تعرف هذا الطفل بمجرد أن تراه يسير فى مدرسته بمفرده فى خطوات سريعة، يقضى الفسحة فى مراجعة دروسه فى الفصل أو القراءة فى المكتبة، وقد تكون نظارته الطبية علامة مميزة لتفوقه، ليس لديه أصدقاء ولا يبادر بالتعرف على أحد، وكل من يتعامل معه من زملائه لا يكون هدفه سوى الاستفادة من قدراته وإمكانياته فى المذاكرة والتى لا يعرف شيئا غيرها فى الحياة. وبمجرد أن تنتهى أشهر الدراسة ويتفوق كعادته لا يفرح بالإجازة ويقضيها فى اللعب والنوم والتليفزيون كسائر أقرانه، بل يعد العدة لاستذكار مواد السنة الدراسية المقبلة وتحديد مواعيد الدروس الخصوصية؛ وذلك حتى يتهيأ لاستقبال العام الدراسى الجديد ويتفوق كالعادة. فى وسط هذا الحصار، يعيش زياد الطالب المتفوق النابغة كما يصفه الجميع؛ فبعد تفوقه فى الشهادة الإعدادية هذا العام بدأ الاستعداد فى البيت لاستقبال المرحلة الثانوية والتى تحتاج لجهد مضاعف وعدم تضييع ثانية واحدة من وقته كما تؤكد عليه والدته دوما. ولكن التفوق الدراسى له آثارة السلبية فيما بعد كما يشير صلاح -أب لطفلين- والذى يؤكد أنه رغم تفوقه الملاحظ طيلة سنوات الدراسة؛ إلا أنه لم يستطع الترقى فى عمله الذى يعتمد بشكل أساسى على خدمة العملاء، فعلاقاته الاجتماعية محدودة إن لم تكن منعدمة، ولا يميل إلى ممارسة أى نشاط، وينفى أن يتبع مثل هذا النهج مع أولاده حتى لا يصيبهم مثل ما أصابه. دائرة مغلقة حرص الآباء على تفوق الأبناء الدراسى هدف مهم ولكن يجب ألا يكون على حساب أهداف أخرى كما تؤكد د. منى البصيلى -أخصائية نفسية ومستشارة تربوية- وتبين أن: "من أسباب عدم قدرة الأبناء على تكوين علاقات اجتماعية أو مجاراة الأقران فى اللعب أو حتى الاعتماد على أنفسهم داخل الأسرة وخارجها هو الأهل، لأننا نتعامل مع الطفل على أنه مشروع طالب فقط ونحصر الاهتمام فى دائرة الدراسة دون غيرها، فلا يوجد توازن بينها وبين الجوانب الأخرى كالتفاعل الأسرى والأنشطة الرياضية والفنية وغيرها، أو الحرص على تكوين علاقات اجتماعية جيدة بالأقران، فيعيش الطفل فى دائرة الدارسة فقط وغالبا يخفق بعد ذلك فى تحقيق النجاح الاجتماعى أو إدارة فريق. التوازن مطلوب الوصول إلى التفوق الدراسى لا يعنى ألا يستمتع أطفالنا بالحياة كما تضيف البصيلى ومن أهم خطواته: •إدراك الأهل لأهمية التوازن بين المذاكرة والأنشطة ومساحة للخروج مع الأصدقاء. •عدم تلبية طلبات الطفل وهو جالس على مكتبه؛ فصينية الطعام والعصائر واللبن التى تحملها الأم جيئة وذهابا مرفوضة تماما، ولكن ينبغى أن نعطى الأبناء فرصة للاعتماد على أنفسهم والمساعدة فى أعمال البيت. •المشاركة فى الأنشطة المفيدة التى تنمى شخصية الطفل مبكرا وتعده لتحمل المسئولية وتكسبه الثقة فى النفس والإيجابية والقدرة على اتخاذ القرار. •من الخطأ الشديد المقارنة بين الأطفال، وعدم حصر المكافأة أو العقاب على التفوق الدراسى فقط، بل ينبغى الانتباه إلى الفروق الفردية فيما بينهم وتعزيز مهارات وملكات كل طفل على حدة. •تقييم المدرسة للأطفال على محور الدراسة فقط ظلم لهم، ولكن من المهم تحديد مكافأة لتكريم الطفل على محاور أخرى مهمة كالنظافة والنظام واالتعامل بالأدب والأخلاق والتعاون والتفاعل الاجتماعى والمشاركة فى الأنشطة الرياضية والفنية. •تدريب الطفل على التخطيط الجيد لحياته بدلا من تخطيط الأهل له، مثل تنوع الاختيارات فى الأكل والملابس ومكان النزهة وأوقات وجدول المذاكرة واللعب وغيرها وعدم فرض الرأى عليه بالقوة أو إجباره على فعل شىء لا يرغب فى أدائه. •إعطاء الطفل مساحة للخطأ والإخفاق، فكلنا بشر نخطئ ونصيب، والفشل لا يعنى نهاية الحياة، بل قد يكون الدافع لمزيد من النجاح والتفوق والقدرة على إدارة الحياة بشكل أفضل. •تشجيعه على الاستذكار والتفوق قدر طاقته، وتنمية مهاراته وهواياته والتى يجب ألا نعتبرها نوعا من التعويض إذا لم يحقق التفوق المطلوب، ولكنها جوانب مهمة فى تكوين شخصيته حتى يتمكن من النجاح فى حياته على المستوى الشخصى والمهنى.