على مدار أسبوع كامل، تابعنا تطورات الصراع على منصب الأمين العام لليونسكو، والذي انحسر بين فرنساوقطر، ومرشحة العسكر السفيرة مشيرة خطاب. المنصب ليس مهمًا إلى درجة كبيرة، ولكن الخلافات العربية العربية وأزمة الخليج ألقت بظلالها على مشهد الانتخابات التي أجريت بالعاصمة الفرنسية باريس، الأمر الذي جعل المنافسة تتسم بالشراسة التي انتقلت إلى مربع النكاية والمكايدة، لا سيما مع تصدر المرشح القطري الدكتور حمد بن عبد العزيز الكواري للانتخابات على مدار 4 جولات كاملة. وبحسب مراقبين، فإن انتخابات اليونسكو، والتي انتهت بفوز المرشحة الفرنسية "أودريه أزولاي" في نهاية المطاف، شهدت 4 ملاحظات جديرة بالاهتمام؛ لأنها تعكس مستوى الانحدار في المشهد العربي، وأن الفتن والخلافات تهدر فرص العرب التي يكون الحصول عليها سهلًا، لو كان هناك أدنى درجات الانتماء العروبي والإسلامي. العصف بالعروبة الملاحظة الأولى والأهم على الإطلاق، هو انتهاء مقولات الولاء للعروبة والأمة العربية والجامعة العربية، وغير ذلك من العبارات الرنانة التي استُهلكت، وباتت لا تسمن ولا تغني من جوع. فبمجرد سقوط مشيرة خطاب أمام المرشحة الفرنسية في جولة الترجيح وبفارق كبير؛ أعلنت وزارة الخارجية بحكومة العسكر دعمها للمرشحة الفرنسية، في مشهد عبثي لن ينساه التاريخ مطلقًا، ليكون شاهدًا على تردي الأوضاع وانهيار منظومة القيم العربية. وبحسب مراقبين، كان من الكياسة عدم الإعلان عن دعم المرشحة الفرنسية ضد المرشح العربي القطري الدكتور حمد الكواري؛ حتى لو أن المندوب المصري مارس عمليا دعم المرشحة الفرنسية في صمت. إهدار الفرص الملاحظة الثانية بحسب مراقبين، هي أن الخلافات العربية العربية تهدر الفرص السهلة، حيث حصل المرشح القطري على 19 صوتا في الجولة الأولى، وحصلت مشيرة خطاب على 11 صوتا، ما يعني أن العرب حصلوا على 30 صوتا كانت كافية لحسم المنصب من الجولة الأولى لو كان هناك توافق عربي على ذلك. وفي الجولة قبل الأخيرة، حصل المرشح القطري على 22 صوتا، بينما حصلت مشيرة خطاب على 18 صوتا، وهو ما مجموعه 40 صوتا، كانت كفيلة بحسم الانتخابات أيضا. وبحسب الكاتب الصحفي جمال سلطان، فإنه من الطبيعي أن تفكر بعض الدول في الخروج من الانقسام العربي بالتصويت لمرشح آخر، فكانت الحصيلة للمرشحة الفرنسية في الجولة الأخيرة. هل يتم التحقيق في هزيمة خطاب؟ الملاحظة الثالثة، بحسب سلطان، أنه من الواضح أنه لن تفكر أي جهة في مصر في مراجعة ما حدث والتحقيق فيه، من أول اختيار المرشحة لتمثل مصر في هذه الموقعة المهمة، حيث هناك ما يشبه الإجماع على أنها لم تكن الشخص المناسب لها، مرورا بالإصرار على خوض النزال حتى نهايته رغم الهزيمة أربع مرات أمام المرشح القطري وبفارق كبير، وثلاث مرات أمام المرشحة الفرنسية، ثم الخروج النهائي أمامها في جلسة تصويت ترجيحية وبفارق كبير، كان من الواضح أن المرشحة المصرية ليست أمام فرصة حقيقية للفوز، ومع ذلك أصرت البعثة المصرية الكبيرة، وعلى رأسها وزير الخارجية، على الاستمرار والإقامة على نفقة مصر "الفقيرة قوي" ثمانية أيام في العاصمة الفرنسية!. تراجع مكانة مصر الأسوأ من ذلك كله، أن هذه الانتخابات أكدت تراجع مكانة مصر عالميا في ظل حكم العسكر وانقلاب 30 يونيو المشئوم. فمصر بحسب سلطان لم تنجح في إدارة هذه المعركة بسمت "الكبار" ونبل "الكبار" وسلوك "الكبار"، بل بدا الأمر كما لو كنا في "خناقة حواري" وليس في نزال حضاري رفيع يراقبه العالم كله. ومع الأسف، كانت المواقف السياسية والدبلوماسية والإعلامية مهينة لمصر وقدرها ومكانتها وحجمها، لقد بدا الأمر كما لو أنه "كيد" ومعاندة طفولية ضد المرشح القطري تحديدا. وكما لاحظ كثيرون، فقد انشغلت آلة الإعلام في مصر بالهجوم على المرشح القطري أكثر من الانشغال بمشيرة خطاب والتعريف بها. مع الأسف الشديد بحسب سلطان، أتت معركة اليونسكو لكي تؤكد من جديد تراجع مكانة مصر دوليا، لدرجة أن دولة حديثة النشأة مثل قطر تحظى بكل هذه الأصوات من دول العالم رغم تكرار التصويت على حساب مصر، كما أن إدارة تلك المعركة الصغيرة، سياسيا ودبلوماسيا وإعلاميا، أكد من جديد أن بعض أصحاب القرار في القاهرة لا يدركون بشكل جيد حجم الدولة التي يديرونها ومكانتها وتاريخها، ما يؤدي إلى تقزيمها أكثر أمام أشقائها وأمام العالم.