تحذيرات متوالية لمصر ومخاطر الانزلاق الاقصادي المحقق، تطلقها الدوائر الاقتصادية والبحثية والمالية، لكن دون مستمع من قبل السيسي ونظامه المتعامي عن مصالح الوطن، من أجل مصالح عسكرية ضيقة لا يستفيد منها سوى تجار الأزمات والمفرطون في الأمن القومي المصري من أجل مصالحهم الخاصة، فيما ينتظر الشعب وعموم المصريين الهلاك المنتظر. ومثلت زيارة عبدالفتاح السيسي الأخيرة، والتي لم يعلن عنها سابقا، إلى السعودية، والتي لم تدم سوى ساعات قليلة، منطلقا لتجدد هذا البحث، مع التقارير التي أكدت أن تلك الزيارة كانت تهدف لإقناع الرياض بتكثيف الدعم المالي وتسريعه للقاهرة. ووفق وجهة نظر يزيد صايغ، الباحث بمركز "كارنيجي" للشرق الأوسط، وفي مقابلة مع موقع "قنطرة" الذي أسس بمبادرة من الخارجية الألمانية، تم نشره قبل أيام قليلة، يرى صايغ، أن السيسي، منذ مجيئه إلى السلطة عقب انقلاب 2013، كان من الواضح أن استراتيجيته تتمثل في الهرولة نحو إقامة مشروعات عملاقة، بغض النظر عن عنصر كيفية تفاعل الاقتصاد معها أو الاحتياج لها، وهي المشروعات التي تحتاج لرؤوس أموال ضخمة لا يستطيع الاقتصاد المصري توفيرها؛ ما أدى إلى الاستدانة بوتيرة متسارعة، وهذا هو أصل المعاناة.
القروض أصل الداء
فيما يقوم منظور السيسي والجيش المصري للاقتصاد على افتراض خاطئ، وهو أنه كلما أطلقنا مشروعات جديدة، كان هذا خيرا للاقتصاد بالمطلق، دون النظر إلى أن الكيفية التي يتفاعل بها الاقتصاد مع المشروعات وهل تم وضع الأولويات الصحيحة في مكانها.
غياب دراسات الجدوى
ويضيف أن تركيز السيسي على إقامة مشروعات ضخمة دون وجود مشروعات صغيرة تجريبية "Test Pilot Projects" علاوة على عدم إجراء دراسات جدوى لتلك المشروعات، تسبب في الأزمة التي يعاني منها الاقتصاد المصري الآن. حصاد الديون وتعد الديون هي بيت القصيد في محاولة البحث عن الأسباب، كما يقول صايغ، حيث يرى أن تلك الأزمة التي تعيشها مصر منذ عام وإلى اليوم تعود بالمقام الأول إلى سياسة الاستدانة بشكل مفرط لا يستطيع الاقتصاد المصري الفعلي أن يتحمله. ويتابع أن الاقتصاد المصري اليوم، فيما عدا قطاع الطاقة الغاز والنفط، لا يُنتج فائضا كافيا لتحمل مثل هذه الاستثمارات التي تحتاج إلى رؤوس أموال كبيرة. ويقول إن "السيسي راهن على إطلاق المشاريع الضخمة والمشاريع العقارية التي تهدف إلى جذب ذوي الدخل العالي، وبالتالي جمع أكبر حصيلة نقدية ممكنة، لكن الأمر لم يسر على هذا النحو". يرى صايغ أن ما حدث فعليا هو أن حجم الاستدانة وحجم الاستعجال وحجم المشروعات زاد كثيرا عن قدرة هذا الرهان على التلبية أو على تحقيق ما كان يأمله، وجعل الاقتصاد المصري عرضة لهزات عنيفة إذا ما وقعت أحداث خارجية مثل حرب أوكرانيا أو جائحة كورونا. ما سبق أيضا جعل الاقتصاد المصري أو المالية العامة المصرية تعجز عن تحقيق التوازن بين الاحتياجات، هنا تكمن المشكلة الكبرى، وهذا ما كشف كل عيوب هذا النظام الاقتصادي، وفق صايغ. ويتشكك صايغ في إمكانية أن يغير السيسي استراتيجيته اقتصادية تلك، ذلك، رغم أنه من الناحية النظرية يجب أن تمنع الأزمة الاقتصادية الحالية السيسي والجيش من الاستمرار في المسار الحالي، وتوقف تمويل تلك المشروعات. لكن من الناحية العملية، لن يتوقف السيسي عما يفعله؛ لأن النظام المصري إلى الآن لم ير العواقب السياسية لهذه السياسات الاقتصادية. نفاق الغرب ويقول صايغ "طالما أن صندوق النقد الدولي نفسه، في آخر المطاف، غض النظر كما فعل في الماضي عن تلك السياسات الاقتصادية، فسوف يعتقد السيسي والهيئة العسكرية أن الأطراف الخارجية ستأتي دائما لنجدة النظام المصري؛ لأنهم يخافون من عواقب عدم إنقاذه ومنها الانهيار الاجتماعي والاقتصادي، ما قد يجعل مئات أو آلاف المهاجرين يحاولون النزوح إلى أوروبا، وهي موجة قد تتحول إلى ملايين المهاجرين". سلاح الابتزاز وبالتالي هناك عملية ابتزاز مفادها أن أوروبا والغرب والولايات المتحدة وحتى الخليج ستضطر في آخر لحظة دائما إلى إعادة تمويل الميزانية المصرية، وفق الباحث ، لأن جميعهم يريدون مصر مستقرة لتضمن من جهة أمن وسلام إسرائيل ولضمان سريان المعاهدات وخصوصا معاهدة السلام مع إسرائيل، وأيضا عدم خلق مصدر تهديد للجوار ومنه الجوار الخليجي. ويعبر صايغ عن اعتقاده بأن السيسي يراهن على هذا النمط من الابتزاز السياسي والاستراتيجي؛ بأن هذه الجهات الحليفة ستضطر عاجلا أم آجلا إلى إطلاق التمويل لمصر خوفا من الانهيار. كيد النسا وبيع شركات الأدوية الرابحة وفي الوقت الذي تواصل فيه صناديق الاستثمار الخليجية إحجامها عن إتمام صفقات الاستحواذ على بعض الطروحات المصرية الأخيرة ل 32 شركة عامة، وفرض شروط قاسية بينها التسعير بالجنيه المصري؛ فقد جرت صفقة استحواذ كبيرة لتحالف بريطاني فرنسي في قطاع الأدوية المصري. واستحوذ تحالف من شركة ديفيلوبمنت بارتنرز إنترناشونال (دي بي آي) البريطانية للاستثمار المباشر، وشركة "أميثيس" للاستثمار المباشر الفرنسية، على حصة أقلية في شركة "ماركيرل" المصرية للصناعات الدوائية. أهمية ذلك الاستحواذ تتزايد مع الحضور القوي للشركتين البريطانية والفرنسية بالسوق المصرية، إذ إن "دي بي آي" استحوذت ضمن تحالف مستثمرين على 99.6 بالمئة من شركة أدويا للصناعات الدوائية، عام 2020. كما أن الشركة البريطانية تعد مستثمرا رئيسيا بشركة "بي تك" لتجارة التجزئة وتوزيع الأجهزة المنزلية والإلكترونية، قبل أن تتخارج من حصتها في 2022، فيما تمتلك 33 بالمئة من شركة المدفوعات "إم إن تي" التابعة لشركة "جي بي أوتو". و"ماركيرل" مقرها بمدينة العبور بمحافظة القليوبية ، وتعمل بالسوق المصرية قبل 25 عاما، إذ تأسست عام 1998، لتصبح بين شركات الأدوية العشر الرائدة في سوق به نحو 105 ملايين نسمة. وتنتج بشكل أساس مضادات الفيروسات بجانب العلاجات الهرمونية وأدوية القلب في إجمالي 112 مستحضرا دوائيا تغطي القطاعات العلاجية المختلفة. وسجلت الشركة مبيعات بقيمة 3.5 مليار جنيه عام 2022، مقارنة ب2.5 مليار في عام 2021، بنسبة نمو 40 بالمئة. وبهذا تكون الشركة قد ضاعفت إيراداتها 3 مرات في 5 سنوات، واستحوذت على حصة سوقية تتجاوز ال2 بالمئة من السوق المحلية. مكايدة السعودية والخليج ومنذ طرح الحكومة المصرية في فبراير الماضي، 32 شركة مملوكة لها وللجيش للاكتتاب في البورصة وأمام مستثمرين استراتيجيين خلال عام، تنفيذا لتعليمات صندوق النقد الدولي، فإنه أثير الخلاف مع مستثمرين خليجيين حول تقييم تلك الصفقات بالجنيه أم بالدولار. هذا الخلاف بدا لافتا مع الجانب السعودي، بشأن تقييم صفقة بيع "المصرف المتحد" المملوك للبنك المركزي المصري، للصندوق السيادي السعودي، لتتوقف المفاوضات الشهر قبل الماضي، لرغبة القاهرة في التقييم بالدولار، وإصرار الرياض على التقييم بالجنيه، الذي يعاني تراجعا تاريخيا مقابل العملات الأجنبية. ولذا فإن اتمام تلك الصفقة في هذا التوقيت،يحمل الكير من الدلالات، لنحفيز السعوديين على تخفيف شروطهم والتوغل اكر بمصر. وتبقى المخاطر قائمة ، مع استمرار تتوجه تلك الأموال لسداد الديون دون تنمية أو استمارات جديدة بالبلاد.