كشفت التفجيرات الأخيرة التى ضربت خطا رئيسيا للغاز بمدينة العريش وسط سيناء استمرار ضخ الغاز المصري إلى الأردن رغم الأزمة الطاحنة التى تمر بها البلاد من نقص حاد فى مصادر الطاقة، ما دفع حكومة الانقلاب العسكري إلى اللجوء إلى الكيان الصهيوني لاستيراد كميات كبيرة من الغاز بضعف الأسعار التى ضخت بها الغاز إلى أنابيب الصهاينة فى وقت سابق. وتمثل مصادر الطاقة صداعا فى رأس الانقلاب الفاشي بعدما عجز عن توفير متطلبات السوق المصري من المواد البترولية والغاز الطبيعي ما أدي إلى أزمات متكررة في انقطاع التيار الكهربائي، ونقص حاد فى السولار والبنزين، أجبر العسكر على إبرام صفقات لاستيراد الغاز من الكيان العبري واستئجار محطات عائمة من شركات عالمية في موانئ مصرية لتحويل الغاز المسيل المستورد إلى صورته الطبيعية للاستهلاك محليا، فضلا على الاعتماد على الدعم الخليجي لسد عجز الوقود وتأمين الحد الأدني من احتياجات محطات البنزين.
تصدير الغاز ومع تصاعد حدة التوتر على خلفية تصدير الغاز المصري إلى الأردن ومن قبلها إسرائيل فى الوقت الذى يعاني فيه الوطن من نقص حاد فى مصادر الطاقة، أكدت وزارة البترول أن ما يتم تصديره إلى عمان كميات قليلة جداً، فى ظل تفهم الجانب الأردني للأوضاع التي تمر بها مصر، مشيرة إلى أن القاهرة حريصة كل الحرص على استمرار العلاقات الاستراتيجية بين البلدين.
من جانبه، كشف وزير الطاقة الأردني إبراهيم سيف أن مصر زودت المملكة خلال الربع الأول من العام الجاري 2015 بكميات من الغاز تبلغ 50 مليون قدم مكعبة يوميا، تنفيذا للاتفاقية التى وقعها الجانبان في عام 2004 وتقضي بتزويد الأردن بالغاز الطبيعي مدة 15 عاما.
وأوضح سيف أن الاتفاقية تقضي بتزويد 250 مليون قدم مكعبة يوميا، إلا أن هذه الكمية تراجعت بنسبة 25% عقب قيام ثورة 25 يناير، وصولًا إلى 18% في عام 2012، نتيجة التفجيرات المتعاقبة في الخط الناقل للغاز بسيناء. وضاعفت مصر إمدادات الغاز للأردن من 25 مليون قدم مكعب يوميا في عام 2014، إلى حدود 50 مليون قدم مكعب في العام الجاري 2015، بعد مباحثات بين الجانبين للوصول إلى صيغة تفاهم تلزم القاهرة بتنفيذ بنود الاتفاقية الموقعة فى 2004 بين مصر والأردن وإسرئيل، والتى تزرع النظام المصري فى 2012 بعدم التزام الجانب الصهيوني بإلتزامات لوقف ضخ الغاز ليعود الانقلاب ويستورد من الكيان العبري ضعف الثمن. وكانت مصر قد أوقفت تصدير الغاز لإسرائيل نظرا لإخلالها بالاتفاقات الموقعة معها، وعدم التزامها بدفع المستحقات في موعدها، واستندت الشركة القابضة للغازات الطبيعية في مصر لهذه الحجة وأوقفت التصدير، إلا أن دولة السيسي تواصلت مع الاحتلال لتوريد الغاز مقابل 18 دولارا للمليون وحدة حرارية.
العمالة المصرية
وفى محاولة لامتصاص غضب الشارع من سياسات الحكومة الفاشلة، برر مصدر في وزارة البترول المصرية استمرار ضخ الغاز المصري إلى الأردن رغم أزمة الوقود بحرص النظام المصري على العلاقات السياسية والاقتصادية المتميزة بين البلدين والمصالح المتعلقة بالعمالة المصرية. وأوضح المصدر فى تصريحات صحفية أن المملكة الأردنية لديها عدد كبير من العمالة المصرية، وفي حالة وقف تصدير الغاز إليها قد تتعرض للترحيل، كما أنه ليس من مصلحة دول المنطقة حدوث قلاقل في المملكة.
وأشارت الوزارة إلى بيانات وزارة القوى العاملة التى تشير إلى أن عدد العمالة المصرية في الأردن 350 ألف عامل، في حين تقدرها مصادر غير رسمية بنحو 1.2 مليون عامل.
إهدار المال العام
يأتي استمرار الانقلاب الفاشى فى ضخ الغاز إلى الأردن رغم أزمة الكهرباء، وفقد مصانع الحديد حاليا 75% من طاقتها الإنتاجية نتيجة نقص الطاقة المغذية لمحطات توليد الكهرباء، ليعكس حالة التخبط التى تسيطر على حكومة العسكر وغياب الرؤية الاستراتيجية وإهدار ثروات البلاد بأبخس الأسعار ومن ثم استيرادها بأعلى الأثمان.
خبير الطاقة إبراهيم زهران أكد أن تصدير الغاز إلى الأردن ولو بكميات محدودة، يعد إهداراً للمال العام، لاسيما في ظل معاناة مصر بشكل حاد في توفير كميات الغاز لمحطات الكهرباء والمصانع المحلية، مطالباً بوقف التصدير فورًا. وأوضح زهران أن مصر أصبحت مستوردًا للغاز وليس لديها أي فائض للتصدير، وقانون القوة القاهرة يتيح لها إلغاء تصدير الغاز إلى الأردن، مشيرًا إلى أن دولاً كثيرة استخدمت هذا القانون ولم تستمر في التعاقدات سواء في الغاز أو سلع أخرى.
وكشف خبير الطاقة أن "مصر تستورد الغاز بأسعار تتراوح بين 16 و18 دولارًا للمليون وحدة حرارية، بينما تبيعه للأردن ب5 دولارات، واستئناف التصدير للأردن معناه دعم المواطن الأردني على حساب المصري.
واتفق تامر أبو بكر خبير الطاقة ورئيس لجنة الطاقة باتحاد الصناعات المصرية مع سابقه في الرأي، مشيرا إلى أنه من المفترض ألا تصدر مصر أي كميات من الغاز، نظراً لأنها أصبحت مستوردة وتعاني أزمة في الغاز.
فاتورة الطاقة رفاهية تصدير الغاز إلى الأردن مقابل 5 دولارات واستيراده من الكيان الصهيوني مقابل 18 دولارا، لم تفضح فقط إهدار الانقلاب للمال العام رغم الاقتصاد المريض وإنما كشفت عن العمالة للجانب الصهيوني فى ظل تأكيد المراقبين أن استمرار ضخ الغاز إلى عمان بأوامر إسرائيلية.
فشل الانقلاب فى إدارة أموال الدولة، عكسه بيان الهيئة العامة للبترول–فى وقت سابق- أن فاتورة استيراد الغاز المسال في العام المالي 2015/2016، تقدر بنحو 3.55 مليارات دولار، فى الوقت الذى خصصت مصر نحو 655 مليون دولار لاستيراد الغاز في الربع الأخير من العام المالي الحالي 2014/2015.
بدوره، أكد الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء –فى بيان رسمي- أن واردات المواد البترولية ارتفعت خلال شهر مارس الماضي بنحو 7.8 مليارات جنيه بزيادة بلغت نسبتها 94.7% مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي، والتي بلغت نحو 4 مليارات جنيه.
وأوضح الجهاز -في نشرته الشهرية الصادرة أمس الاثنين، أن الواردات البترولية زادت أيضاً في مارس الماضي بنسبة 34% مقارنة بشهر فبراير، والذي بلغت قيمة الواردات فيه نحو 5.8 مليارات جنيه، مشيرا فى الوقت نفسه إلى ارتفاع الصادرات البترولية خلال مارس الماضي بنحو 10.8% لتبلغ 2.2 مليار جنيه، مقابل ملياري جنيه خلال فبراير، غير أنها انخفضت على أساس سنوي، وتراجعت بنحو 38% مقارنة بشهر مارس 2014، والذي سجلت خلاله 3.576 مليارات جنيه.
وأضاف البيان أن إجمالي إنتاج المواد البترولية والغاز الطبيعي ارتفع بنحو 12% خلال شهر مارس الماضي ليبلغ 6 ملايين طن، مقابل 5.4 ملايين طن خلال شهر فبراير، بينما انخفض على أساس سنوي بنحو 2.1% مقارنة بشهر مارس 2014، والذي سجل خلاله 6.2 ملايين طن. وأظهرت الإحصاءات زيادة في إنتاج الغاز الطبيعي خلال مارس الماضي بنحو 11.2% ليسجل نحو 3 ملايين طن مقابل 2.7 مليون طن خلال فترة المقارنة، بينما انخفض بنحو 7.6% مقارنة بشهر مارس من العام الماضي، والذي بلغ فيه 3.2 ملايين طن.
وأضاف أن الاستهلاك المحلي من الغاز الطبيعي، ارتفع بنحو 11.2% خلال مارس الماضي ليسجل 2.9 مليون طن، مقابل 2.6 مليون طن خلال فبراير السابق عليه، في حين انخفض على أساس سنوي بنحو 6.2% مقارنة بالشهر ذاته من العام الماضي، والذي سجل فيه 3 ملايين طن. وأظهرت البيانات الرسمية ارتفاع حجم استيراد الغاز المنزلي خلال مارس الماضي بنسبة 43.7% ليبلغ 218 ألف طن مقابل 152 ألف طن في فبراير.
صفقة "تمار"
وفى الوقت الذى تتفنن فيه حكومة الانقلاب فى إهدار الغاز المصري استنادا لعقود مجحفة، وتتنازل عن حقوق مصر فى حقول البحر المتوسط، أبرمت مصر عقداً بقيمة 1.2 مليار دولار لشراء الغاز من حقل "تمار" البحري، الذي تسيطر عليه سلطات الاحتلال الإسرائيلي، ليعد بذلك أولى الصفقات النهائية، التي تبرمها شركة مصرية لاستيراد الغاز من الاحتلال.
ووقع الجانب الصهيوني فى حقل "تمار" صفقة مدتها 7 سنوات مع شركة "دولفينوس القابضة المصرية"، فى اتفاقية تنص على بيع 5 مليارات متر مكعب من الغاز على الأقل في أول ثلاث سنوات، فيما لم يتم الإفصاح عن حجم الغاز الذي سيتم بيعه خلال السنوات الأربع المتبقية من مدة الاتفاقية.
وكشف قطاع الطاقة الإسرائيلي أن إجمالي الكمية المصدرة قد يزيد عن ثلاثة أضعاف هذا الرقم وفقاً لحجم الطلب من مصر التي تعاني أزمة في الطاقة، حيث سيتم تصدير الغاز عبر خط أنابيب بحرية تم تشييدها قبل نحو 10 سنوات، تديره شركة غاز شرق المتوسط، التي أشرفت على صفقة بيع الغاز الطبيعي المصري لإسرائيل فى وقت سابق.
ولا تعد صفقة "تمار" مع الشركة المصرية هي الوحيدة لتصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر، وإنما سبق أن أبرمت شركتا "بريتش جاز" البريطانية ويونيون فينوسيا الإسبانية اتفاقات مع حقلي تمار ولوثيان لاستيراد الغاز لصالح مصر لمدة تصل إلى 15 عاماً في صفقات تصل بالنسبة للشركة البريطانية وحدها إلى 30 مليار دولار.