يقف أمام السفيه السيسي ويكرر القسم، يخرج من الديوان حاملًا لقب وزير، له من النفوذ والمواكب والمكاتب والوجاهة الكثير، لكنه في مصر الآن يفتقد السلطة، بمعنى مختصر «وزير بلا صلاحيات» أمرٌ أصبح طبيعيًّا في مصر، تلك الموجة لتهميش دور المدنيين في مؤسسات الدولة تصاعدت خلال السنوات الماضية، وخاصة بعد انقلاب 3 يوليو 2013، ووصلت لأعلى مراحلها ليصبح قادة الجيش مسئولين عن جميع الملفات تقريبًا، بداية من الصحة والتموين، ومرورًا بالإسكان والنقل، ووصولًا للخارجية دون سبب منطقي. وحصلت بوابة "الحرية والعدالة" على انفراد من داخل أروقة الانقلاب، اذ قرر السفيه عبد الفتاح السيسي قائد الانقلاب تسريح السفراء المصريين البالغ عددهم 170 سفيرا حول العالم، وإحلال ضباط الجيش مكانهم، خصوصا من المخابرات الحربية التي يديرها نجله.
وأكدت مصادر مطلعة ل"الحرية والعدالة" أن السفيه السيسي أجل هذه الخطوة إلى ما بعد عيد الفطر، وأنها تأتي تزامناً مع تدخل المخابرات الحربية وصهر السيسي رئيس الأركان محمود حجازي في عمل وزارة الخارجية، ويطرح مراقبون السؤال: إلى أين يأخذ السيسي مصر؟
توصية صهيونية
ومنذ انقلاب الجيش على الرئيس المنتخب محمد مرسي أصبح يلعب دورٌ من المفترض أن تلعبه وزارة الخارجية، ففي الملف الليبي تتعامل معه المخابرات الحربية بشكلٍ مباشر ومعلن، وتتولَّى القوات المسلحة مسئولية إدارة المفاوضات، وملف دعم الانقلاب في ليبيا.
ويلعب رئيس أركان الجيش الذي أصبح من الطبيعي أن يظهر باللباس المدني بدلًا من العسكري دور وزير الخارجية، ويعقد اللقاءات مع الفرقاء الليبيين، في ظل غياب كامل لسامح شكري وزير خارجية الانقلاب، ومن ذلك لقاء الفريق محمود حجازي مع خليفة حفتر.
ويعلق الإعلامي المصري حازم غراب، على المشهد الحالي لسياسة العسكر الخارجية، بقوله: “السيسي أخذ مصر عنوة وجهالة وحمقا مع عصاباته في الداخل إلى عدة كوارث، تبعتها كوارث على النطاق الخارجي تعد أخطر على كيانها، فالسياسة الخارجية الحمقاء المستجدية تسهم في تسريع نهاية الديكتاتور، وخطاياها تضيف إلى خطاياه على النطاق الداخلي فيغلي المرجل أكثر وتلوح النهاية في الأفق”.
وأضاف غراب: “السيسي أخذها عنوة وجهالة إلى تمزيق نسيج وحدتنا الوطنية، فقسمنا إلى شعبين يكره كل منهما الآخر، ومن ثم يستغل أعداؤنا وداعموهم هذا الانقسام؛ فيبتزونه ويدفعونه دفعا إلى الاستقراء بهم لحماية نفسه، فيقدم لهم تنازلات إستراتيجية قاتلة على مستويات الأمن القومي، تنازلات كترك شريان حياتنا تقتطع منه إثيوبيا بمساعدة إسرائيل؛ ثلث نصيبنا التاريخي من مياه النيل، تنازل كتفريغ سيناء من أهلها وتسهيل مهمة إسرائيل في قضمها بالكامل وقتما تشاء“.
خادم للشيطان
وتابع غراب : “التنازلان المذكوران ما كانا ليرتكبهما السيسي لو أنه كان حاكما منتخبا بحق؛ يخشى من غضبة ناخبيه”، مضيفا: “اغتصابه السلطة إذن أدى به على الصعيد الخارجي إلى ضرب المصلحة الوطنية في مقتل لأجل تسول شرعية من الخارج.. اغتصابه السلطة واستجداء شرعية خارجية جعله يرتمي تحت أقدام الشيطان الروسي بعد الأمريكي ومعهما الإيراني، وقبلهم جميعا الإسرائيلي”، بحسب تعبيره.
وأكد الإعلامي المناهض للانقلاب في مصر؛ أن “الدور الذي يتوهمه السيسي في المنطقة بمساعدة روسيا وإيران لن يكون سوى الخادم الذليل؛ الذي لا يمكنه رفض أي أمر من تلك الدول”، ورأى أن “السبب ببساطة؛ استشعار السيسي أنهم وليس الشعب المصري من يمنحونه حبل الوريد المغذي لوجوده على الكرسي المغتصب“.
وحذر غراب من سياسات السيسي التي تقوم على “الاستجداء”، وقال: “تعلمنا في مقاعد دراسة السياسة أن المعونات الاقتصادية مهما كان ظاهر بعضها الإنساني، ما هي إلا أدوات للأقوياء يخضعون بها رقاب الضعفاء المتسولين تلك المساعدات“.
وأضاف: “هكذا رأينا السيسي يتنازل لمن قدموا مليارات ونفط عن تيران وصنافير، وها هو يتنازل عن قاعدة جوية كاملة للروس، والبقية تأتي لإيران بأن يبيع آلِ سعود لهم حتى ولو على حساب صلب عقيدتنا”.
تقزيم مقصود
التقزيم يبدو أنه مقصود للمدنيين في حكومات الانقلاب، فخلال سنوات الانقلاب الأربعة الماضية كان وزير الدفاع صدقي صبحي يلتقي وزير الزراعة البيلاروسي، في حين يجري رئيس الأركان مباحثات دبلوماسية حول المصالحة في ليبيا، فيما كشفت وكالات خارجية عن قيام المخابرات العامة بالاتفاق مع شركة دعاية أمريكية للتسويق للسيسي، وبين الحين والآخر تعلن وزارة الداخلية عن منافذ لبيع المنتجات الغذائية للجماهير، ليُطرح سؤال مهم: لماذا لا تتولى الأجهزة الأمنية دور الوزارات وتلغى الوزارات توفيرًا للنفقات؟!.
من جهتها ترى المحامية والناشطة الحقوقية نيفين ملك؛ أن “مصر شأنها شأن العرب؛ ليس لها تفكير استراتيجي واضح، وتتخبط كثيرا في سياساتها الداخلية والخارجية، ما يعكس حالة من عدم القدرة على التفكير والإدارة السليمة القادرة على مواجهة التحديات الكبيرة أمام مصر والمنطقة العربية، وأكبر دليل على ذلك؛ التخبط في مشهد التصويت لقرارين متضادين في الأمم المتحدة”.
وأشارت ملك إلى أن “مصر تنكفئ ذاتيا تحت نير وثقل الأزمات الداخلية، وهو وضع هش وحرج ويجعلها أضعف فى الأداء، فيما ينحصر دورها الإقليمى ويتراجع، ولا بد أن تتم المكاشفة بمواجهة الأزمات الداخلية والخارجية، وعدم تجاهل الأزمة السياسية“.