يخشى مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين نزحوا إلى رفح في أقصى جنوب قطاع غزة، وقوع "مجازر" حال نفذّت إسرائيل تهديداتها بشنّ عملية عسكرية في المدينة، مع انعدام الخيارات المتبقية أمامهم. فعلى بعد مئات الأمتار من سياج رفح الحدودي مع مصر، نصبت عشرات العائلات الفلسطينية الخيام "كملاذ أخير" بحثا عن ملجأ من القصف الإسرائيلي لقطاع غزة، بعد أن اضطرت إلى الانتقال عدة مرات من منازلها وملاجئها السابقة. لكن الكثيرين يفكرون الآن في تهجير آخر مع تهديد إسرائيل بعملية عسكرية في مدينة رفح الحدودية، التي تؤوي الآن أكثر من نصف سكان غزة البالغ عددهم مليوني نسمة، حسبما رصد تقرير لموقع "ميدل إيست آي". وأعلن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أنه أمر الجيش ب"التحضير" لهجوم على رفح القريبة من الحدود مع مصر، والتي باتت تستضيف أكثر من مليون شخص في ظل الدمار الواسع والمعارك في شمال القطاع ووسطه، منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية "حماس" في 7 أكتوبر. وفي بيان لعائلات بمدينة رفح والنازحين إليها، رفض الفلسطينيون مغادرة منازلهم والخضوع لتهديدات جيش الاحتلال الإسرائيلي، وأكدوا أنهم لن يغادروا المدينة، ويفضلون الموت شامخين. وأوضحت العائلات والنازحون أنهم قرروا عدم مغادرة رفح، واتخاذ القرار بالموت هنا أو العودة لديارهم منتصرين وقد توقفت الحرب. وشدد النازحون على أنهم لن يتركوا سكان رفح الذين احتضنوهم مع بدء العدوان وفتحوا لهم أبواب بيوتهم، وقالوا بهذا الخصوص: "لن نقبل بالعودة وترك أهل رفح الذين استقبلونا وفتحوا لنا قلوبهم قبل بيوتهم وقاسمونا لقمتهم وملبسهم وشربهم، لن نتركهم وحدهم، لقد اتخذنا القرار، ولن يحدث إلا ما قد كتبه الله لنا". كما طالبوا المصريين بالتحرك من أجل سكان غزة، والضغط على حكومة بلادهم لإثناء الاحتلال عن ارتكاب جرائم جديدة في رفح. وخلال الأسبوع الماضي، كثفت إسرائيل هجماتها الجوية على رفح، وشنت عشرات الغارات الجوية القاتلة على الأحياء المكتظة بالسكان والمباني السكنية. ووفقا لمنظمة "إنقاذ الطفولة"، فإن أكثر من 1.3 مليون شخص، من بينهم 610 آلاف طفل، محاصرون في رفح، التي تشكل أقل من خمس إجمالي مساحة غزة. ومع عدم وجود مكان آخر يذهبون إليه، يقول العديد من الأشخاص، الذين نزحوا بالفعل عدة مرات: إنهم "لن يغادروا ملاجئهم إذا بدأت إسرائيل غزوا بريا في رفح". وخلال الساعات الماضية، تعددت التحذيرات الدولية من هجوم شامل على رفح، قد يصفي كل القضية الفلسطينية. وتعد رفح، آخر ملاذ للنازحين في القطاع المنكوب، وتضم أكثر من مليون و400 ألف فلسطيني، بينهم مليون و300 ألف نازح من محافظات أخرى، وفق المكتب الإعلامي الحكومي. ووفق شهادات نازحين، "لقد جئنا إلى السياج الحدودي، أين سنذهب بعد ذلك؟ لا يوجد مكان بعد السياج، ليس هناك أمان في رفح، لقد بدأوا بإطلاق الصواريخ علينا، والشظايا تصل إلينا". وسبق أن تم تحديد كل من خان يونس ورفح في السابق كمنطقتين آمنتين ،حيث أمر الجيش الإسرائيلي السكان بالاحتماء، وتدرجت العمليات العسكرية الإسرائيلية بداية من شمال القطاع ومدينة غزة، وصولا إلى المناطق الوسطى خصوصا مخيمات اللاجئين، وبعدها خان يونس (كبرى مدن الجنوب) والتي تشهد منذ أسابيع قصفا مكثفا ومعارك ضارية. ويأتي التلويح الإسرائيلي بشنّ عملية في رفح، في وقت تكثّف الولاياتالمتحدة وقطر ومصر جهودها لدفع طرفي الحرب إلى هدنة جديدة طويلة تتيح الإفراج عن مزيد من الأسرى الإسرائيليين وإطلاق معتقلين فلسطينيين، وإيصال مزيد من المساعدات الإنسانية لسكان القطاع. أهداف الهجوم على رفح ووفق خبراء، فإن الأبعاد العسكرية للعدوان المحتمل على رفح، والهدف من ورائه، متشابكة وتثير الكثير من الإشكالات، بسبب كثرة النازحين من شمال ووسط القطاع ومن خانيونس إلى المنطقة، بحيث أصبح هناك اكتظاظ كبير بالسكان حيث تجاوز عدد النازحين فيها مليونا ونصف المليون تقريبا، ومن ثم فإن أي عملية عسكرية في هذه المنطقة قد تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه بالنسبة للخسائر في المدنيين،ووفق التقديراتت الاسرائيلية، فإن هجوم رفح، يمثل آخر أوراق جيش الاحتلال في الحرب التي هدف من خلالها إلى الوصول للمحتجزين والقضاء على حركة حماس. كما أن الاحتلال حال فشله في رفح سيضطر إلى اللجوء إلى المفاوضات من أجل تحقيق أهدافه، وتذهب التقديرات السياسية إلى أن العملية العسكرية التي ينوي الاحتلال القيام بها في رفح، سيقدم عليها نتنياهو بقرار سياسي، إذا لم يتم التوصل لاتفاق حول وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى وما إلى ذلك. وهذا الدخول له أسباب، السبب الرئيسي أن الاحتلال لا يزال يبحث عن الأسرى المحتجزين في قطاع غزة، ونتنياهو لا يزال يراهن على مسألة الوصول إلى الأسرى من خلال القوة، وبالتالي هو يعتقد الآن أن ما خمّنه في البداية بأن الأسرى وقيادات المقاومة تتواجد في مستشفيات القاطع الشمالي، تراجع عن ذلك وقال إنهم موجودون في خانيونس، باعتبار أن هذه المنطقة تمثل المقر الرئيسي للقيادات سواء العسكرية أو السياسية بالنسبة للقسام وبقية الفصائل الأخرى. فعندما دخل خانيونس لم يجد أي شيء، وبالتالي تتجه أنظاره الآن إلى رفح باعتبار أنها تتواجد فيها أعداد كبيرة من الأسرى، بالإضافة إلى القيادات، فلذلك هو سيحاول عسكريا الدخول إلى رفح، وإذا ما تم الدخول إلى رفح ولم يتم التوصل إلى القيادات أو إلى الأسرى، عندئذ سيذهب إلى صفقة التبادل، وهذا في تقديرات ، هو الرأي الذي يعمل عليه قادة الاحتلال سياسيا في الكيان الصهيوني. وبجانب تلك الأهداف، فالاحتلال يريد الوصول إلى كل المناطق التي كانت تسيطر عليها حماس بما فيها رفح، وتدمير أكثر ما يمكن من القدرات العسكرية لفصائل المقاومة في قطاع غزة بما فيها مدينة رفح. ووتتصادم العملية العسكرية في رفح مع اتفاق السلام الموقع مع مصر، عام 1979، وبالتالي إذا لم تكن هناك تفاهمات مع الجانب المصري على هذه العملية العسكرية فسيكون هناك مشكلة كبيرة جدا. خصوصا وأن مصر الآن تُشدد على مسألة التعامل مع الكيان الصهيوني بعد الاتهامات بتهريب السلاح من منطقة سيناء باتجاه قطاع غزة، وبالتالي هناك إشكال في هذه القضية، وهو ما قد يركز نتنياهو على المناطق في رفح البعيدة عن الشريط الحدودي مع مصر.