يستكمل نظام الانقلاب العسكري مشاهد التراجيديا المأساوية التي أدت إلى تضييع حق مصر في مياه النيل، وبدأ عرض الجزء الأخير من تلك المأساة عبر استدعاء الحرب على مطربة لمجرد اعترافها بأن النيل مصدر للبلهارسيا، رغم اعتراف صحف الانقلاب نفسها بذلك في تحقيقات صحفية موسعة، وبين الاحتفال بوصول مصر إلى كأس العالم، و"حواديت" مؤتمر شباب السيسي الذي عقد في شرم الشيخ مؤخرا. ومن المتوقع أن تنتهي تلك الكارثة قريبا، ويرقص بعدها مؤيدو السيسي على أنغام "تسلم الأيادي" رغم تضييع قيمة مصر الزراعية بعد انخفاض مستوى الطمي، ودعوة المصريين للترشيد في شرب المياه والاستحمام! مخدر إعلامي جديد وبالتزامن مع إعلان نظام الانقلاب فشل المفاوضات حول سد النهضة، واعتراف وزيري خارجية وري الانقلاب بخطورة فشل المفاوضات، وأثرها على خراب الحرث والنسل في مصر، بدأت فضائيات النظام تعمل من جديد على غسل أدمغة المصريين، في ضرورة الحفاظ على المياه، وأن الماء "الذي فرط فيه السيسي بالتوقيع على اتفاقية المبادئ السرية" يساوي حياة، ليتساءل الشعب المصري:" أين كانت الحياة حينما ذهب السيسي ووقع على اتفاقية سرية رفض أن يطلع عليها الشعب المصري"؟ فبعد التنازل عن النيل، عاد إعلام الانقلاب مرة أخرى يتحدث عن معالجة مياة الصرف الصحي، رغم فشل محطة معالجة الفيوم التي تم إنشائها 2015 وانتهى العمل بها 2016، إلا أن النظام الذي يقوم في الأصل بخلط مياه النيل بالصرف الصحي والصناعي والزراعي، يصر الآن على نسج فصول مسرحية جديدة من وحي السيسي، بعمل محطات معالجة ثالثة لمياه الصرف الصحي، ومحطات تحلية، ليقضي على النفس الأاخير في حياة المصريين، ليس فقط بالعطش والجوع، ولكن بالمرض الذي زرعه في ملايين المصريين خلال تلويث مياه النيل، وإصابة أغلب الشعب اتلمصري بالفشل الكلوي والفيروسات والأامراض السرطانية. كما بدأت الإذاعات المحلية والصحف والمواقع الإخبارية، في تدشين حملات إعلامية هزلية للحديث عن أهمية حفاظ المصريين على المياه، في الوقت الذي يتم الاهتمام بشكل غير مبرر بتصريحات مطربة قالت إن النيل به بلهارسيا، ووقفها عن الغناء وتقديم بلاغ ضدها، بل ويطالب عدد من مؤيدي الانقلاب بسجب جنسيتها وطردها خارج البلاد! ومع الحملات الإعلامية تستمر حملات انقطاع المياه عن كافة المحافظات، بدعاوى هزلية لترشيد المياه تارة ولصيانة شبكات المياه تارة أخرى، الأمر الذي أحدث أزمات غير مسبوقة في ري الأراضي الزراعية وفي بيوت المصريين، رغم الفواتير الخيالية التي أصابت كبد وجيوب المصريين، بعد رفع سعر متر الماء بشكل غير مسيبوق. كما بدأت سلطات الانقلاب في التجهيز لمسرحية جديدة، جاءت على لسان اللواء كامل الوزيري رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، حينما قال الإثنين الماضي، أنه جارٍ تنفيذ محطات تحلية مياه بمصر ضمن أكبر المحطات بالعالم. من يدفع الثمن؟ وعلق الأستاذ بكلية الحقوق محمد نور فرحات، قائلا: "فشل مفاوضات سد النهضة يعني الفشل في ملف يخص حياة المصريين، من أفتى باتفاق المباديء هو نفسه من أفتى بسعودية الجزيرتين، أين الحساب؟" وعلق الكاتب الصحفي خالد البلشي: "مرة ناس فشلوا في مفاوضات سد النهضة، فعملوا اللي عليهم وعاقبوا شيرين (وأهو كله نيل)". فيما ذكر المحامي والحقوقي مالك عدلي: "وبعد ما بقى في خطر حقيقي على حصة مصر من مياه نهر النيل وباعتراف رسمي، في حد في البلد دي هيطلع يكلمنا في حاجة غير موضوع شيرين عبدالوهاب؟ ولا هنشرب مزيكا وبلاغات؟ ونعيش من الجمعة سبع أيام زادنا وزوادنا غرام في غرام؟ مشيها غرام". فيما قال الدكتور محمد محسوب، وزير الدولة لشئون المجالس النيابية بحكومة الدكتور هشام قنديل: "التباكي اليوم على سد النهضة ستر للخيانة بدموع تماسيح، حذر كل وطني من توقيع اتفاق ضيع الأساس القانوني لحقنا، التمسك بأن من وقع لم يمثل مصر أساس لإلغاء اتفاقاته الكارثية". وقال الدكتور طارق الزمر، رئيس حزب البناء والتنمية السابق: "الوصول إلى طريق مسدود في مفاوضات سد النهضة ليس مجرد فشل كالذي تعانيه مصر في كل المجالات وإنما كارثة أفدح بكثير من هزيمة 1967، فهي جريمة إبادة شعب بكامله وتدمير دولة بكل مكوناتها، المحاكمة الشعبية واجبة". وعلق الخبير الاقتصادي هاني توفيق على تعثر وفشل المفاوضات بشأن سد النهضة قائلًا: "بلاهة أم تقصير وإهمال، حذرنا منذ 4 سنوات من تلاعب إثيوپيا بنا وتضييع الوقت في المباحثات والدراسات بينما العمل في السد جارٍ على قدم وساق". وتابع: "دخلنا بالفعل مرحلة الفقر المائي المدقع، ما يهدد كل خططنا التنموية ويعطش الشعب المصري كله، والسؤال هو: إزاي الناس دى مستهونة بينا كدة؟ وهل هناك حل غير سياسي وقاسي يرد لنا كرامتنا وحقنا ويوقف العالم دي عند حدها".