شهيد آخر في قائمة ضحايا القتل الممنهج تحت عنوان "القتل الطبي"، "محمد السعيد" 47 عامًا، متزوج ولديه سبعة أطفال، كان قد طلب العلاج وهو داخل السجن أكثر من مرة، إلا أن طلبه قوبل بالرفض، حتى تدهورت حالته وارتقى شاهدا على ظلم الانقلاب. لفقت النيابة ل"السعيد" اتهامًا في القضية المعروفة إعلاميًّا ب"أنصار بيت المقدس"، ولكن سبق حكم قاضي السماء قاضي الأرض، وتوفي "السعيد"اليوم الخميس في ساعة مبكرة بعد صلاة الفجر، داخل مقر احتجازه بسجن العقرب جنوبالقاهرة، متأثرًا بالقتل الطبي المتعمد الممنهج من قبل سلطات الانقلاب. كانت إدارة السجن تعلم أن "السعيد" مريضًا بفشل في الكبد، ودوالٍ في المريء واستسقاء البطن، ولا يستطيع قضاء حاجته منفردًا، ورغم ذلك تركوه يموت بالبطيء. ومنذ الانقلاب على الرئيس محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب في مصر، في 3 يوليو 2013، وسجون الانقلاب تعج بأعداد كبيرة من معارضي السلطات، الذين توفي بعضهم، نتيجة ما يقوله حقوقيون ومعارضون "القتل الطبي"، وهو ما تنفيه جهات الانقلاب. وحسب حقوقيين، ومعارضين، فإن سلطات الانقلاب تقوم باحتجاز هؤلاء لمدد طويلة في سجون ومقرات شُرطية وُصفت بأنها "غير آدمية"، خاصة في ظل ما يصفونه "الغياب المتعمد للرعاية الصحية فيها، ما تسبب في وفاة أكثر من مئتي معتقل ومحبوس، منهم على الأقل حتى الآن 40 من المعارضين السياسيين، فضلا عن تدهور الأوضاع الصحية لمئات آخرين. وعادة، ترفض سلطات الانقلاب الاعتراف بالقتل الطبي الممنهج، وتقول إنها توفر كامل الرعاية للسجناء داخل أقسام الشرطة والسجون، وأن التعامل مع جميع المحبوسين يتم وفقًا لقوانين حقوق الإنسان! وبتوزيع حالات الوفاة لمعارضين سياسيين على هذه السجون، يقول معارضون إن "العقرب" أحد ملحقات سجون منطقة طره، جنوبيالقاهرة، يحتل النصيب الأكبر من هذه الحالات، إذ توفي خلال الفترة الماضية، خمسة من نزلائه، فيما توزع البقية على سجون ومقرات شرطية أخرى. وضمت قائمة وفيات سجن "العقرب" كلا من: د. فريد إسماعيل، العضو البارز في حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، وعصام دربالة، رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية، والقياديان السابقان بجماعة الجهاد الإسلامي، ومرجان سالم، ونبيل المغربي، وعضو جماعة الإخوان، وعماد حسن، وجميعهم توفوا في الفترة ما بين مايو إلى سبتمبر الماضيين. فيما يصدر قائد الانقلاب مواد جديدة تقوم بتقنين القمع ضد المعارضين، وتحصين رءوس الانقلاب في الجيش والشرطة والقضاء، من أية مساءلة قانونية على الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية. وشمل قرار قائد الانقلاب الأخير الحامل رقم 106 لسنة 2015 تعديل 14 مادة من القانون رقم 396 لسنة 1956 بشأن تنظيم السجون، وإضافة أربع مواد أخرى جديدة، وتم ذلك بموجب سلطة التشريع الممنوحة للسيسي في غياب البرلمان؛ حيث صدر هذا القرار قبل أسابيع قليلة من ولادة مجلس نواب تخول له تلك المهمة؛ حيث انتهت أولى جولات انتخاباته قبل أيام. التعديلات تلك قننت بشكل واضح أمر التعذيب داخل السجون، وسهلت كثيرًا من عملية القتل بسماحها باستخدام القوة مع المسجونين دون تحديد ضوابطها سوى ببعض الكلمات المطاطية، وتحكمت أيضًا في منع الزيارات عن أسر المعتقلين، وزادت من التعسف بحقهم حد التغريم المالي والسجن. وبينما تبتلع منظمات حقوق الإنسان لسانها، ويخيم على بياناتها الخجل، تخالف تعديلات الانقلاب الجديدة مواثيق ومعاهدات دولية عدة وقعت عليها مصر سابقًا، كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهدين الدوليين، وكذا اتفاقيات مناهضة التعذيب، والقواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء.