لا يزال الإعلام على نفس منهجه الذى كان ينتهجه قبل الثورة، وهو أمر يدعو إلى الدهشة ويثير الكثير من علامات الاستفهام حول السر فى ذلك، حيث كانت البرامج السطحية الترفيهية التى تعتمد على استضافة نجوم التمثيل والغناء والكرة والمجتمع هى سيدة الموقف بلا منازع. وبعد الثورة لم يختلف الوضع كثيرا وما تغير هو بعض الرتوش القليلة لزوم التجميل كتغيير اسم البرنامج أو إضافة فقرات جديدة عليه أو تغيير المذيع والديكورات وغيرها من الأمور الفرعية التى لا تغير من صلب الموضوع شيئا. فنجد مثلا على قناة نايل دراما برنامج "المسلسلاتى" و"فلاش" يعتمد الأول على استضافة الممثلين بأحد المسلسلات وقد تم تغيير اسمه إلى "استوديو الدراما" وأضيف عليه بعض الفقرات ليتناسب مع الوضع الجديد ولكنه فى الوقت ذاته لا يزال يعتمد على الأسئلة من نوعية "أين ترعرعت سيدتى؟" وهى جملة تهكمية ترمى إلى عدم جدية الموضوعات التى تتناولها وسائل الاعلام التى ينطبق عليها هذا الوصف. وكذلك برنامج "الفن هيتغير"على الفضائية المصرية الذى يتناول الأعمال الفنية التى يتم تصويرها ويركز على المناسبات الفنية المختلفة. وإذا انتقلنا إلى الفضائيات الخاصة فالقائمة طويلة وعلى رأسها "هيك بنغنى" و"أنا والعسل" و"أنت والمليون" وغيرها من البرامج التى لا تقدم ولا تؤخر. أما إذا تطرقنا إلى برامج المرأة فحدث ولا حرج بعد اعتمادها بشكل شبه كامل على الماكياج والتجميل وغيرها من الأمور التى لاتهم الغالبية العظمى من النساء فى مصر. من جانبه، قال الدكتور محمود خليل -مدير إذاعة القرآن الكريم- أن تسطيح العقلية المصرية كان سياسة ممنهجة لصناعة المواطن التافه فى مقابل الناشط الذى كان مخططا لإزاحته من الساحة السياسية مهما كان موقعه حيث استخدم الإعلام أداة سحرية لجر العقلية المصرية إلى التوافه والسفاسف وشغلها بفرعيات لا تنفع ولا تضر فيما يسمى بسياسة ملء الفراغ. وأضاف خليل فى حروب الإشغال الكبرى يتم جر الشعوب كاملة من خلال شغل الذهنية الجماعية بمثل هذه الأمور، وهو ما عبر عنه علماء الاجتماع مثل "دور كايم" اليهودى الصهيونى الذى كان يرى أن هذه الأمور تعد عقبة أمام الفاعلين والناشطين وهم قلة، ومن هنا فإن برامج الثرثرة وصراع الديكة كان أمرا مقصودا وإلا فماذا يستفيد المواطن المخذول المهزوم من قصة حياة لاعب كرة وكيف خطب زوجته وكيف كانت تنظر إليه وما نوع المشروب الذى يفضله؟! ويقول خليل: صدق الرسول الكريم؛ إذ قال: "إن الله يحب من الأمور معاليها ويكره من الأمور سفاسفها"، والإعلام كان أحد أهم ركائز الأنظمة الفاسدة التى تجعل من الكذب والتفاهة صناعة مجتمعية وللأسف الشديد فقد كان هؤلاء التافهون هم الذين يمثلون مصادر التمويل الإعلامى والصناعة الإعلامية فى مصر ويساندهم فى ذلك طائفة من المرتزقة والخونة واللصوص الذين تفضحهم الوثائق التى فى أيدينا الآن ومنها توريط اتحاد الإذاعة والتليفزيون فى ديون تقارب ال20 مليار جنيه، ومن ثم فالإعلام المصرى العام والخاص فى حاجة ماسة إلى إعادة هيكلة فيما يخص الصناعة الإعلامية وإعادة الجدولة فيما يخص الأولويات والضروريات. أما الإعلامى سامح رجائى -رئيس قناة النيل للإخبار- فقال: أنا ضد البرامج التافهة أيا كان مجال عملها سواء كانت فنية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو غير ذلك من البرامج؛ وذلك لأنها من هذا المنطلق تضر ولا تفيد وتعمل من غير مهنية. وشدد رجائى على ضرورة تطوير البرامج الفنية فلها جمهور واسع ولكن كون غالبية البرامج الفنية لا تقدم ما هو مطلوب منها فهذا أمر مختلف يمكن معالجته بالطريقة المناسبة له حسب كل حالة وإذا مددنا الخط على استقامته فإن هناك برامج تقدم على القنوات الدينية تقع فى نفس الفخ أيضا؛ لأنها لا تقدم جديدا للمجتمع ولا تفيد من يشاهدها ولذا على جميع الإعلاميين الارتقاء بمستوى الأداء المهنى والإعلامى لهم ولا يعتمدون على الإثارة والتشويق على حساب المهنية والكفاءة.