تأتي مسرحية انتخابات الرئاسة المصرية بين فبراير وحتى مايو 2018م، وسط تحولات عاصفة تشهدها المنطقة، وفي ظل فوضى عارمة تعاني منها مصر على كل المستويات، ومخاوف كبيرة من جانب الأجهزة الأمنية الموالية للعسكر، والتي تضع عدة سيناريوهات لهذه المسرحية المرتقبة، بين فوز رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي بالتزكية، أو البحث عن كومبارس مناسب على غرار حمدين صباحي في مسرحية 2014م. وأعلن المستشار لاشين إبراهيم، رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات، فى حوار صحفى مع صحيفة الأهرام الحكومية في عدد الخميس الماضي 28 ديسمبر 2017م، أن الهيئة ستعلن خلال أيام الجدول الزمنى للانتخابات الرئاسية، لافتا إلى أن إعلان النتائج واسم الفائز وفقا للدستور والقانون، سيكون قبل 3 مايو المقبل، مؤكدا أن عدد المقترعين وصل إلى 60 مليون مواطن. فالأجواء العامة في مصر شديدة الغموض، والأسئلة المطروحة أكثر من الإجابات المتاحة، والناس في حيرة، وهناك يقين غائب بالمستقبل المحتمل، وهي حالة مربكة لمؤسسات الدولة التي سطا عليها العسكر، وللشعب نفسه بكل طوائفه وقواه الحية والصامتة. ووفقا لخبراء فإن هذه الحالة غير مسبوقة في مصر، على الأقل في الجيل الحالي. تزكية أم كومبارس؟ وبحسب مراقبين، فإن هناك مخاوف كبيرة لدى نظام عسكر 30 يونيو تتعلق بتآكل شعبية الجنرال بصورة غير مسبوقة، وأن التقارير التي تصل إلى مكتب السيسي نفسه والأجهزة السيادية تؤكد هذه الحقيقة. وأنه إذا جرت انتخابات حقيقية نزيهة وسط منافسة حقيقية أمام أي مرشح جاد، فإن السيسي سيخسر حتمًا، ولا سيما بعد موجات الغلاء الفاحش وتفاقم الأزمات بصورة غير مسبوقة، وعجز الجنرال عن حل أي أزمة، بل يكتفي فقط بخطابات عاطفية، والتعبير عن أحلام وإنجازات وهمية لا يرى الشعب لها أثرا في حياته ومعيشته. المخاوف أيضا تتعلق بالمقاطعة الكبيرة والمتوقعة من جانب الشعب لهذه المسرحية، ما يضع نظام 30 يونيو في مأزق كبير، ولا تزال صورة مسرحية 2014 ماثلة في الأذهان عندما عزف الشعب عن المشاركة، ما دفع إعلام العسكر إلى التوسل والإلحاح وسط المشاهد التي تعكس خلو اللجان من الناخبين بعكس انتخابات 2012، والتي امتدت فيها الطوابير أمام اللجان لمئات الأمتار في الغالبية الساحقة من اللجان الانتخابية. لذلك فإن الأجهزة الأمنية في حيرة من أمرها، بين البحث عن كومبارس هزيل، وإقامة مسرحية الرئاسة في ظل المقاطعة الكبيرة من الشعب، مع ما يترتب على ذلك من تأكيد عدم مشروعية النظام، والذي هو بالأساس يعاني منها بعد انقلابه في 3 يوليو، وبين إعلان فوز الجنرال بالتزكية، مع ما يترتب على ذلك أيضا من خسائر للنظام. 12 مليون توقيع! وفي ظل هذا المشهد المرتبك، أعلنت حركة «علشان تبنيها»- التي دشنتها أجهزة المخابرات لدعم رئيس الانقلاب ويديرها ضباط بجهاز الأمن الوطني على مستوى جميع المحافظات- عن أنها جمعت 12 مليون توقيعٍ لدعم السيسي للترشح، وسط حملات سخرية لاذعة على هذه الأرقام المزعومة، لا سيما وأن جنرال العسكر تآكلت شعبيته وبات عاريا من أي دعم شعبي حقيقي، إلا ما كان من أجهزته وأذرعه الإعلامية التي ترسم صورة وهمية في سياق حملات التضليل المتواصلة القائمة على الكذب والافتراءات. لماذا يخاف السيسي؟ وفي سياق تعليقه على حركة "علشان تبنيها" المخابراتية، يتساءل الكاتب الصحفي جمال سلطان: «لماذا تحرص الجهة المعنية في الدولة على هذا النشاط العجيب؟ وهل نما إلى علمها أن السيسي يرفض أن يترشح أو أنه قرر أن يترك رئاسة الجمهورية طوعا في يونيو المقبل وبالتالي يطالبه قطاع من الشعب بالتراجع عن قراره؟». وتابع «طالما أن الجميع سيذهب في النهاية إلى صناديق الانتخابات ويقول رأيه، ويختار ما يختاره، فما الذي يزعج رئاسة الجمهورية؟ ما الذي يخيفهم من الانتخابات؟ وما الذي يضطرهم إلى كل هذا المجهود العجيب والمهين لشكل السلطة ووضع رئاسة الجمهورية نفسها، فضلا عن إحراج وإهانة الهيئة الوطنية للانتخابات؛ لأنها يفترض أن تتدخل لوقف هذه المهزلة المتعلقة بانتخابات الرئاسة؟». وبحسب المقال، "إذا كان السيسي وأنصاره يجمعون هذه التوقيعات من المواطنين "الناخبين" المفترضين، فلمن يوجهونها؟ ما هي الجهة التي يقصدونها بتوجيه تلك "الرسالة"؟»، ليرد الكاتب على نفسه بالقول: «المؤكد حسب منطق الأمور أنها ليست الشعب؛ لأنهم يجمعون التوقيعات من الشعب نفسه، فلمن توجه هذه الرسالة؟ وهل هناك من يعوق فكرة ترشح السيسي مرة أخرى للرئاسة؟ هل المسألة حاليا محل شك أو مطروحة للنقاش أو إعادة نظر من أي جهة؟".