جاءت تصريحات رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي، اليوم السبت 18 نوفمبر2017م، حول فشل المفاوضات في كارثة سد النهضة مع إثيوبيا صادمة بكل المقاييس، بل إنها بحسب مراقبين تشجع الجانب الإثيوبي على المضي قدما في استكمال بناء السد دون اكتراث لرد الفعل المصري. وقال رئيس الانقلاب، خلال افتتاحه "مزرعة سمكية" بكفر الشيخ: «مية مصر موضوع مافيش فيه كلام، وأنا بطمنكوا ماحدش يقدر يمس مية مصر»، ويضيف السيسي أن المياه تخص الشعب المصري كله، لكن الجنرال الدموي الذي جاء عبر انقلاب عسكري على أول حكومة منتخبة، يعلن فجأة عن تخليه عن مسئولياته، محملا الكارثة لرئيس البرلمان علي عبد العال، ورئيس الحكومة شريف إسماعيل، رغم أنه من المعلوم من نظام الحكم بالضرورة أن هؤلاء مجرد سكرتارية تحركها الأجهزة الأمنية، وينفذون فقط الأوامر والقرارات التي تصدر من جانب "الأجهزة السيادية". حيث يضيف السيسي «رئيس البرلمان علي عبد العال، ورئيس الحكومة الدكتور شريف إسماعيل، موجودين وعليهم التصرف في هذا الأمر»!. خطيئة السيسي في إدارة الملف وتأتي تصريحات السيسي الصادمة امتدادا لإدارته الفاشلة لأخطر ملف يهدد الأمن القومي المصري، حيث اعتبر الكاتب الصحفي أشرف البربري- في مقال له بصحيفة الشروق في عدد الخميس 16 نوفمبر الجاري- أن إدارة السيسي لملف سد النهضة خلال السنوات الأربع الماضية «خطيئة» أضاعت على مصر حماية حقوقها المائية. وتحت عنوان «أم الكوارث فى معركة السد»، يحذر البربري من أنه «للأسف الشديد يمكن القول إن الأسوأ فى كارثة سد النهضة الإثيوبى لم يأتِ بعد، لكنه آت لا محالة. فالكارثة الكبرى فى إصرار الإثيوبيين على بناء السد دون أى اعتبار للموقف المصرى، هى أن إثيوبيا وربما معها باقى دول منابع النيل، قد اختبرت صلابة السلطة المصرية ومدى استعدادها للدفاع عن الحقوق المصرية فى مياه النهر الخالد». فالإثيوبيون "بحسب البربري"، لم يروا من السلطة المصرية على مدى السنوات الأربع الماضية ما يجعلهم يترددون فى انتهاك الحقوق المصرية وتعريض الأمن القومى المصرى لأخطر تهديد على مدى تاريخه، وإنما رأوا ما اعتبروه لينا فى التعامل مع هذا الملف، فما كان منهم إلا مواصلة البناء والاستعداد لبدء تشغيل المرحلة الأولى من السد، فى الوقت الذى اكتفى فيه المسئولون المصريون بالتقاط الصور أثناء توقيع «اتفاق المبادئ» أو إلقاء الكلمات الجميلة عن أواصر الأخوة والعلاقات التاريخية بين الشعوب أمام «البرلمان الإثيوبى» وخارجه!. خطورة الاعتماد "فقط" على التفاوض وينتقد خبراء اعتماد سلطات الانقلاب على مسار التفاوض فقط مع استبعاد كل الخيارات الأخرى، حتى ولو على سبيل التهديد، فبحسب البربري فإن سلطات الانقلاب منذ البداية رفعت شعار «التفاوض ولا شىء غير التفاوض» ولم تلوح بأى خيارات أخرى تجبر الجانب الإثيوبى على التجاوب مع الحقوق المصرية، مع أن الواجب كان يقتضى رفع شعار «كل الخيارات متاحة للدفاع عن الأمن القومى لمصر وحقوقها التاريخية فى مياه النيل» وصولا إلى تسوية أزمة السد، وهو ما لم يرد على لسان مسئول مصرى فى أى مرحلة من مراحل الأزمة. تلاشى الخيارات أمام العسكر وبسبب هذا الفشل الذى يصل إلى حد الخطيئة فى إدارة ملف السد على كل المستويات، وصلنا إلى النقطة التى تلاشت فيها مساحة الحركة أمام الجانب المصرى. ولا شك أنه بعد إعلان فشل مسار التفاوض وتصريحات السيسي الصادمة؛ بات الموقف المصري في ملف سد النهضة في غاية الصعوبة؛ لا سيما وأن "أديس أبابا رفضت كافة المطالب المصرية التي رفعتها مؤخرًا، وفي مقدمتها التوقيع على نص يضمن حصة مصرية ثابتة من مياه النيل، كما رفضت نصًّا آخر يُلزم بمشاركة مصر في الإشراف على إدارة السد وتشغيله". وبحسب مراقبين، فإن مساحة التحرك تضيق أمام رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي وأركان حكومة العسكر، وتدور أنباء كثيرة حول البدائل التي تحدثت عنها الحكومة ومنها، التوجه نحو المسار السياسي بعد فشل المسار الفني، أو تشكيل لجنة ثلاثية مشتركة لإدارة وتشغيل كل السدود في الدول الثلاث، أو التوجه نحو التحكيم الدولي؛ إلا أن كل هذه المسارات في ظل الإدارة الحالية لا تضمن مطلقا حماية حقوق مصر المائية.