يوسف: عمى توفى بنزيف فى المخ بعد رفض استقباله ريهام: فقدت أختى الوحيدة بسبب إهمال التخدير فوقية: طردونا لعدم قدرتنا على تحمل المصروفات د. حسين: تستغل المرضى لأنها مشروع استثمارى من داخل أروقة بعض المستشفيات الخاصة حرصت "الحرية والعدالة" على عمل جولة ميدانية لنقل الصورة على الطبيعة والسماح لشكاوى المرضى ورصد عمليات الاستغلال لمعاناة الناس، لكن فى الحقيقة إذا كانت هناك تجاوزات فى بعض المستشفيات الخاصة ففى المقابل يوجد أيضا مستشفيات تقدم الخدمة بشكل راقٍ وإنسانى. المشكلة أن أغلب القائمين على المستشفيات الخاصة يعتبرونها مجرد مشروع استثمارى ليس إلا، أما صحة المواطن فتأتى فى المرتبة الثانية بعد الفلوس، كما أن أصابع الاتهام بالإهمال ليست بمنأى عن تلك المستشفيات، وهناك مستشفيات توجد فيها الرعاية الطبية والنظافة وحسن المعاملة، وسط كل ذلك هناك حكايات وقصص إنسانية يقصها أبطالها من المرضى القابعين بتلك المستشفيات أو ذويهم. يقول محمد يوسف: أصيب عمى بجلطة فى المخ وقتها قررنا التوجه به إلى أحد المستشفيات الخاصة لإنقاذ حياته، ولم نفكر فى الحكومية لكثرة ما يشاع عنها من إهمال وعدم رعاية، ولكن اكتشفنا فى النهاية أن الوضع فى الخاص لا يختلف عن الحكومى. ويضيف: فى كل مستشفى كنا نتوجه له كانت توصد كل الأبواب فى وجهنا، والسبب عدم وجود مكان لاستقباله وعندما وجدنا مستشفى يستقبله كان عمى قد أصيب بنزيف فى المخ فارق على إثره الحياة. ويضيف محمد أن مشكلة المستشفيات الخاصة التى يلمسها حتى اليوم هى الازدحام الشديد، نظرا لانعدام الثقة فى المستشفيات الحكومية، فيما يتعلق بالعلاج والرعاية والاهتمام، الأمر الذى تسبب فى عزوف عدد كبير من المواطنين عن المستشفيات الحكومية، وتوجههم للخاص منها، ظنا أن المريض سيلقى رعاية وخدمة أفضل، ولكنى فقدت عمى –ولا حياة لمن تنادى– فما بين الإهمال فى الحكومية، وعدم وجود أماكن فى الخاصة يفقد المواطن حياته فى غمضة عين. التخدير قاتل "ومن التخدير ما قتل" جاءت تلك العبارة على لسان ريهام يحيى التى أصابها الإحباط من المنظومة الصحية برمتها، إثر وفاة شقيقتها الوحيدة التى ما زالت فى عُمر الزهور، نتيجة إهمال طبى لا يغتفر من وجهة نظرها. وتقول ريهام: إن شقيقتها أصيبت بآلام الزائدة الدودية، وقرر الطبيب المعالج استئصالها، بالفعل توجهنا إلى أحد المستشفيات الخاصة، أتذكر وجه أختى وقتها كان مشرقا، وكانت تسير على قدميها، ولكنها خرجت من المستشفى عكس ذلك، فعندما دخلت (رانيا) غرفة العمليات لاستئصال الزائدة قامت والدتى بإبلاغ الطبيب بأنها تعانى من ضيق فى التنفس، لكن الطبيب لم يهتم ولم يقدر خطورة الموقف مما جعله ينسى أن يخبر طبيب التخدير، الأمر الذى تسبب فى دخول أختى فى غيبوبة. وأضافت: من هنا بدأت حالة أختى تتدهور ومكثت فى العناية المركزة حوالى 4 أشهر عانت خلالها من أمراض عديدة من بينها كهرباء زائدة فى المخ، وقرحة فى المعدة وضغط ينخفض ويرتفع. وغادرت البنت المستشفى بعدما تحسنت حالتها شيئا ما لتصبح حجرتها فى المنزل أشبه بغرفة العمليات، وسرعان ما تدهورت الحالة مرة أخرى لتفارق شقيقتى الحياة، نتيجة هذا الإهمال الطبى الجسيم. وحكاية أخرى تقصها فوقية على التى تقول إنه إثر توقيع الكشف الطبى على زوجها وطلب حجزه فى مستشفى خاص، كشفت التحاليل عن ضرورة إجراء عملية لكن المشكلة أن التكلفة كانت باهظة للغاية، ولم تكف الأموال التى كانت معنا، ووقفنا عاجزين أمام الأمر خاصة أنه كان من اللازم إجراء العملية على وجه السرعة حفاظا على حياته وما زاد الأمر صعوبة تعنت إدارة المستشفى وإصرارها على سداد التكلفة قبل العملية، الأمر الذى اضطرنا إلى نقله وهو طريح الفراش إلى أحد المستشفيات الحكومية، الأقل تكلفة. أما والدة محمد أحمد فأشارت أن نجلها أصيب بكسر فى الفك وجرح فى الرأس إثر تعدى أحد الأشخاص عليه، وحمله أصدقاؤه وتنقلوا من مستشفى لآخر، وهو ينزف بشدة وفى كل مرة يرفض المستشفى استقباله؛ نظرا لعدم وجود أماكن أو لغياب الطبيب الجراح، مؤكدين أنه يحتاج إلى عملية، ونظرا للقلق الشديد الذى أصاب أهله جعلهم يضطرون إلى اللجوء للخاص لإنقاذ حياته بعدما غرق محمود فى دمائه لا يجد من يوقف هذا النزيف، وأجرى أكثر من 3 عمليات أوضحت والدته أن حياة ابنها جعلتهم يتكبدون الكثير من الأموال. أما رشا عبد الفتاح فقطعت مئات الكيلو مترات من بلدتها بأسوان بصحبة والدها المريض لتوقيع الكشف الطبى عليه فى أحد المستشفيات الخاصة بالقاهرة، لأنها كما تقول لا تثق فى قدرة المستشفيات الحكومية وأن لديها قناعة بأن الكفاءة الطبية موجودة فى القاهرة؛ بسبب عزوف كبار الأطباء عن العمل فى المحافظات والأقاليم، وأنها لن تجعل والدها حقل تجارب بالكشف عليه فى مستشفيات المحافظات. وتقول عبير محمد إنها فكرت هى وزوجها أن تضع مولودها الأول بأحد المستشفيات الخاصة، نظرا للإهمال المستشرى فى المستشفيات الحكومية، وهو ما حدث بالفعل، لكن المشكلة التى اكتشفتها فيما بعد هى لجوء تلك المستشفيات لعمليات الولادة القيصرية أكثر من الطبيعية، لكونها أكثر تكلفة من نظيرتها، وتضمن بقاء المريض ليوم أو يومين آخرين وكله بتكلفة إضافية وربح للمستشفى، مؤكدة أنها علمت فيما بعد أنها لم تكن بحاجة إلى تلك العملية القيصرية. "صحة الإنسان بالدنيا".. بتلك العبارة بدأ عبد الله حسن حديثه مؤكدا أنه لجأ للعلاج الخاص على الرغم من ارتفاع التكلفة، وكونها تشكل عبئا ماديا عليه، ولكن خوضه تجربة مع العلاج الحكومى جعله يتأكد أنه كان على صواب حين ذهب للخاص، حيث نظافة الأماكن، والتعقيم العالى، والمعاملة الآدمية من جانب فريق الأطباء خلال فترة احتجازه. وتقول منى على موظفة فى شركة أسمنت إنها لا تدفع شيئا من "جيبها" للعلاج فى المستشفى الخاص؛ نظرا لأن شركة أسمنت بنى سويف متعاقدة مع هذا المستشفى الخاص بالقاهرة، ومن ثم فهى تلقى خدمة جيدة، لا تجدها فى أى مستشفى حكومى، مؤكدة أن هذا التعاقد ينقذهم من الإهمال الطبى فى المستشفيات الحكومية ومن التكلفة الباهظة التى لا يقدرون عليها فى الخاصة. أين ضمائر الأطباء؟ وعن سبب إقبال الأطباء على العمل فى المستشفيات الخاصة يقول د. سليمان حسين "مدير مستشفى الأمراض الجلدية والجزام سابقا"، أن السبب يرجع إلى الرواتب المتدنية فى المستشفيات الحكومية والتى تتراوح بين 150 جنيها إلى 350 جنيها بالحوافز، وعلى سبيل المثال حين وصلت لسن المعاش بعد 34 سنة خدمة أصبحت أحصل على 750 جنيها، ويقول: "نحن نعد أقل دولة فى العالم من حيث رواتب الأطباء، كما أنه كان لدينا قانون يجعلنا نحصل على العلاج فى أى مكان مجانا فيما عدا التأمين الصحى لكنه لم يعد موجودا". ويرى سليمان أن سبب لجوء المرضى للمستشفيات الخاصة، من جهة أخرى هو ضعف الإمكانيات الطبية بالحكومية، وكذا ضعف الإدارة وانخفاض الحوافز المقدمة للطبيب مع إلزامه بالنوبتجيات وغيرها. وعلى الجانب الآخر، أوضح سليمان أن كثيرا من المستشفيات الخاصة يحدث بها استغلال لا محالة؛ فهى مشروع تجارى بحت فى المقام الأول وخاصة الكبيرة منها "الخمس نجوم"، فمعظم أصحابها ليسوا أطباء، وإذا كان صاحبها طبيبا فيشاركه رجال أعمال، وبالتالى فهى تعتمد فى الأساس على النظام الفندقى ولكنه يزيد عليه فيما يتعلق بدفع تكلفة الإشراف الطبى وأى كماليات فى الحجرة مثل التليفزيون والتليفون، الأمر الذى يجعله مشروعا استثماريا مربحا فى الأساس. وأضاف أن بعض أطباء تلك المستشفيات فى حاجة إلى مراجعة أنفسهم؛ لأن الطبيب قد يطلب من المريض تحاليل وأدوية أو البقاء فى المستشفى مدة أطول وهو ليس بحاجة لذلك، ولكن نظرا لأن إدارة المستشفى تلزمه بذلك ليساهم فى زيادة دخلها، مشيرا إلى أنه لا يوجد تنظيم أو إشراف طبى من الحكومة بمعنى الكلمة على تلك المستشفيات الخاصة، الأمر الذى يجعل كثيرا منها يلجأ إلى الضغط على الطبيب من أجل زيادة الدخل فقط دون النظر للمريض.