، وقامت السلطة الأمريكية بإنشاء متحف لضحايا الهولوكوست من اليهود فى واشنطون. أما إسرائيل فإنها استخدمت القصة لابتزاز الغرب، وتعذيب ضمير الغربيين، خاصة ألمانيا التى اضطرت لدفع أكثر من 160 مليار دولار كتعويضات لليهود، وهو الأمر الذى دفع صحفيا أمريكيا إلى قول: إن الهولوكوست كذبة أقيمت عليها دولة هى إسرائيل. أما الدول الغربية فهى تخضع للابتزاز الإسرائيلى، بينما لا تتذكر ملايين المسلمين الذين تمت إبادتهم فى الأندلس والجزائر والعراق وأفغانستان، كما أنها لا تتذكر أبدا الجريمة الإسرائيلية التى تم فيها إبادة مئات الآلاف من الفلسطينيين وتهجيرهم ونهب ممتلكاتهم. ولا تتذكر آلاف الأسرى المصريين الذين قام الجيش الإسرائيلى بإعدامهم عام 1967. ولأنه لا يمكن أن يتولى منصبا عالميا كل من لا يؤمن بقصة الهولوكوست، فمن الواضح أن مستر برادعى كان يوجه رسالته للغرب بأنه زعيم الليبراليين فى مصر وأنه يؤمن بالهولوكوست لذلك انسحب الليبراليون من الجمعية التأسيسية؛ لأنهم لا يتحملون وزر الجلوس بجانب أعضاء لا يؤمنون بالهولوكوست، وبالطبع فإن هؤلاء الأعضاء من الإسلاميين فى عملية تحريض للغرب ضدهم. ولكن لماذا فى ألمانيا؟ لقد بدأت مصر عملية بناء علاقات اقتصادية قوية مع ألمانيا التى تحتاج إلى مد جسور الود مع مصر، ومن الواضح أن مستر برادعى يريد أن يقطع إمكانيات التواصل والتعاون الاقتصادى مع ألمانيا!. لكننى أهمس فى أذن البرادعى أنه بالرغم من إقامته الطويلة فى الغرب؛ فإنه لا يفهم نفسية الغربيين، وأن الألمان تحديدا يكرهون قصة الهولوكوست، ويشعرون أنها قد استخدمت لابتزازهم، ولكنهم لا يجرءون على الكلام، وكذلك يشعر الأمريكيون والفرنسيون وغيرهم، والزمن يتغير بسرعة يا مستر برادعى، وقد يأتى يوم يتمكن فيه الغربيون من التعبير عن مشاعرهم ويثورون ضد الابتزاز الهولوكوستى والليبرالية المنافقة! أما شعب مصر فإنه بالتأكيد يريد دستورا بدون هولوكوست، ويعتقد أن الذين يمثلونه ويعبرون عنه هم الأعضاء الذين لا يؤمنون بذلك الهولوكوست!.