في ثاني أيام انتخابات "رئاسة الدم" تذكروا: فجر عاطف صحصاح يفصح التحليل الأولي البسيط لبعض خطابات قائد الانقلاب العسكري "عبد الفتاح السيسي" أننا أمام شخصية جهولة لا عمق معرفي أو ثقافي تستند إليه؛ هذا فضلا عما لا نجد له تعبيرا سوى "الغباء السياسي"؛ والذي دلّ عليه تناقضه الواضح في الردود؛ ما يشي بعدم قدرته على ترتيب كذبه أو حتى مداراة جرائمه؛ ظهر ذلك جليا في حديثه عن "البرنامج الانتخابي" غير الموجود، وكذلك ظهر في حديثه عن الولاياتالمتحدةالأمريكية وتصريحه الفاضح عن طبيعة التنسيقات التي تمت بينه وبين المسئولين الأمريكان من أجل تنفيذ الانقلاب.
إطار عام بدا"السيسي" متخبطا مرتبكا بشكل عام، لا يجيد ترتيب الكلمات أو الجمل، ولا يستطرد خلف فكرة وينتهي منها إلى النهاية بشكل يساعد على توصيل معلومة، أو إيضاح فكرة، والسؤال المهم في هذا الإطار؛ فإذا كان من المؤكد وجود فريق ضخم يقع خلف "السيسي" في حواراته تلك ترتيبا وتجميعا لمعلومات وبيانات، فضلا عن أن الحوارات جاءت بعد عملية "مونتاج" وليس بثا مباشرا؛ وبعد هذا كله ظهر كل هذا القدر من التلعثم واللاوضوح والارتباك، فماذا إذا تحدث بشكل مباشر وبلا إعداد أو مونتاج، الحقيقة الظاهرة والتي لا تخفى على أحد هي أن "السيسي" لم يكن يريد أكثر من مجموعة من المصفقين في لقاء سريع يتفوه فيه بأقل الكلمات بلا محتوى جاد، وإنما كلمات تعبوية عاطفية ليس أكثر. ثم يضج المكان بالتصفيق والهتاف. وهذه الرؤية تؤكد أننا لسنا أمام سياسي أو رجل دولة، وإنما أمام "ديكتاتور" طامع في كرسي ومنصب وشهرة ونفوذ ليس أكثر.
الرؤية السياسية.. وراثة الدول الاستعمارية القديمة والإمبريالية الحديثة في فزاعة "الإرهاب" بالمتابعة ومحاولة تحليل خطابه فيما يخص الرؤية السياسية والتي سنضطر إلى قراءتها من بين الأسطر وبين عثرات الكلمات التي يتتعتع بها، لنجد أنه "المقصد" الأساس الذي ظهر ويمكن تفسيره على أنه يقع تحت "الرؤى السياسية" كان هو الحديث عن "الأمن"، الأمر الذي لا تفسير له في المعاني الواردة سوى "محاربة الإرهاب"، وهي فزاعة قديمة استخدمتها في العصر الحديث "بريطانيا" وقت أن كانت إمبراطورية استعمارية لإجهاض المقاومة ضدها، ومن ثم ورثتها أمريكا حديثا في تبرير عدوانها على أي قوى أخرى يبدو لها نفوذ في العالم. ولذا فهذا المستبد الجديد؛ لا يملك نظرا لفقدانه للرؤية والأطر الإستراتجية التي يستطيع أن يتحدث بهم عن دولة بحجم مصر، لا يملك أمام هذا سوى السيناريو المتكرر من إخافة الناس وحثهم على التضامن معه في حربه الأمنية، وحتى في هذا الإطار لم يذكر مثلا "السيسي" نوعا آخر مثل كيف سيحقق الأمن للبلاد بعد انتشار المخدرات فيها، أو كيف سيعيد "البلطجية" إلى جحورهم، أو كيف سيقاوم "التحرش" ويضمن الأمان في الشارع والأسواق، كل تلك الأنواع من الأمن لا تلقي بالا في أحاديث السيسي، ولا يتوافر لديه فيها خطة أو وجهة نظر. [راجع حديثه لقناة "سكاي نيوز" 11مايو 2014].
غياب واضح للإيمان بالحرية وهذا يبدو واضحا من إجابته "المتتعتة" على سؤال نصه: "كم تستطيع كمرشح أن توازن بين الأمن كمطلب للحفاظ على الحريات لمصر بعد ثورتين؟"؛ فأجاب: "الأمر مرتبط بالثوابت والقناعات، هل هو محترم الحريات ومحب لها، وأنا اللي خايف منه إن البلد تصل لحالة فوضى وأثناء تولي وظيفتي كنت ألتقي كل القوى وكنت بقول مش عاوزين نفكر في الأفق السياسي الحاكم فقط ونفكر في الأفق الاجتماعي ومطالب الناس والأفق الأمني.. وأضاف: "إحنا عايزين ندعم ونعضد الشرطة وندعم ونعزز القانون عشان نستعيد حالة الأمن وده هيدعم في المرحلة القادمة وتوفير كل احتياجاتهم الفنية الإدارية ورفع مستوى والمهارة، والقانون إننا لا نعلق على أحكام القضاء ونحترم بكل قوة قضاءنا المستقل، كمان الإعلام لو يطور تحدياتنا وده هيضيف وهيحقق الأمن والاستقرار.. تتبقى التنمية". ورغم الصعوبة الشديدة في فهم تلك الكلمات غير المترابطة إلا أننا نستشف منها أنه لم يتحدث عن الحرية التي سئل عنها، وإنما أعاد الحديث عن الأمن مرة أخرى، فضلا عن أنه زاد فكرة دعم "الشرطة" و"القضاء" أي دعم المؤسسات التنفيذية والقضائية نحو مزيد من القمع والسيطرة والبطش. أما الحرية فليست مفردة على ما يبدو لها في ذهنه دلالة واضحة، ومن ثم فلم يستطع أن يضع لها إسقاطا واضحا على الأرض.
التنمية... يتحملها المصريون والتقشف سيد الموقف لم نجد مفردات تنم عن أي وعي حقيقي بفكرة التنمية وارتباطاتها الاقتصادية والسياسية وعميق أثرها في البني الاجتماعية؛ وإنما الأمر نحا في أحاديث السيسي إلى إلقاء التبعة على قوى فاعلة غيره؛ ظهر ذلك في رده على الإعلامية "زينة يازجي" في سؤالها حول التنمية: "الجديد في الموضوع إني بحشد والحاجة رقم اتنين المجابهة القوية ووعي حقيقي، وبقولك اصطفاف المصريين في فهم عمق وحجم المشكلة" أي أنه أحال الأمر إلى "الحشد" وإلى "المصريين" وفي هذا ملمح مهم إلى التخلي الواضح عن مجرد صناعة برنامج تنموي، أو حتى خطة له عاجلة أو آجلة، وإنما أحال القضية إلى أكتاف المصريين الذين عليهم أن يقوموا هم بتلك "التنمية" ربما عبر التقشف الذي سيفرضه عليهم، أو عبر الضرائب الباهظة، أو الأسعار التي تزيد ارتفاعا يوما بعد يوم، والحقيقة أنه وما لا يعرفه "السيسي" أن كل هذا لا يصنع "التنمية" التي سئل عنها، هو فقط بذلك ألمح إلى الأعباء التي ستقع على المواطنين، ولكن من أجل ماذا سيتحملون تلك الأعباء، وإلى متى، وما المشروعات القومية الكبرى التي سيتضورون جوعا حتى يجدوا أثرا لها، كل هذا لم يتحدث عنه "السيسي" وأغلب الظن أنه لا يفقهه؛ فالتنمية خطة ومشروع وجدول زمني، أما السيسي فيبدو أنه يظن الأمر عبارة عن حفنة من الأموال وفقط، ويكفيه ما قد يدره عليه بعض حلفاؤه من هنا أو هناك.
البرنامج الانتخابي غرور الديكتاتور، وفزاعة "الأمن القومي" بدا الحديث عما يسمى "برنامج انتخابي" مثل الأضحوكة المبكية الآن في مصر؛ حيث بات الكثير من مؤيدي الانقلاب الآن على يقين أنه لا رؤية ولا برنامج واضح وصريح للشخص الذي انقلب على رئيسهم الشرعي، فكأنه وضع مشروعا متكاملا خلف القضبان؛ لينفذ أغراضا لنفسه بالسيطرة، ويقود حربا بالوكالة عن قوى أخرى؛ وليس أدل على ذلك من التعلثم الواضح من قبل "السيسي" في إجابته أكثر من مرة عن هذا السؤال؛ ففي لقائه مع "إبراهيم عيسي" و"لميس الحديدي" قال عن برنامجه الانتخابي إنه: "حصاد وحصيلة جهد كبير للغاية من علماء أفاضل وخبراء متخصصين ومفكرين داخل مصر وخارجها وهو -البرنامج الانتخابي- قابل للتنفيذ ويحتاج إلى جهد أكبر، مشيرا إلى أنه ليس مَن المهم الأشخاص الذين وضعوا برنامجه الانتخابي ولكن الأهم الجهد المطلوب لتنفيذه" . ورغم ذلك ففي اللقاءات التالية أكد صراحة أنه لا برنامج انتخابي لديه، وأنه لم يضع مثل هذا الكلام من قبل؛ ففي انفعال رد على الفنان محمد صبحي، أثناء لقائه الفنانين-18 مايو- مؤكدا أنه كان مشغولا بالجيش ولم يضع برنامجا؛ حيث قال "صبحي" ل"السيسي": "أنت تظهر في الفترة الأخيرة كثيرا دون أن تتحدث عن برنامجك الانتخابي"، وطالبه بالإعلان عن البرنامج الانتخابي. فما كان من السيسي إلا أن انفعل وقال لصبحي، إنه "كان منشغلا طوال الفترة الماضية بتقوية الجيش حتى يصبح من أقوى جيوش العالم، كما كان يرفض الانجراف لمعترك السياسة، إلا أن كل من حوله ظلوا يضغطون عليه حتى يترشح للانتخابات". وأضاف منفعلا: "وإنتوا الفنانين كنتم جزءا من الناس اللي ضغطوا عليا، ودلوقتي جايين تطالبوني ببرنامج، أنا معنديش برنامج". ومع ذلك عاد وأجاب الصحفي "خالد صلاح" في لقائه المجمع لأكثر من شبكة فضائية فقال أيضا منفعلا إن الخطط موجودة لكن لا يصح مناقشة التفاصيل على الهواء"، وهنا جاءه تبرير سريع -من صلاح والإبراشي- وكأنه إيعاز بالإجابة ليؤكد ما يعني أنه من الخطر الإعلان عن تفاصيل المشروعات لأنها بمثابة "أمن قومي"، في حين أشار على استحياء إلى "الطاقة البديلة من الطاقة الشمسية". وهذه الإجابات لا تعني فقط عدم وجود برنامج أو رؤية لإدارة البلاد، وإنما تشي أيضا بمحاولات المراوغة وتعمد الكذب؛ وعندما لم ينطلي هذا على المصريين، أخذ "السيسي" في تجميل وجهه والهروب إلى الفزاعة المعتادة وهي "الأمن" القومي، أي أنه حتى البرنامج المعروف في العالم كله أنه لأجله يتم اختيار مرشح دون آخر، لم يستطع السيسي أن يعطيه للمصريين ولو ادعاء ومواربة بوجوده.
-العلاقة بالولاياتالمتحدةالأمريكية تنسيق ودعم من أجل الانقلاب، واستجداء مزيد من الدعم والسلاح رغم الادعاءات الكاذبة التي خرجت من قادة الانقلاب وأبواق إعلامهم من أن جماعة الإخوان مدعومة أمريكيا؛ وهي الأقوال التي لم يسعهم عليها تقديم أية أدلة سوى تكرار الكذبة حتى تصير كالمسلّمة؛ إلا أن حوارات "السيسي" جاءت كاشفة لأبعاد خيوط التآمر بين السيسي نفسه وأمريكا؛ وكأنه كان طيلة الفترة الماضية يسارع لإلصاق جريمته بغيره؛ ففي حين اعترف السيسي بأنه أخبر الأمريكيين بشكل غير مباشر بأنه قرر عزل الرئيس مرسي منذ مارس 2013؛ حيث قال في احدي اللقاءات بتاريخ 6 مايو 2013: إنه أبلغ مسئولا أمريكيا في مارس من العام الماضي أنه لا سبيل للخروج من الأزمة السياسية في مصر وأن "الوقت انتهى". وأضاف السيسي في مقابلة تليفزيونية: "جاء مسئول أمريكي كبير جدا والتقى بي في الوزارة (الدفاع) وقال لي من فضلك بيقولوا إنك مدرك للواقع هنا النصايح إيه؟ قلت له الوقت انتهى. أنا معنديش نصايح ليكو". ورغم ذلك ادّعى في لقاء آخر مع قناة "سكاي نيوز" حين سألته المحاورة: "هل تحرك الجيش في 30 يونيو بإيعاز من الخارج؟"؛ فأجاب:"الجيش ما ينفعش يعمل كده ولا نسق أو يتشاور أو يتآمر من أكبر قائد لأصغر شخص فيه، ده قرار مصري خالص مع احترامنا لكل العلاقات والمصلحة الوطنية كانت تقتضي ذلك". وهو ما أظهر التناقض الجلي والذي رصدته صحيفة "نيويورك تايمز"؛ حيث عقبت على تصريحه التليفزيوني بتاريخ 6 مايو بأنه:" أول تأكيد معلن من السيسي على أنه ناقش مسألة استيلاء الجيش على الحكم مع مسئولين أمريكيين قبل التنفيذ بأيام، مشيرة إلى ما يمكن اعتباره خذلانا من السيسي لأنصاره الذين اتهموا واشنطن بدعم جماعة الإخوان المسلمين. وألقت الصحيفة الضوء في هذا الإطار على تصريح السيسي –خلال اللقاء– مفصحة عن أن الشخصية التي تحدث عنها "السيسي" هي السفيرة الأمريكية بمصر آنذاك "آن باترسون"؛ حيث كانت قد طلبت منه تأجيل ما أسمته "عزل" مرسي ليوم أو يومين، إلا أنه رفض هذا الطلب. ثم ما لبث "السيسي" أن استمر في مد يد الحاجة وطلب المساعدة العلنية الواضحة من الولاياتالمتحدةالأمريكية، حيث قال في حديث لوكالة "رويتر" 15 مايو 2014: "إحنا محتاجين الدعم الأمريكي في مكافحة الإرهاب، محتاجين المعدات الأمريكية لاستخدامها في مكافحة الإرهاب". وهو استجداء واضح للسلاح الخارجي لقمع الشعب في الداخل.
-الموقف من الرئيس مرسي ومن جماعة الإخوان يعترف بأن البلاد تحتاج إلى عامين على الأقل للشعور بأثر التنمية في حين لم يعطِ الرئيس مرسي سوى عام مليء بالمشاحنات إذا كان المفترض أن الكثيرين ممن وقفوا ضد الرئيس الدكتور مرسي، قد انطلقوا من رغبتهم الأكيدة في إصلاحات سريعة، خاصة بعد أزمات الكهرباء والبنزين التي ثبت بعد ذلك أنها مفتعلة، فالسيسي نفسه في حواره لجريدة "المصري اليوم" في أكتوبر الماضي؛ وفي إطار حديثه عما رغبه من الرئيس الدكتور مرسي، أشار إلى أنه قال له: "لا تعادِ مؤسسات الدولة، لا يمكن أن تعيد هيكلة المؤسسات مرة واحدة. إذا كانت هناك ضرورة فالإصلاح لا بد أن يأخذ مداه الزمنى". وفي هذا دلالة على أن التذرع بعدم وجود إصلاحات سريعة وعاجلة لفساد دام أكثر من ثلاثين عاما، كلها كانت فقط أقنعة تجميلية لوجه انقلاب دموي عسكري. وفي ذلك أيضا أشار "السيسي" في لقاءاته التالية إلى أن التغيير الحقيقي الذي من الممكن أن يلمسه المصريون سيأتي في مدى زمني لا يقل عن عامين، كما أن هناك مشكلات تحتاج إلى مدى زمني أكبر، فقال مثلا في حديثه ل"سكاي نيوز":"لو مشيت الأمر طبقا لتخطيطنا سيرى تحسن خلال عامين.. وفيه مشاكل مثلا أطفال الشوارع عايزة حلول بعيدة المدى عشان نقدر نقول إنه قدام حالة العوز فيه حالة الكفاية والانتعاش وبنتكلم إن شاء الله في سنتين". وهو الأمر المثير للتساؤل البديهي؛ فلماذا إذن لم يتم الصبر على الرئيس مرسي هذين العاميين، ولماذا لم يكن من همّ للإعلام أو ما يسمون ب"النخبة" في العام من حكم الرئيس مرسي سوى التجريح فيه واتهامه بالعجز، ومن ثم الوقوف خلف الانقلاب عليه؛ فهذا هو الآن قائد الانقلاب، وبعد مرور عام كامل من انقلابه، والبلاد فيه من السيئ إلى الأسوأ؛ ومع ذلك فهو لا يعد سوى بعامين قادمين رهن الانتظار؛ في حين يؤكد أن بعض القضايا ستحتاج إلى مدى أكبر.
يعترف بأن الإخوان حريصون على الإسلام ويصر على أنه لا "وجود لهم في عهده" وفي سياق آخر أكد -السيسي- أنه لا يقدح في الإخوان ولا يشكك فيهم، وقال ما نصه -في جريدة المصري اليوم-: ".. والسؤال: هل هناك أحد يستطيع أن يجادل أن هؤلاء الإسلاميين حريصون على الإسلام؟! لا شك فى ذلك، لكن المشكلة أنهم لا يستطيعون التفرقة بين ممارسات الفرد فيهم كإنسان وفرد في الجماعة". وقال: "والإشكالية في هذا الأمر -ودون الإساءة إلى أي أحد- نابعة من البناء الفكري والعقائدي لهذه المجموعة. وبالمناسبة هذا لا يقدح فيهم، لكنه يؤثر على جهودهم في إدارة أي دولة"..ثم عاد السيسي وأظهر تناقضه حيث تحدث عن التدمير والقتل والتخريب الذي جعل "الجماعة" سببا فيه، فقال في حديث إلى "سكاي نيوز": "همّ اللي قدموا العنف بشكل خلى المصريين يتصوروا إنهم مش هيعيشوا معاهم تاني". أما في حديثه عبر فضائيتي "سي بي سي" و"أون تي في". فبدا أكثر شراسة وعنفا مؤكدا: "أنه لن يكون هناك شيء اسمه جماعة الإخوان في مدة رئاسته".