استنكر الدكتور أنس التكريتي، رئيس ومؤسس مؤسسة قرطبة لحوار الثقافات ونجل المراقب العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين في العراق، وأحد أبرز وجوه العمل الإسلامي ببريطانيا، وصف بعض وسائل الإعلام المصرية له بأنه "أخطر شخصية في التنظيم الدولي للإخوان المسلمين". وقال- في حوار نشره موقع "مصر العربية"- :"هذا الوصف به إشكاليات من جانبين، الأول وللأسف أن الكثير من وسائل الإعلام المصرية أصبحت غير مهنية ولا تمتع بالمصداقية ولا تتحري الحقيقة مطلقا، والأمر الثاني ما هو معيارهم في تصنيفي كأخطر شخصية في التنظيم الدولي للإخوان". وعن علاقاته بقادة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، قال:" توجد لى علاقة مع بعض قادة الإخوان وليس جميعهم، وليس بينى وبينهم علاقة إلا فى قضيتين فقط، الأولى هى من خلال معرفة الوالد وتعامله معهم، فهناك أصدقاء منهم للعائلة منذ أن كنت صغيرًا بأعتبار أن والدى كان قائدًا للإخوان، فهؤلاء أعرفهم معرفة عائلية وأسرية، هناك أيضًا معرفة من خلال الأحداث التى جرت خلال العشر سنوات الماضية من احتلال العراق إلي أحداث أفغانستان وغيرها من الأحداث، وقد عقدنا مؤتمرات وندوات وحضرها عدد من قادة الإخوان، والآن ثورات الربيع العربى وما تبعها من انقلابات وثورات مضادة، فكان بيننا لقاءات وتشاور، وأنا التقى ببعض قادة الإخوان كما التقى بزعماء سياسيين واجتماعيين وقادة مجتمعات في مختلف دول العالم". وأضاف "التكريتي" أن علاقته بالإخوان المسلمين تتمثل في أن والده كان هو المراقب العام للإخوان المسلمين فى العراق منذ حوالي 6 سنوات، لكن لا توجد علاقة تنظيمية تربطه بالإخوان، مضيفًا بأنه شخص مسلم بريطاني، والإخوان المسلمين ليس لهم وجود تنظيمي فى بريطانيا، إلا من خلال بعض الأفراد الذين غادروا بلادهم ولجأوا لبريطانيا كإخوان مسلمين. وأشاد بفكر "الإخوان"، قائلا:" هو فكر الإسلام الوسطى السلمى الذى يعمل على الاصلاح وتغيير المجتمع بشكل هادئ ومتدرج وإيجابى وبالاقناع ومن خلال الحوار البنّاء، وهذا الكلام أنا مؤمن به بشكل كامل، وأعتقد أن الإخوان هم من أفضل الحركات الإسلامية المجتمعية الإصلاحية بغض النظر عن توجهها الدينى، فهى من أفضل الحركات الإصلاحية التى يحتاجها العالم العربى، لأن تواجدها فى العالم العربى فقط". وتابع: "انتقل فكر الإخوان إلي شرق وجنوب شرق أسيا، وللجماعات الإسلامية المختلفة، ففى الغرب مثلا بعض المؤسسات التى أخذت من هذا الفكر كالرابطة الإسلامية فى بريطانيا وغيرها، وأعتقد أنه الفكر الأصلح الذى يقوم على فكرة التعامل والتبادل الحضارى مع الشعوب فى العالم ومع مختلف الحضارات والثقافات". وردًا علي اتهام البعض له بأنه يمولون الاعتصامات والمظاهرات في لندن وتشوهون ما يصفونه ب ثورة 30 يونيو علي المستوي الدولي، قال: "هذا غير صحيح علي الإطلاق، فأنا لا أملك وسائل للتمويل، بل علي العكس أحتاج من يمولنى، وأنا لا أمُوّل أحدًا، أما ما يسمونه بثورة 30 يونيو فهي لا تحتاج لأحد أن يشوهها، لأنها مشوهة أصلا، ونعم أنا ضدها تماما وأهاجمها وأعتبرها شر جاء على مصر وليس على الإخوان فقط، بل والعالم العربى جميعا، وهي ليست ثورة بل هى انقلاب عسكري متكامل الأركان، ولها انعكاسات سلبية كبيرة على السياسة والفكر والأقتصاد والإعلام ومختلف المجالات، وها نحن نرى مصر اسوأ مئات المرات بعد مرور عام على هذا الانقلاب عما كانت عليه قبل هذا اليوم، وأؤكد أنني ضدها وسأظل أهاجمها حتى اخر يوم فى عمرى". وبسؤاله عن الدور الذي تلعبه مؤسسة قرطبة، أوضح "التكريتي" أنها مؤسسة فكر بريطانية، قامت منذ أكثر من عشر سنوات أي قبل الربيع العربى وقبل الانقلاب العسكري في مصر، وعملها الرئيسى هو محاولة عمل وبناء جسور بين الغرب والعالم الإسلامى بشكل عام وليس فقط العالم العربى، وهذه الجسور من أجل محاولة فهم ما الذى حدث من إشكاليات فى العلاقة بين الغرب والعالم الإسلامى لما حدث في 11 سبتمبر وما تبعه من احتلال وحرب وعنف وتفجير وما إلي ذلك. وقال:" المؤسسة تسعي لمحاولة فهم ما الذي يجري وما هي المشكلة وكيف نشأت وكيف يمكن علاجها؟، ولذلك هى تتعامل مع صناع القرار فى الغرب وبالقدر المتاح فى العالم الإسلامى، من أجل محاولة التواصل وفتح افاق الحوار وبناء الجسور بينهم، والذين نتعامل معهم فى مؤسسة قرطبة هم جهات حكومية وفكرية من أجل أن نفهم هذه المسألة المطروحة". وأشار إلي أن ثورات الربيع العربي من ضمن الملفات المهمة التى تتولاها "قرطبة" بأعتبارها حدث تاريخى وكبير جدًا ومعلم من معالم العلاقة بين الغرب والعالم الإسلامى، ولذلك دخلوا مرحلة دراسة وتحليل وفهم واقع الربيع العربى من وجهة نظر أكاديمية ومن زاوية سياسية وتحليلية وإستراتيجية، وتأثير الربيع العربي على الغرب وتداعياتها على العالم العربى. وكشف عن أنهم نصحوا الحكومات الأوروبية والغربية والأفريقية بالتعامل مع حركات الشعوب ومع هذه ثورات الربيع العربي بشكل إيجابي، لأنها فيها مصلحة، فالعالم العربى يخيم عليه أنظمة ديكتاتورية وشمولية، والتغير والتحول إلي صورة ديموقراطية وحرية هو أمر فيه فائدة ليس فقط للمنطقة وأنما للعالم بشكل عام. وتابع :"لذلك من نصيحتنا لإجراء علاقة إيجابية بين الغرب والعالم الإسلامي عليهم التعامل إيجابيا مع ثورات الربيع العربى، وعندما وقع انقلاب عسكري فى مصر كان موقفنا أننا نرجع خطوات كثيرة إلي الوراء، لأن له انعكاسات سلبية ليس فقط على العالم العربى وليس فقط على مصر وأنما هو سيء على العالم كله، لأن العالم يتعامل مع منطقة الشرق الاوسط وفق منظومة الأنظمة القمعية والاستبدادية، وهذا الأمر هو الذى جعل الشعوب تعيش فى حالة من الظلم لعقود من الزمن، والآن هذه الحالة ينبغى أن تنتهى". كما استنكر وصف رئيس الوزراء البريطاني "ديفيد كاميرون" لمؤسسة قرطبة بأنها الواجهة السياسية لجماعة الإخوان، قائلا:" هذا وصف غير صحيح جملة وتفصيلا، ف كاميرون قال هذا الكلام عام 2009 وقت أن كان رئيسًا للمعارضة وقتها، وقد أرسلنا له مباشرة رسالة لتوضيح ما الذى يقصده من هذا الكلام الذي نرفضه تماما، وطلبنا منه إبراز أى أدلة للرأي العام، حتى نفهم ما هى المعلومات الموجودة لديه". واستطرد: "عندما أصبح رئيسا للوزراء أرسلنا له رسالة أخري، وقلنا له أولا "مبروك"، وثانيا بما أنك أصبحت رئيسًا للوزراء الآن فنريد توضيحًا لتصريحك الذى أطلقته منذ عامين والرجاء إرسال ما الذى تقصده وما هى الأدلة التى تملكها، لكى تقول مثل هذا الكلام؟، ولم يصلنا أيضًا أي جواب، وعلى الرغم من الاتصالات والرسائل لمكتب "كاميرون" لم يقم بتوضيح ما الذى يقصده وما هى الحجج والأدلة التى يمتلكها لتثبت أن هذا الكلام الذى يقوله صحيحًا، فنحن بالنسبة لنا قمنا بنفى وانكار هذا الأمر، وطالبنا صاحبه أن يكون إنسان متحضر ويرد علينا فقط بتوضح، لأنه أطلق تهمة غير صحيحة". وأوضح أن "كاميرون" كان يهدف حينما أطلق هذا الوصف لأغراض سياسية، فهو عندما تحدث عن مؤسسة قرطبة كان ذلك فى سياق مهاجمة الحكومة البريطانية وقتها، فقد كان مقصده هو مهاجمة سياسات الحكومة وليس مهاجمة مؤسسة قرطبة، بزعم أن الحكومة تتعاون مع مؤسسات خطيرة كقرطبة. وقال: "لكنه اخطأ فى عدة مسائل، أولا نحن ليست لنا علاقة مع الحكومة البريطانية، وثانيًا هو قال إن من أسس وانشأ مؤسسة قرطبة هو الدكتور عزام التميمي، القيادي بالتنظيم الدولي لجماعة الإخوان، وهذا خطأ فعزام التميمى لم يدخل يوما مؤسسة قرطبة، وليست له أي علاقة بها، ولذلك هذه المعلومات كلها خطأ بنسبة 100%، لكن من أراد أن يستثمر هذا الكلام لمصلحته فليفعل، بينما من يريد أن يصل إلي حقائق فالواقع وحقيقة هذا الأمر ليست له أى مصداقية". وعن علاقة الإخوان بمؤسسة قرطبة، أكد "التكريتي" أنه لا توجد علاقة للإخوان ب"قرطبة"، فالمؤسسة هى مؤسسة بريطانية أولا، وتقوم على محاولة فهم ودراسة العلاقة بين الغرب والعالم الإسلامى، وهذه العلاقة فيها مكونات عديدة، وبالنسبة لعلاقتهم مع الغرب، فهم يتعاملون مع حكومات وأحزاب سياسية وجهات مفكرة ووسائل الإعلام ومراكز الدراسات. وقال: "بينما فى العالم الإسلامى يستحيل أن نتعامل مع الحكومات، فليست هناك أنظمة ديموقراطية مفتوحة ولاتوجد قنوات للتواصل مثل التي لدي الغرب، ولذلك ربما يكون هناك نوع من التعامل مع بعض مراكز الأفكار والدراسات، لكن لا نستطيع التعامل مع حكومات، لأن التعامل مع تلك الحكومات يجب أن يكون ضمن القنوات الاستخباراتية والأمنية، ولا استطيع أن أرسل رسالة إلي وزير الخارجية أو الداخلية أو أي وزير آخر، وهذا غير متاح لنا علي الإطلاق". وتابع: "الذى نتعامل معه فى العالم الإسلامى فى حال الحكومات المفتوحة مثل تركيا وماليزيا نتعامل معها بشكل مفتوح، لكن لا توجد فرصة للتعامل مع الحكومات العربية، ولذلك نتعامل مع بعض المكونات الأخري كالأحزاب وقوي المعارضة وبعض الشخصيات والجماعات، من ضمن هذه البوتقة الواسعة الإخوان المسلمين والتي صارت طرفا رئيسيا قبل وعندما اندلعت ثورات الربيع العربي، والانقلاب العسكري في مصر حدث على حكومة الإخوان، فالتعامل معهم أمر طبيعى ومنطقي، فنحن نتعامل مع الإخوان كمكون كما نتعامل مع ما لا يقل عن خمسين مكون اخر فى العالم الإسلامى، كما نتعامل مع المكونات الرئيسية فى العالم الغربى". وقال:" نحن لا ننفى أننا لا نتعامل مع الإخوان، وأنما نتعامل معهم فى ظل بوتقة العمل الخاصة بمؤسسة قرطبة، لكننا لسنا واجهة لهم أو لغيرهم، وانما واجهة لنا فقط، ونحن نتعامل مع الإخوان وغير الإخوان، وهذا الأمر أصبح واضحا للجميع، لأن أغلب اجتماعاتنا ولقاءاتنا معلنة وموجودة على المواقع الاخبارية ونصدر بعدها تقارير معلنة، فهى ليست سرًا وليست خفية أو تحت الأرض". وحول زيارته للبيت الأبيض التي أثارت الجدل بعد مقابلة الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" مع وفد من البرلمان العراقي، وهو ما دفع البعض للزعم بأن التنظيم الدولي للإخوان أخترق البيت الأبيض، قال:"مؤسسة قرطبة تتعامل مع دوائر صناعة القرار فى الغرب، ولذلك نحن لدينا لقاءات كثيرة وهامة، واللقاء مع "أوباما" لم يكن اللقاء الأول، بل سبقه لقاءات أخري، ولكن صورة اللقاء الأخير هي التي انتشرت، والأمر بالنسبة لنا مسألة عادية، فنحن كمؤسسة غربية نتعامل مع كل المكونات التى تصنع القرار فى الغرب، ولذلك نحن التقينا بحكومات بريطانية متعاقبة وحكومات أوروبية مختلفة وبالحكومة فى استراليا وجنوب أفريقيا، وتعاملنا مع الكثير من وزراء الخارجية والداخلية". وأضاف :"أحيانا يُطلب منا كتابة تقارير حول قضايا معينة، ويطلب منا حضور أو تنظيم لقاءات عمل، فهذا أمر طبيعى جدًا بالنسبة لنا، أما عن تلك الزيارة الأخيرة مع بارك أوباما، فقد رافقت رئيس البرلمان العراقي أسامة النجيفي بطلب منه للترجمة، وأنا دخلت البيت الأبيض هذه المرة كمترجم، خاصة أنني خبير في الترجمة الفورية، ومن ثم فهذا الأمر ليس مستغربًا وليس به اختراق". وتابع: "إذا ما استطعت أن اخترق بشكل أصولى وقانوني ومفتوح فلن أتردد في هذا، ولو كانت هناك طريقة للأختراق وتغيير وجهة نظر الساسة الأمريكان لن توجد لدي مشكلة في هذا الأمر، لأن العالم كله يعمل بنفس هذا الأطار من أجل تغيير صناع القرار، وهو ما يطلق عليه "اللوبي"، وأتمنى أن تأتى لى فرصة لأغير وجهة نظر "أوباما" أو "كاميرون" أو غيرهم، ولن أتردد في ذلك –كما لن يتردد غيري- فهذه ساحة مفتوحة، والكل يبذل فيها جهده ونشاطه وبفاعلية وبانفتاح ووفق القانون والمتاح". واختتم رئيس مؤسسة قرطبة بقوله:" أنا مُقدر أنه فى المناطق المظلمة من العالم العربى للأسف الشديد أن تكون هذه طريقة تفكيرهم، وأعتبارهم الجلوس مع رئيس أو ملك يعني أختراق وأنني من جهة استخباراتية عالية، ففى بلادنا العربية للأسف لا يمكن لأحد الوصول إلي رئيس أو أمير أو ملك، ولذلك أتفهم طريقة التفكير لدي هؤلاء لكن الوضع فى الغرب مختلف".