أعلنت السعودية منذ ما يقارب ثلاثة أسابيع إطلاق مشروع استثماري ضخم، تحت اسم "نيوم"، وهو كما أعلن ولي العهد محمد بن سلمان، اسم مختصر لمستقبل جديد، وفي الواقع لا يعتبر المشروع مجرد مشروع اقتصادي عادي، فهو معبر وجسر واصل بين السياسة والاقتصاد، وعنوان بارز لتغير المشهد السياسي داخل السعودية، ويمكن من خلاله أيضا فهم طبيعة التحالفات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط. التغيرات الاقتصادية
تنطلق الإستراتيجية الاقتصادية للسعودية والتي وضحت في رؤية 2030 من انتهاج طريق اقتصادي يخفف الاعتماد على الريع النفطي، عبر التوسع فى أنشطة استثمارية، لتعظيم موارد المملكة.
من منطلق هذه الرؤية، أعلن محمد بن سلمان، في مؤتمر دولي، مشروع نيوم، والذي سيقام على مساحة تتجاوز 26 ألف كيلو متر، ويمتد من ساحل البحر الأحمر بالسعودية إلى ساحل البحر الأحمر بمصر، مرورا بخليج العقبة، وصولا إلى الأردن، بتكلفة 500 مليار دولار. ويتجاوز أيضا تقاليد المملكة المحافظة، ف "نيوم" سيضم منتجعات سياحية ومناطق ترفيهية، وتعليمية، وخدمات سياحية، نيوم رسمت له صورة ذهنية ليكون هدية السعودية للعالم على حد وصف "بن سلمان".
يعد مشروع نيوم مثالاً لحالة إعادة تشكل النفوذ وعلاقات القوى الاقتصادية، وما يتلوها أو يتجاور معها من ملامح تشكل للمشهد السياسي محلياً وإقليمياً
وإذا كانت السعودية تخلق تحالفًا سياسيًا داخليًا جديدًا لولي العهد محمد بن سلمان، فإنه في المقابل، هناك تحالف إقليمي جديد يتشكل، هذا التحالف تقود فيه السعودية بعض دول الخليج ودولاً عربية، وتضم معها إسرائيل، وهذا الحلف يتشكل لمواجهة إيران بالأساس، وتباركه أمريكا.
يتضح أن السعودية تسند لمصر والأردن مهام عديدة من بينها مشاركة الدولتين في مشروع نيوم، وتعتمد على الدولتين في بناء علاقات اقتصادية وسياسية موسعة مع إسرائيل، وهو ما يكشف عنه مشروع نيوم كمقدمة اقتصادية للتعاون الرباعي بين مصر والسعودية وإسرائيل والأردن، والذي يعد خطوة لاستكمال ما اصطلح على تسميته بصفقة القرن، يتضح أن نيوم جزء من حلف يستهدف تسوية الصراع العربي الإسرائيلي مقابل تطبيع كامل مع إسرائيل.
غياب مثير
ورغم أنه من المفترض أنهما شريكتان فإنه في مؤتمر إعلان مشروع نيوم السعودي لم نر ممثلي دولتي مصر والأردن، ولم نسمع صوت أحد منهم، الغريب أو الذي نراه غريبا أن المسؤولين المصريين أصابهم الخرس، بمن فيهم وزراء المجموعة الاقتصادية، بينما يكرر بن سلمان أن المشروع سيقام على أرض مصرية.
وحتى كتاب الصحف ومقدمي البرامج الحوارية وغيرهم من الكتاب الذين يتغنون بعطايا واستثمارات السعودية "وينوبهم من الحب جانب"، لم يتطرق أحدهم إلى غياب مصر عن مؤتمر الإعلان عن المشروع أو الصمت وعدم التعليق عليه من جانب المسؤولين.
أخيرًا يعتبر المشروع من حيث وجوده الاقتصادي والجغرافي أحد نقاط المعابر نحو التطبيع، وامتداد العلاقات الاقتصادية والسياسية ما بين إسرائيل والدول العربية، وليس كما نشرت بعض التقارير الأجنبية أنه يتم بموافقة إسرائيلية، فالمشروع تجاوز مسألة الموافقة إلى المشاركة الفعلية، بل إنه بجانب أنه أداة تطوير للعلاقات الاقتصادية المصرية السعودية بعد تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، فإنه بوابة ومعبر لتحالف إقليمي جديد تقوده السعودية وتكون إسرائيل جزءاً منه.