ربما لا يعرف الكثيرون عن الشهيد سيد قطب أنه كاد أن يكون ملحدا في أول حياته، الرجل بدأ حياته في الثلاثينيات مجاورا للعقاد، واتخذه مثلا له، لم يكن سيد قطب حينها يحمل أية بذور إسلامية؛ بل لقد كان مؤيدا لحزب الوفد بشكل غير عادي. كتب قصيدة يمدح فيها الملك فاروق، قال فيها: مهرجان العرش والشعب معا .. عاش فاروق ودام المهرجان أنت يا فاروق خير خالص .. بينما الخير مشوب في الزمان وكان سيد قطب بعيدا في تلك الفترة عن الالتزام الديني، يقول الدكتور سليمان فياض في مقال في مجلة الهلال إنه سمع سيد قطب يتحدث في محاضرة بجامعة القاهرة عام 1954، قائلا: إنه صار ملحدا على مدى أحد عشر عاما. وأكد هذه المعلومة أستاذنا أبو الحسن الندوي في كتابه (مذكرات سائح في الشرق العربي) حيث أجرى مقابلة مع سيد قطب أخبره فيها صراحة أن العقاد هو الذي أنقذه من الإلحاد. بل الأفظع من ذلك أن الشيخ محمود شاكر حين خاض معه في تلك الفترة صراعا أدبيا قال سيد قطب: "الدين دين والأدب أدب".. يعني كان وقتها علمانيا صرفا. وكان سيد قطب في تلك الفترة أيضا يؤمن أن علاقة الرجل بالمرأة لا يجب أن يحكمها دين؛ كتب في مقال له: تعرفت اليوم إلى كثير من الصديقات الجميلات. وكتب في تلك الفترة كتابين (كتب وشخصيات) و(العدالة الاجتماعية في الإسلام. وفيهما هاجم الصحابة الكرام: معاوية وعمرو بن العاص. وظل سيد قطب هكذا حتى أصيب بمرض السل في الثلاثينيات من عمره..فانتقل إلى مدينة حلوان.. لأن جوها الحار مناسب لحالته الصحية. ثم وقع خلاف بينه وبين العقاد، يقول بعض المقربين إنه كان بسبب فتاة يحبها العقاد وكان سيد قطب يلتقيها في حديقة الأندلس! * المرحلة الثانية في عمر سيد قطب: بدأت تلك المرحلة فور انفصاله عن العقاد، كان سيد قطب ثوريا حقيقيا وإن لم يكن إسلاميا وقتها، تولي رئاسة تحرير مجلة العالم العربي.. واكشف شابا صغيرا اسمه نجيب محفوظ.. وقدم له في المجلة. بعد فترة بدأت السلطات المصرية تتدخل في عمله، فاستقال سيد قطب، وكانت تلك أول بادرة ثورية حقيقية معلنة صريحة في حياته. بعدها تعرف إلى الأستاذ حلمي المنياوي وهو إسلامي أصيل، ومعه بدأت رحلة سيد قطب الإسلامية. وفي تلك الفترة بدأت كتاباته تنزع نحو الإسلامية الواضحة بعض الشيء..وبدأ يتخلى عن كثير من معتقدات الأمس. * رحلته إلى أمريكا: لاحظت الحكومة المصرية ما طرأ على فكره من تغيرات، فاستقدمته في بعثة لأمريكا حتى يرى الغرب ويصبح أكثر حداثة .. ولكي ينقذوه من براثن الرجعية الإسلامية. وذكر الدكتور أحمد محمد البدوي في كتاب (سيد قطب ناقدا) أن أحد المستشرقين واسمه جون هيورت طلب من سيد قطب أن يسمح له بترجمة كتاب العدالة الاجتماعية في الإسلام.. مقابل عشرة آلاف دولار..لكن سيد قطب رفض لأنه قال إن الكتاب بحاجة إلى مراجعة..عندها سأله هيورت عن رأيه في وصول الإخوان المسلمين للحكم. وفي المساء .. دخل سيد قطب حجرته في السفينة ليجد فتاة مخمورة فرنسية تعرض عليه نفسها، ففهم سيد قطب أن في الأمر مكيدة للضغط عليه من هيورت.. فطردها. * في أمريكا: لم تؤت الرحلة أهدافها، لقد كره سيد قطب أمريكا .. كره ماديتها وأخلاقها العفنة.. كره تلك الحياة التي لا روح فيها، وكتب سيد قطب في تلك الفترة مذكراته وسماها (أمريكا التي رأيت). ولكن أمن الدولة حين اعتقله سرق تلك المذكرات وحرقها. * تعرفه إلى الإخوان: يقول سيد قطب: "لم أكن أعرف في تلك الفترة عن الإخوان إلا القليل، إلى أن سافرت إلى أمريكا ربيع 1948، وقد قُتل الشهيد حسن البنا وأنا هناك في عام 1949م، وقد لفت نظري بشدة ما أبدته الصحف الأمريكية من اهتمام بالغ بالخبر.. ومن شماتة واضحة في حل جماعته وضربها". عندها عاد سيد قطب إلى مصر.. ولكنه لم ينضم إلى الإخوان حتى قامت ثورة يوليو. * دوره في ثورة يوليو: يقول الدكتور مهدي فضل الله إن سيد قطب استدعاه إلى منزله ذات يوم، وأطلعه على صور تجمعه مع عبد الناصر وآخرين من ضباط الثورة، وقال سيد قطب إن جمال عبد الناصر متميز.. وإنه سيسطع نجمه في المستقبل.. وفي الليلة التي قامت فيها الثورة، توجه عدد من الجنود إلى منزل سيد قطب في حلوان، واصطحبوه إلى مقر قيادة الضباط الأحرار في كوبري القبة لكي يكون مستشارا ثقافيا لزعماء الثورة، وكان هو المدني الوحيد الذي يحضر بصفته الشخصية اجتماعات الثورة، ويصوّت كغيره من الضباط على قرارات الثوار. وفي الأيام الأولى للثورة، كتب سيد قطب مقالات في مجلة الرسالة يحض فيها على دعم الثورة، منها مقال بعنوان: نحن الشعب نريد.
* انضمامه إلى الإخوان: وعندما بدأ الخلاف بين الإخوان وعبد الناصر، كتب سيد قطب رسالة للإخوان يدعوهم إلى نبذ الخلاف، فرد عليه مرشد الإخوان برسالة ترحب بمبادرته، ولما رأى سيد قطب تعنت العسكر وفُجر خصومتهم وعدم إرادتهم للصلح، أعلن بلا مواربة انضمامه لكتلة الإخوان، ثم انضم رسميا للإخوان المسلمين رئيسا لتحرير صحيفة الإخوان ومسئولا عن الملف الثقافي للجماعة.
* اعتقاله: بسبب معارضته للعسكر تم اعتقال سيد قطب عام 1954م، ومكث في السجن حتى عام 1964م، ولما خرج من السجن ازداد حدة في هجومه على العسكر، فعاد إلى السجن مرة أخرى بعد عام واحد .. أي 1965م، ولم يخرج من السجن إلا جثة هامدة. * التحولات الكبرى في فكر سيد قطب: أثناء اعتقاله بدأ سيد قطب يعيد التفكير في كل شيء حوله.. كل شيء! لم يكن يزوره في تلك الفترة إلا نفر قليل .. منهم أخوه محمد، وكتب في السجن كتابه الأشهر: في ظلال القرآن، ثم: معالم في الطريق، وأسس سيد قطب لمدرسة إسلامية جديدة إذ ذاك عبر كتابه الأخير. * إعدامه: لم يحظ سيد قطب بمحاكمة عادلة، وحوكم أمام القضاء العسكري وحكم عليه بالإعدام. سار سيد قطب إلى المشنقة ممشوق القامة عالي الرأس، وعلى حافة المشنقة جاءه شيخ التلقين يقول له: قل لا إله إلا الله، فرد سيد قطب في عزة وإباء: حتى أنت جئت تكمل المسرحية؟؟ نحن يا أخي نعدم لأننا قلنا لا إله إلا الله .. أما أنت فتأكل الخبز بها. ثم استشهد سيد قطب!