موعد مع المرض وربما الموت ينتظر عددا من المصريين بسبب الأدوية منتهية الصلاحية التي تم طرحها بكثافة في الصيدليات، تحت مسمع ومرأى من مسئولي الانقلاب العسكري الذين لا يبالون سوى بملء جيوبهم بأموال المصريين. فلم يكد المرضى يفيقون من أزمة غلاء الأدوية حتى فوجئوا باختفاء ثلث أصناف الدوية تقريبا من الصيدليات، فضلا عن عمليات خفية لإعادة تدوير الأدوية المنتهية الصلاحية "الإكسبير" والتي تصل أضرارها إلى الفشل الكلوي والإصابة بالسرطان.. فأي مصير كان يقصده قائد الانقلاب العسكري عبدالفتاح السيسي حينما قال "بكرة تشوفوا مصر"؟ يقول الصيدلي "ميشيل حنا": "حقن الrh اللي بتتاخد عند الولادة (لو الأم نيجاتيف والأب بوزيتيف) اختفت تماما وما حدش لاقيها، الأقراص اللي بتمنع الفشل الكلوي، أدوية الأورام، ألبان الأطفال، المحاليل بأنواعها ما فيش، الصحة نفسها مافيهاش أمصال الكلب والعقرب والثعبان، حوالي ثلث أصناف الأدوية بكل أنواعها ناقصة من الصيدليات، طبعا الحاجات دي ماهياش مسألة أمن قومي عند الحكومة مع إنها حاجات مهددة للحياة، يعيا الناس أو يموتون أو يتحرقون (أو يجوعوا زي ما بيقول قائد الانقلاب) مش مهم، وما فيش أي تحرك لعمل حلول". وتابع: "امبارح صورت مجموعة كبيرة من الأرفف الفاضية في كارفور التجمع الخامس، واللي كان منظر أول مرة يحصل من ساعة ما كارفور جه مصر، وفيه ورق ملزوق على الأرفف باعتذار لعدم وجود البضاعة، ومن امبارح للنهاردة والشتايم نازلة ترف علي باعتباري إخواني حاقد ناقم على البلد، كإني أنا اللي خربتها وخبيت أكلهم". وأضاف: "طبعا اختفاء أصناف كثير قوي من الأطعمة والحاجات المستوردة ما هواش مشكلة كبيرة ومش هيوقف الحياة، لكنه في حقيقته مجرد مقدمة لازم نبص للي وراها وللي جاي من بعديها.. الوضع الاقتصادي دخل مرحلة ما تحت الصفر، والدولة ما عندهاش أي اهتمام بتوفير الأدوية والأمصال اللي نقصها بيبقى مهدد للحياة، وفوق كده رايحين يشتروا بمليارات طيارات وحاملات طيارات وأقمار صناعية ومقر جديد للداخلية بميتين مليون وعشر سجون جديدة بمليار وميتين مليون. تعيشوا أو تموتوا أو تغوروا في داهية. أهم حاجة تبقوا تهزوا وسطكم كويس قصاد لجان الانتخاب". أزمة اختفاء وأكد الدكتور رؤوف حامد -أستاذ علم الأدوية بالهيئة القومية للرقابة والبحوث الدوائية على الأدوية، وأستاذ علم الأدوية- أن أزمة نقص الأدوية التى تشهدها مصر تعود إلى أن أسعار الدواء تحكم بواسطة لجنة تسعير الدواء بناء على تقويم مكونات الدواء، وهو أمر ترفضه المنظمات الموردة العالمية، مما ترتب عنه ضغوط منها على مصر لمساواة سعر الدواء مع السعر العالمى وهو أمر صعب تفعيله لأسباب اقتصادية تمر بها مصر. فيما قال الدكتور سامي فراج، مقرر لجنة الصيدليات بالنقابة العامة، إن نقص الأدوية يعود أيضا إلى أنه يوجد شركات في قطاع الأعمال متعثرة ماليا لا تقدر على إنتاج الأدوية المكلفة بإنتاجها، ووجود بعض المشاكل مثل إضرابات العمال بشركات إنتاج الدواء مما يترتب عنه عدم تغطية السوق، كما أن هناك احتكارا لنواقص الأدوية من قبل المخازن والتي ستقوم النقابة بنظره لها، وتحديد حصتها من الأدوية، إضافة إلى وجود شركات تقوم بتصدير أدوية إلى الخارج يوجد بها نقص وفي هذه الحالة ستقوم الإدارة بمنعها. سوق الإكسبير وبمواجهة هذه الأزمة تنتشر مصانع إعادة تدوير الأدوية المنتهية الصلاحية "الإكسبير" في المرج وبعض المناطق النائية والتي تعيد بيع الأدوية بسعر قليل، ففي قرية "باسوس" الزراعية، يقع مخزن أدوية العدلية، المسمى على اسم عائلة العدلية التي تملك المخزن، الذي لا يمكن تمييز مكانه بسهولة، إذ تمتلئ المنطقة بمصانع غير مرخصة للصناعات الدوائية (يطلق عليها مصانع بير السلم). يضم المخزن 3 غرف كبيرة، الأولى وهي المدخل ويقع في وسطها باب يؤدي إلى غرفتين، إحداهما ذات مساحة شاسعة وتضم الأدوية التي سيعاد تعبئتها، إضافة إلى ماكينة تغليف، أما الثانية فهي أصغر في المساحة وتضم الأدوية الجاهزة للبيع، وتضم الأصناف التي تباع بنسبة حسم تبلغ 50% عن سعرها الأصلي. كما يوجد العديد من الوسطاء الذين يمكن التعامل معهم عبر صفحة "فيس بوك" لتداول هذه السموم وإعادة بيعها للمرضى. وتقول رابطة "التجمع المصري للدواء" إنه يمكن حل المشكلة بطريقتين: "الأولى هي منع تكونه أصلا وذلك يتحقق بوسيلة واحدة وهي تحرير المنظومة الدوائية بجميع أطرافها من التقيد بالاسم التجاري، والحل الآخر وهو إلزام شركات الأدوية بتحمل الأدوية منتهية الصلاحية وهذا حل يشبه تماما حل القتل الرحيم الذي يلجأ إليه بعض الأطباء لفشلهم في مداواة مرضاهم".