يواصل الأطباء مسلسل الهجرة إلى الخارج فرارا من الأوضاع المأساوية التي تعاني منها المنظومة الصحية في زمن الانقلاب؛ ما تسبب في أزمة حادة تتمثل في نقص أعداد الأطباء بصورة كبيرة، بسبب المرتبات الهزيلة وتردي الأوضاع المالية وبيئة العمل، ووصل معدل الأطباء في مصر إلى 8،6% طبيب لكل 10 آلاف مواطن بينما المعدل العالمي 23 طبيبا لكل 10 آلاف مواطن. يشار إلى أن أعداد الأطباء البشريين المرخص لهم بمزاولة مهنة الطب حتى أخر عام 2018 دون الأطباء على المعاش تقدر ب212 الف و835 طبيبا، بينما من يعمل فعليا في مصر بالجهات المختلفة التي تشمل وزارة صحة الانقلاب والمستشفيات الجامعية الحكومية والخاصة وجامعة الأزهر والمستشفيات الشرطية 82 ألف طبيب فقط بنسبة 38% من القوة الأساسية المرخص لها بمزاولة مهنة الطب. ووفقا للإحصاءات العالمية فإن المعدل الطبيعي هو طبيب لكل 434 مواطنا، وذلك طبقا لمنظمة الصحة العالمية، في حين أن مصر لديها طبيب لكل 1162 مواطنا. وأكدت المنظمة أن المعدل في أمريكا 35 طبيبا لكل 10 آلاف مواطن وفي السويد 70 طبيبا لكل 10 آلاف مواطن، مشيرة إلى أن دول أقل من مصر في المستوى الاقتصادي معدل الأطباء بها أعلى من مصر، مثل الجزائر يوجد 17 طبيبا لكل 10 آلاف مواطن وبوليفيا 10 أطباء لكل 10 آلاف مواطن.
مرتبات هزيلة حول هذه الأزمة قال طبيب عمره 34 عاما "لم أفكر مرتين عندما جاءني عرض للعمل بمستشفى في بريطانيا فالراتب هنا يعادل 40 مرة ما كنت أتقاضاه في مصر". وأشار الطبيب إلى أنه بعد سنوات قضاها في الدراسة والتدريب كان يعمل في مستشفى حكومي ليجد كامل دخله ما يعادل 100 دولار شهريا، ويعبر عن صعوبة ظروف العمل الطبي قائلا "ممارسة الطب في مصر كأنك تضرب رأسك في حائط غير قابل للهدم". وقال طبيب شاب عمره 34 عاما يعمل طبيبا مقيما للأمراض الباطنية بمستشفى بشيكاغو في أمريكا "تركت العمل الحكومي في مصر بعد عمل عدة أسابيع فقط، وسافرت إلى السعودية عام 2017 عملت ممارس عام في وحدة رعاية صحية أساسية استطعت خلالها ادخار 20 ألف دولار، مكنتني من السفر إلى أمريكا للحصول على ترخيص مزاولة المهنة . وأضافت طبيبة عمرها 28 عاما تعمل في مصر "راتبي الشهري يكفي بالكاد تكلفة مواصلاتي والإفطار، أعمل 7 أيام في الأسبوع وكثيرا ما أبيت في المستشفى".
عجز صارخ من جانبه قال الدكتور إيهاب الطاهر، عضو مجلس نقابة الأطباء، إن "معدل هجرة الأطباء تزايد في السنوات الأخيرة، موضحا أنه رغم عدم وجود إحصائيات دقيقة لعدد الأطباء الذين هاجروا إلى الخارج، إلا أن التوقعات تشير إلى أن نحو 60% من الأطباء تركوا العمل بمصر وتوجهوا للعمل بالخارج سواء بالدول العربية أو الأجنبية". وأكد الطاهر في تصريحات صحفية أن هجرة الأطباء نتج عنها وجود عجز في أعداد مقدمي الخدمة الصحية؛ خصوصا ببعض التخصصات التي تحتاج إلى جهد أكبر وخطورة أعلى في ممارستها. وأشار إلى أن هناك عددا من عوامل الطرد من بيئة العمل بمصر مقابل عوامل جذب من الدول الأخرى؛ وعلى رأس ذلك تدني الأجور الذي يعتبر على رأس عوامل الطرد من مصر، حيث إن الطبيب الشاب لا يستطيع أن يعيش بالحد الأدنى من الحياة الكريمة إلا إذا عمل في عدة جهات؛ في نفس الوقت بجانب عمله الحكومي، مما يجد معه صعوبة في التوفيق بين جهات العمل وبعضها من ناحية، وبين عمله ودراسته العليا وتدريبه في الوقت ذاته. وأضاف الطاهر أن الطبيب خلال ساعات عمله الشاقة يواجه العديد من الأخطار؛ مثل التعرض المباشر للعدوى، فضلا عن الاعتداءات المتكررة وتحميله عبء نقص أي مستلزمات، والحالة المتردية لمعظم أماكن إقامة الأطباء بالمستشفيات. ولفت إلى تزايد حالات الاعتداء على الأطباء دون وجود قوانين رادعة لحمايتهم أثناء عملهم، موضحاً أنه رغم تقديم نقابة الأطباء مشروع قانون بتشديد عقوبة الاعتداء على المنشآت الطبية والعاملين بها؛ إلا أن هذا المشروع حبيس أدراج برلمان السيسي منذ سنوات.
معاملة آدمية وأكدت الدكتورة ندى فاروق أن هناك 3 أنواع من الأطباء، النوع الأول الأطباء الذين يسعون للهجرة للدول الأوروبية بحثا عن مستقبل أفضل والحصول على الجنسية والاستقرار مع الأسرة واستكمال دراستهم للحصول على تأمين يليق بهم ومعاملة آدمية وتقدير لمهنتهم وعقليتهم، لافتة إلى أن الدول الأوروبية تقدم الكثير من المميزات للأطباء ويتقاضى الزملاء في الدول الأوروبية أكثر من عشرة أضعاف ما نتقاضاه في مصر، وهذه الفئة لا تفكر في العودة لمصر. وقالت، في تصريحات صحفية، إن "النوع الثاني يضطر إلى السفر لدول الخليج بسبب ظروف العمل الصعبة وتحسين مستوى المعيشة، ويبقى الأمر المهم بالنسبة لكل طبيب منهم هو الوصول إلى الحد الأدنى من العيش الكريم وتجميع الأموال حتى يعود إلى مصر بعد ذلك ويقوم بفتح عيادة خاصة له، موضحة أن العامل الاجتماعي والتأمين الصحي واحترام المريض للطبيب أهم الأسباب التي تدفع الأطباء المصريين إلى الهجرة". وأوضحت أن النوع الثالث ينحصر في الأطباء المستقرين في مصر بسبب الالتزمات واستكمال الدراسة أو المسئولية الأسرية، وهؤلاء يضطرون للعمل في أكثر من مؤسسة صحية للوفاء بالتزاماتهم الحياتية، وقد ترغمهم الظروف على العمل 24 ساعة بدون توقف. وكشفت أنه في الفترة الأخيرة أصبحت العلاقة بين المرضى والأطباء بها بعض المشكلات ويعتقد المريض أن الطبيب هو السبب الرئيسي في تدهور حالته الصحية، وإذا حدثت حالة وفاة يتم تهديد الطبيب ومع الأسف القانون لا يحمي الأطباء.