الحرب التي يشنها الصهاينة حاليا هي حرب على كل قطاع غزة بفصائله ومقاومته ومواطنيه الذي يصلون إلى نحو مليوني إنسان، لكن اللافت في الأمر أن الإعلام الصهيوني يركز الحديث عن حركة الجهاد الإسلامي هذه المرة ويستهدف بعض قادتها بالاغتيال والقتل، فما السر والأهداف وراء ذلك؟ فإذاعة الاحتلال قالت السبت 12مايو 23م نقلا عن مصادر عسكرية- إنّ حركة (الجهاد الإسلامي) أطلقت للمرة الأولى صواريخ مضادة للطائرات، إلى جانب إطلاق صواريخ بعيدة المدى. وأضافت إذاعة الاحتلال أن الدفعة الجديدة من الصواريخ غير مسبوقة، واستهدفت مناطق بعيدة في أسدود وعسقلان وغلاف غزة». فهل فعلا حركة الجهاد هي التي أطلقت؟! المؤكد لدى قيادات الاحتلال أن المقاومة بكل فصائلها هي من أطلقت فلماذا يختصرون الحديث عن المقاومة بالحديث عن فصيل واحد فقط هو حركة الجهاد؟! قبل هذه الحرب كان الاحتلال على الدوام يحمل حركة المقاومة الفلسطينية حماس المسئولية عن كل شيء بوصفها القوة الأكبر والأكثر انتشارا وتأثير وسيطرة على القطاع. لكنهم هذه المرة يضخمون الحديث عن حركة الجهاد دون غيرها ويستهدفون قيادات الجهاد دون غيرها؟ فلماذا؟ وما مآربهم من وراء ذلك؟ ظني أن الاحتلال الذي اعتاد الحديث في كل حرب عن حماس بوصفها الحركة التي تسيطر فعليا على قطاع غزة لما لها من قوة وانتشار وظهير شعبي قوي، حول بوصلته هذه المرة للحديث عن حركة الجهاد؛ لأهداف سياسية بحته يستهدف بها محاولة إثارة نوازع التنافس بين الحركتين على قيادة القطاع، وبالتالي فتضخيم الحديث عن حركة الجهاد إعلاميا يستهدف في المقاوم الأول محاولة شق الصف الفلسطيني الذي يبدي أعلى صور الوحد والتعاون الميداني.
لماذا الجهاد وليس حماس؟! الاحتلال بهذا السلوك الواضح يريد التغطية على فشل مليشياته في فرض معادلة ردع تلزم المقاومة بالخضوع والإذعان لشروط الاحتلال؛ فقد أجمع عدد من كبار المعلقين في تل أبيب على أنّ العدوان المتواصل، الذي بدأه الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة ليلة الثلاثاء، فشل في تغيير قواعد الاشتباك القائمة مع المقاومة الفلسطينية وأخفق في "فرض معادلة ردع جديدة". وناقش المحاضر في جامعة "أرئيل" جادي حيتمان تركيز إسرائيل جهودها على استهداف حركة الجهاد الإسلامي وتجاهل "حماس"، واعتبر ذلك يدل على أنها غير قادرة على حسم المعضلة الأمنية والسياسية التي تمثلها غزة. وأضاف، في تحليل نشرته صحيفة يديعوت أحرنوت الخميس، أنه "لا يوجد زعيم إسرائيلي مستعد لحسم المواجهة عسكرياً مع قطاع غزة، لأنه يعي أنّ الجمهور الإسرائيلي غير مستعد لدفع الثمن المرتبط بذلك". من جانبه، قال الناطق السابق باسم جيش الاحتلال، روني ملنيس، إنّ "إسرائيل خسرت استراتيجياً في هذه المواجهة، على الرغم من نجاحها في اغتيال ثلاثة من القادة العسكريين في الجهاد الإسلامي". وخلال مشاركته في برنامج حواري في قناة التلفزة "كان" مساء الأربعاء، أشار إلى أنه عندما "يتمكن تنظيم صغير، مثل الجهاد الإسلامي، من شل نصف الدولة ويطلق الصواريخ على تل أبيب وكأنه أمر مسلّم به، فإنّ هذا يعد إنجازاً لهذا التنظيم". وفي تحليل أعده معلقها العسكري يوآف ليمو، قالت صحيفة "يسرائيل هيوم"، ذات التوجهات اليمينية والتي تعد بوقاً للائتلاف الحاكم، في تقرير نشرته الخميس 10 مايو 23م، إنه على الرغم من أنّ إسرائيل "جبت ثمناً باهظاً من حركة الجهاد الإسلامي.. إلا أنّ عمليتها العسكرية المتواصلة فشلت في فرض معادلة ردع جديد"، في إشارة إلى عمليات الاغتيال، التي طاولت قيادات ب"سرايا القدس"، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي. وكتب ليمور حسب ترجمة الباحث في الشأن العبري الدكتور صالح النعامي: "من يتباهى في إسرائيل بخفة زاعماً أنّ معادلة الردع قد تغيّرت، عليه أن يرجع إلى البداية، حيث إنّ هذه جولة القتال الثالثة التي تشنّها إسرائيل في غضون ثلاث سنوات ونصف ضد الجهاد"، مشدداً على أنّ فرض معادلة جديدة يتطلب من إسرائيل بلورة حل شامل وأساسي لقطاع غزة وللوضع الفلسطيني.وأشار إلى أنه "من دون حل شامل لمعضلة غزة"، فإنّ "إسرائيل ستجد نفسها مضطرة لشن عمليات عسكرية في غزة بين الحين والآخر، بهدف ضمان توفير بعض فترات الهدوء للمستوطنين في محيط القطاع". وطالب المعلق الإسرائيلي صناع القرار في تل أبيب بإبلاغ مستوطني محيط غزة، أو ما يعرف ب"غلاف غزة"، بالحقيقة، قبل أن يستيقظوا بعد عدة أسابيع أو أيام على أصوات صافرات الإنذار. من ناحيته، رفض المعلق العسكري لقناة التلفزة الإسرائيلية الرسمية "كان"، روعي شارون، مزاعم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، مساء الأربعاء، بأنّ "إسرائيل نجحت من خلال العملية العسكرية المتواصلة على قطاع غزة في فرض معادلة ردع جديدة". وقال شارون إنّ نتنياهو لم يكن دقيقاً عندما زعم أنّ حركة الجهاد الإسلامي "تلقت الضربة الأكبر في تاريخها"، متسائلاً: "ما قيمة الضربة التي تعرضت لها الجهاد في حال لم تحل دون إطلاقها مئات الصواريخ على العمق الإسرائيلي؟". وأضاف: "قد يكون من الصحيح القول إنّ عدم تنفيذ العملية كان أفضل من تنفيذها بفعل الضربات التي يتعرض لها العمق الإسرائيلي". أما القائد السابق في جهاز المخابرات الداخلية (الشاباك) يزهار دافيد، فقد هاجم القيادتين العسكرية والسياسية في إسرائيل، مشيراً إلى أنّ العملية العسكرية المتواصلة في غزة أسفرت تحديداً عن "تهاوي قوة الردع الإسرائيلية". وفي مقابلة مع "إذاعة 103 إف إم"، أضاف دافيد: "أنا أستمع للإعلام الفلسطيني، إنهم يضحكون علينا بفعل طابع تواصل العملية"، معتبراً أنّ الخيار الذي يمكن أن يضمن لإسرائيل "ترميم قوة ردعها" يتمثل في اغتيال قادة حركة حماس.