الأكاذيب لم تكن على مستوى الحدث، فمصر لم تفرح والحداد يكسو المنازل ويخيم على الشوارع والفقر ينسج خيوطه في مسارات حياة المصريين، والحفر لم يكن سوى لتفريعة جديدة غير ذات جدوى ضمن 6 تفريعات سبقتها وتم افتتاحها جميعًا في صمت، والإيرادات مجرد أرقام ضمن دفتر أحلام السيسي وتتعلق بحركة التجارة ولن تزيد في أحسن الأحوال وبحلول عام 2023 عن 13.6 مليار دولار، أما هدية مصر للعالم فتكفي سخرية وسائل الإعلام العالمية من الحفر على الناشف الذي انطلق دون دراسة جدوى وانتهي على كابوس خط سكة حديد "بكين - مدريد" واعترافات شركة "ميرسك" بأن التفريعة لا تخدم سوى مصالحها. التفريعة التي ارتقت بأحلام المنبطحين على عتبات العسكر إلى عنان السماء، لم تحتج إلى كثير من الوقت لتبرهن أنها لا تعدو أن تكون سوى واحدة من مشروعات "الفنكوش" التي دشنها الجنرال على وقع الانقلاب العسكري من أجل كسب شعبية زائفة والترويج لتنمية وهمية، على غرار جهاز علاج "الكفتة"، ومشروع المليون وحدة سكنية، والمؤتمر الاقتصادي، والعاصمة الإدارية الجديدة. وأجبر تراجع إيرادات القناة الحكومة المصرية على التكتم على بيانات الدخل وحركة السفن في قناة السويس منذ افتتاح التفريعة وحجب تقارير الملاحة والإحصائيات الرسمية الخاصة بمعدلات الإيرادات الشهرية وأعداد وحمولات السفن المارة للشهر الثالث على التوالي في سابقة هي الأولى من نوعها. وفرضت حكومة السيسي سرية غير مسبوقة على إيرادات القناة عن أشهر يوليو وأغسطس وسبتمبر، لتوجه هيئة قناة السويس رسالة سلبية إلى العالم عبر حجب بيانات أهم ممر ملاحي حول العالم، ما يعكس عدم تأثير مشروع السيسي في الاقتصاد المريض رغم تجاوز تكلفة "الفنكوش الجديد" قرابة 4 مليارات دولار، تتجاوز الفائدة عليهم حاجز ال12.5% لأصحاب شهادات استثمار القناة. وكانت آخر الإحصائيات الرسمية التي نشرتها الحكومة المصرية في نهاية يونيو الماضي، قد كشفت عن تراجع عائدات قناة السويس خلال النصف الأول من العام الجاري محققة 2.538 مليار دولار، بانخفاض 1.3% عن عائداتها خلال الفترة نفسها من العام الماضي والبالغة 2.572 مليار دولار. الخبير الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي، فسر أسباب توقف قناة السويس عن نشر بيانات الإيرادات الشهرية والحمولات المجمعة لآخر 3 أشهر، بأنه يعكس سلبية مؤشرات إيرادات القناة، وهو الأمر الذي لا ترغب الحكومة في نشرها. وأوضح الصاوي -بحسب "سكاي نيوز"- أن هذا الأسلوب الحكومي يؤكد هواجس أثارها باحثون إبان الإعلان عن تنفيذ مشروع توسعة قناة السويس؛ حيث ذكروا أن لجوء النظام المصري للاقتراض المحلي، سببه الرئيس غياب المعايير المالية التي تؤيد موقف الحكومة في الاقتراض الخارجي للمشروع، وبالتالي فالحكومة كانت مضطرة للجوء للداخل، وليس بدافع وطني كما تم الترويج له وإنما بدافع غياب الجدوى. وكذبت التقارير الملاحية الصادرة عن هيئة قناة السويس، تصريحات محمد صقر -مدير التحركات بالقناة- حول عدم تأثر الملاحة ببوادر الأزمة الصينية وتزايد معدلات المرور، حيث كشفت التراجع الحاد فى أعداد السفن المارة بالمجرى الملاحي خلال شهر أغسطس الماضي بنسبة 14% مقارنة بشهر أغسطس من عام 2014. وأشارت التقارير إلى عبور 1356 سفينة قناة السويس خلال 28 يومًا، في الفترة من 7 أغسطس وحتى 3 سبتمبر، في حين عبرت 1577 سفينة مجرى القناة في شهر أغسطس من عام 2014، وهو الأمر الذي أرجعه الخبراء إلى انخفاض حركة التجارة العالمية وتراجع اليوان الصيني أمام الدولار واليورو خلال الشهرين الماضيين. وكشفت مصادر بهيئة قناة السويس أن إيرادات القناة تشهد تراجعاً في معدلاتها رغم أن أعداد وحمولات السفن خلال الثلاثة أشهر الماضية تشهد زيادة، وذلك بسبب انخفاض قيمة وحدة حقوق السحب الخاصة، التي يتم بها حساب الإيرادات، ويعتمدها صندوق النقد الدولي. "فنكوش" القناة يجسد فشل الانقلاب في إدارة مقدرات الدولة أو التدخل بحزمة من القرارات الحقيقية لإنقاذ الاقتصاد المنهار، ويؤكد أن القادم أسود.