يدخل موقعه الشخصى يوميا قرابة مليون زائر، ويحمِّل دروسه ومحاضراته يوميا أيضا قرابة مليون متابع. وهو عدد هائل يدل على الإيمان بما يقوله الشيخ ويدعو إليه. فسّر كتاب الله فى خمسة وثلاثين عاما بلا انقطاع، وسيطبع تفسيره فى قرابة (28 مجلدا). قال عن تفسيره وأسلوبه د. أحمد نوفل: كنا نقول لم يوجد بعد الشعراوى من يقرب القرآن للناس بأسلوب ميسر محبب، إلى أن جاء الشيخ النابلسى. واحد من علماء الأمة الذين لم يرفعوا صوتهم، ولم يبالوا كثيرا بالشد والجذب للإقناع، إنما اعتماده على القلب الحى، والأمانة فى إعداد الكلمة الصادقة المحررة، والأسلوب الذى يفتح به الفتَّاح سبحانه على من يشاء من عباده. لا غرو أن تجد جماهيره التى تحضر له محاضراته فى أوروبا كما يحضر له فى المسجد الأموى، والذين يصل عددهم إلى خمسين ألف مستمع ومحب (إنه فضل الله وحده)، ولأن للعلماء الثقات مكانة وأى مكانة فى قلوب الناس، فإنهم كما انتظروهم فى جدباء الحياة ليرققوا قلوبهم، ويخففوا من جحيم الخطايا المستعرة فى قلوبهم، فإنهم بحاجة أكبر لهم -بعد الله- عند اشتداد المحن، وانتشار الفتن، والامتحان فى الابتلاء الصعب. ولأن العالم القرآنى (د. النابلسى) أحد هؤلاء، ولأن الأزمة السورية هى التى لم يكن لها مثيل فى العصر الحديث، انتظر الناس صوت وموقف الشيخ النابلسى، فهم طالما سمعوا تفسيره للآيات التى تدعو للتمسك بالحق، وطالما أدمع عيونهم للثبات على الحق. فكان ماذا؟! 1- كان الشيخ النابلسى منذ اللحظة الأولى مطالبا بالسماع لمطالب الناس، وتحسين الأوضاع فى البلد، فى خطبة مشهورة (موجودة فى يوتيوب) بكى فيها الشيخ وأبكى. وهى الدموع التى تعبر عن الكثير والكثير مما يخاف منه من نظام لا تزال يده الباطشة لم تجف من قتل الأبرياء، وسحق الفضلاء فى أقبية سجون تدمر. وكان الشيخ واحدا ممن قرأ رواية (القوقعة) التى فجرت كيانه من الداخل. 2- بعد الشهور الأولى من اندلاع الثورة السورية كتب الشيخ بخط يده بيان علماء سوريا من الأزمة بحضرة عدد من العلماء، فكان من بينهم من أحضر نسخة للجهات الأمنية، والتى وجدها الشيخ النابلسى صباح اليوم التالى للاجتماع فوق طاولة مسئول أمنى!. وعند سؤال الشيخ عن البيان الذى قرر فيه وجوب العدل والرحمة ومناصرة المظلوم، وإيقاف الاعتداء على الحريات، وفتح الباب لمشاركة الناس فى مسارات الحياة بلا خوف أو تخوف، كان جواب الشيخ بكل وضوح: (هذه قناعتى!). 3- وبعده سحب جواز سفر الشيخ، ومنع من السفر، وأظن أن هذه الرسالة واضحة وكافية، وإجابة لما يراد من الشيخ أن يعلمه ويعمله. ولكنه أصر على أن يتدرع بالصبر، وألا ينطق بكلمة تؤيد الظالم، وتبرر له جرائمه. وهذه الحال لمن استشعرها فى ظل نظام لا يرحم، بل إنه إذا فجر جميع جرائم التاريخ فى سجلاته، كان وضع الشيخ النابلسى فى صمته، وأجواء متابعته أمرا يقدر، وموقفا يسجل. والبطولة الكاملة ليست فى أن تقول الكلمة وتقاد للقتل بعدها فحسب، بل إن تقول كلمة الحق وتسجلها، ثم تتبع الحكمة والصبر، لتقول مثلها وأكثر منها فى أقرب وقت، لتكون الدافع لنصرة الحق، وتثبيت أهله. ففى فترة المرج والهرج قد لا يعرف المرء ما هو أولى وأوجب، إلا من وفقه الله وسدده وبصّره. 4- بعد أن يسر الله وحده خروج الشيخ من بلده، بطريقة استثنائية، لم تُرض الكثير، أعاد الشيخ ترتيب أوراقه وأحواله، فالمهموم والمكلوم من بنى الإنسان يمر بحالات وابتلاءات تتطلب التمسك بحبل الله، ليربط على قلبه. 5- ومنذ أن فُتح الباب للشيخ خرج مناصرا قضية إخوانه فى سوريا بأسلوبه وقناعته، مع وضوح كاف، فشاهدناه فى قناة الجزيرة، وتابعناه يوميا فى صفحات (فيس بوك وتويتر)، يناصر أهل الشام ويدعو لهم، ويقرر بالآيات والحِكم الهادية آيات الله ونواميسه فى الكون، وأحوال الظالمين. 6- واليوم وبكل تماسك نفسى وعون من الله الكريم نجد الشيخ هنا وهناك فى دروس متتالية، يدعو فيها لنصرة الحق وأهله، وبيان آيات الله فى النصر والتمكين، وهى رسائل من أعماق الأعماق تؤدى فعلها فى النفوس الطامحة، وتربط بين سلسلة التضحيات التى تتشابك، كل فى ميدانه، وما قدره الله له. 7- كان أسف الشيخ كبيرا على شيوخ باعوا دينهم بعرض من الدنيا قليل، ولم يجد لهم مسوغا من تبرير الظلم للظالم، فيد الله باطشة على من تولى وكفر، وأيَّد الظلمة الكفرة. 8- من لطيف حِكَم الشيخ النابلسى فى الثورة السورية: "لقد طالت الأزمة السورية وتوسعت، بعكس ما كان فى بقية بلدان الربيع العربى، لأن الله أراد لأهل الشام أن يكون البلاء شاملا، والأجر واسعا". وكأن الصمت الذى رضوا به قليلا، لم يكن ثمنا للتكفير عنه إلا الهم الثقيل، الذى يعقبه النصر الكبير. 9- ظن النظام الوحشى البعثى الكافر أن تجربته فى مجزرة حماة وما أعقبها من حكم دام ثلاثين عاما، هو نفسه الأسلوب الذى سيعامِل به أهل الشام اليوم ليظفر بثلاثين عاما قادمة!. ولكنه غفل أن سوريا الصمت تحولت لسوريا الغضب، وأن الشيوخ المعممين الذين أرخصوا خطبهم وفتاواهم للنظام ركل الناس عمائمهم، وأصغوا لنداء الحق والحرية والكرامة، واستعادت الأجيال طهر الحياة، وارتفعت الأدعية فى السجود من أفواه الشباب الذى آمن بأنه: يا الله ما لنا غيرك يا الله. داعية سعودى [email protected]