حالة من الصمت المطبق سيطرت على أروقة الانقلاب العسكري الفاشل، على خلفية الأنباء القادمة من بلاد العم السام حول الطلب المقدم من الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى أعضاء الكونجرس للموافقة على توسيع نطاق حرب التحالف الدولى على تنظيم الدولة لتمتد إلى شبه جزيرة سيناء. التدخل العسكري الأمريكي المرتقب فى سيناء، كشفت عنه صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية مزيحة الستار عن كواليس مساعي إدارة أوباما لتوسيع الحرب على "تنظيم الدولة" إلى خارج سورياوالعراق، لتشمل شن حروب استباقية ضد فروع التنظيم في دول أخرى، أبرزها ضد "أنصار بيت المقدس" في شبه جزيرة سيناء. تأتي المساعي الأمريكية لتؤكد فشل الآلة العسكرية الوحشية في السيطرة على الأوضاع في شبه الجزيرة المتوتر رغم القرارات التعسفية بتهجير سكان الشريط الحدودي المتاخم لقطاع عزة، وإقامة منطقة عازلة بعمق 2 كلم داخل سيناء، وإعلان الطوارئ وتمديد حظر التجوال، وقطع الكهرباء والاتصالات والوقود عن مناطق بئر العبد والعريش والشيخ زويد، وتدمير البيوت فوق أهليها بزعم تدمير الأنفاق، في معركة يدفع ضريبتها شعب سيناء بمفرده من دماء أبنائه وديارهم وأموالهم. ومع توالي الضربات التي تلقاها العسكر في شبه الجزيرة المضطرب، وعجز الانقلاب فرض سيطرته على الأرض واستهداف أكمنته ونقاط تمركزه في عمليات متوالية. قرر قادة الانقلاب الحرب على طريقة الصحوات في العراق بتسليح القبائل "المدنيين" لمواجهة المسلحين من عناصر "ولاية سيناء"، في خطوة وصفها المراقبون بالتطور الخطير في المشهد القاتم وتمهيد لحرب أهلية واستخدام الأهالي كدروع بشرية بين المسلحين ومليشيات الانقلاب. ومع اتساع رقعة "تنظيم الدولة" وامتدادها المريب. حذرت "نيويورك تايمز" في افتتاحيتها بعنوان "السقوط في حرب أكثر اتساعا"، من مد الحرب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" إلى ما أبعد من حدود العراقوسوريا، مشيرة إلى أن هذا الأمر خاضع بالفعل للدراسة من قبل الولاياتالمتحدة وشركائها في التحالف ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وذكرت الصحيفة -واسعة الانتشار- أنه لا ينبغي أن يتفاجأ أحد من أن الولاياتالمتحدة وشركاءها في التحالف يناقشون توسيع الحرب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" إلى ما وراء حدود العراقوسوريا، فقد أصبحت الحروب الأكثر اتساعا أمرا معتادا بعض الشيء في الأعوام الأخيرة، وذلك في الوقت الذي تمتد فيها النزاعات العسكرية في ظل عدم وجود وعي أو حوار عام كبير. وأوضحت "نيويورك تايمز" أن بعض الأعضاء الإقليميين بالتحالف الذي شكل ضد داعش، والذي يضم أكثر من ستين دولة، يضغطون على الإدارة الأمريكية من أجل حمل الحرب إلى جماعات إرهابية أخرى أعلنت نفسها ك"فروع إقليمية" لتنظيم "الدولة الإسلامية". وتابعت: "نظريا، قد يورط ذلك الولاياتالمتحدة والتحالف في ليبيا، حيث أرسل تنظيم "الدولة الإسلامية" عدد قليل من مقاتليه للعمل على تنظيم نشاط المتشددين هناك، وقد يعني ذلك أيضا التحرك ضد "أنصار بيت المقدس" وهي جماعة إرهابية يدعمها "تنظيم الدولة" في شبه جزيرة سيناء تتسبب في قلق هائل لمصر. وألمحت إلى أن أحد مسئولي البنتاجون قلل من احتمالات شن حرب موسعة، "لكن حقيقة أن الأمر خاضع للنقاش لا بد أن تكون أكثر من كونها مجرد اهتمام عابر بالنسبة لرأي عام سئم الحرب، فانتشار التطرف سيكون محور العديد من الاجتماعات في الشهور القليلة المقبلة، بما في ذلك اجتماع قمة للقادة العرب دعا الرئيس أوباما لعقده خلال الشهر الجاري، واجتماع للقادة العسكريين لدول التحالف من المقرر عقده بالقيادة المركزية في الولاياتالمتحدة". وحسمت الموقف بأن إدارة أوباما طالبت الكونجرس مؤخرا بالموافقة على تشريع يعطيه ما يبدو وكأنه تفويض مفتوح لشن الحرب على "الدولة" وما يرتبط به من أشخاص أو قوات، معلقة: "هناك تاريخ طويل للكونجرس في فرض معايير صارمة لئلا تسقط الولاياتالمتحدة بشكل أعمى في مزيد من الأفخاخ، وللأسف، حتى عندما تفكر الإدارة في مشاركة أوسع، يظل الكونجرس غير قادر أو غير راغب في مواجهة الأمر". وعلى الرغم من مرور 48 ساعة على الأنباء الواردة من أمريكا، لم تخرج سلطات الانقلاب بأي تعقيب على الواقعة نفيا أو إيجابيا وظل الصمت هو المسيطر على المشهد، ما فتح الباب أمام الميل إلى تأكيد التفويض الأمريكي فى ظل موافقة مصر المسبقة على حرب التحالف ضد داعش فى مؤتمر الرياض، إلى جانب الحديث المتواتر عن التنسيق الأمني المصري الصهيوني فى العمليات العسكرية الحالية فى سيناء. وربط الخبراء بين زيارة نائب رئيس اللجنة الدائمة للاستخبارات بمجلس النواب الأمريكي ديفين نيونز، المفاجئة إلى القاهرة، في رحلة تستغرق يومين يلتقي خلالها السيسي وعددا من المسؤولين الأمنيين، لبحث التطورات الأخيرة فى المنطقة، وسبل مكافحة الإرهاب بالمنطقة، وبين إمكانية تمديد الحرب إلى سيناء، ومناقشة الأمر مع عسكر الانقلاب. الدكتور طارق فهمي -أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية- اعتبر مزاعم تفويض أوباما لا تخرج عن كونها ضمن مراحل الجدل بين الجمهوريين والديموقراطيين حول المخاطر والتهديدات التى تواجه إدارة أوباما، والإنجازات المنتظرة من تلك الإدارة فيما تبقى من عمرها. ونفى الخبير السياسي صحة ما جاءت به "نيويورك تايمز"، ودلل على ذلك بأن أوباما طرح إستراتيجية محاربة الإرهاب فى بعض الدول ولم تكن سيناء ضمن أولويات تلك الخريطة، مشددا على أنه لم يتبقى من عمر إدارة اوباما ما يسمح لها بتحريك قوات ومن ثم تعتمد على وكلاء لتنفيذ إستراتيجيتها فى المنطقة. من جانبه، استبعد الخبير الأمني اللواء محمود قطري إمكانية تورط أمريكا فى حرب على الأراضى المصرية لمواجهة تنظيم الدولة، مبررا ذلك بأن الأوضاع فى مصر تختلف عن نظيرتها فى سورياوالعراق خاصة فيما يتعلق بسيطرة الدولة وتماسك أركانها. وانتقد قطري -في تصريحات متلفزة- ممارسات الجيش في سيناء وتوريط القبائل فى حرب بالوكالة ضد عناصر بيت المقدس، مؤكدا أن تلك الاستراتيجية ستؤدي إلى مجازر غير مسبوقة مع وضع الأسلحة في أيدي المدنيين، وقد تتطور إلى اقتتال أهلي. بدوره، نفى اللواء حسام سويلم -رئيس مركز الدراسات الإستراتيجية بالقوات المسلحة سابقا- ما تردد حول طلب أوباما التدخل عسكرياً فى سيناء وبعض الدول العربية، موضحًا أن هذا الطلب إن صح يحتمل أن الرئيس الأمريكى يريد التدخل فى الدول والمناطق العربية بشكل عام. وشدد سويلم على أن الكونجرس لن يوافق على طلب أوباما، مشيرًا إلى أن سياسته الأصلية هى عدم التورط في حرب مباشرة وعدم إرسال قوات خارج حدود بلاده، مشيراً إلى أن مصر لن تسمح بذلك حتى في حالة موافقة الكونجرس على هذا الطلب. اللواء أحمد عبد الحليم -عضو المجلس المصري للشئون الخارجية- زعم في تصريحات صحفية، أنه لن يتم السماح لأوباما بالتدخل في سيناء أو الدول العربية، مشيرًا إلى أنه عندما شكل تحالف ضد "تنظيم الدولة الإسلامية" لم يذكر الإرهاب بشكل عام. وعاد عبد الحليم ليؤكد أن تمديد غارات التحالف لتشمل سيناء يستلزم موافقة الانقلاب مصر، إلا أن الخبير العسكري لم يوضح موقف مصر حال طرح الجانب الأمريكي التدخل العسكري في شبه الجزيرة. الأنباء القادمة من الولاياتالمتحدة وإن كانت تفضح وهن وهشاشة النظام العميل، إلا أن المعطيات فى الوقت نفسه قد ترجح شن التحالف غارات على سيناء بمباركة العسكر في ظل حالة الانبطاح التي تسيطر على عصابة السيسي أمام الجانب الأمريكي، ومعه لن يكون مستبعدا أن يستيقظ الشعب المصري قريبًا على دوى صافرات الإنذار بسبب غارات الحليف الأمريكي على أرض الفيروز.