أعلنت أثيوبيا أنها ستواصل الملء الثالث لخزانات سد النهضة خلال شهري أغسطس وسبتمبر المقبلين ، واعترفت بأن هذا الملء ستكون له آثار سلبية على دولتي المصب مصر والسودان ، وهو ما يؤكد تعنت أديس أبابا ومطامعها في مياه النيل وحرمان دولتي المصب من حقوقهما التاريخية. في المقابل التزم نظام الانقلاب الصمت والتجاهل إزاء الإعلان الأثيوبي ، وهو ما أثار انتقادات الخبراء الذين طالبوا برد قوي على أثيوبيا حتى تتوقف عن هذا التعنت وتتراجع عن أطماعها في مياه النيل.
يشار إلى أن مفاوضات سد النهضة كانت قد توقفت في أبريل 2021 ووصلت إلى طريق مسدود بعد فشل نظام الانقلاب والسودان (دولتي المصب) وإثيوبيا (دولة المنبع) في التوصل لتفاهمات قبل بدء الملء الثاني للسد، والذي نفذته إثيوبيا بالفعل في يوليو الماضي. كانت أديس أبابا قد بدأت تشغيلا محدودا لتوربين بالسد، كمرحلة أولى لإنتاج الكهرباء، وهو ما يعد إمعانا من الجانب الإثيوبي في خرق التزاماته، واستمرارا لسياسة أديس أبابا في العمل بشكل أحادي.
عيوب فنية
من جانبه كشف الدكتور محمد نصر علام وزير الري الأسبق أن سد النهضة الإثيوبي به عيوب فنية والمكاتب الاستشارية الفرنسية والهولندية تحدثت عن ذلك، وإثيوبيا رفضت الاعتراف بتلك التقارير، وانسحبت من اللجنة المختصة بذلك . وقال علام في تصريحات صحفية إن "التصريحات التي تصدر عن الجانب الإثيوبي مضللة وتحاول التقليل من حجم المخاطر التي ستترتب على مصر والسودان من بناء السد ، مشيرا إلى أن نظام الانقلاب لم يصدر عنه أي تصريح رسمي بعدد سنوات ملء السد، وبالتالي فإن ال5 : 7 سنوات التي يتحدث عنها الجانب الإثيوبي تضليل ومحاولة أخرى لفرض سياسة الأمر الواقع". وأشار إلى أن ملء السد يجب أن يرتبط بسنوات الجفاف وسنوات الخير، فإن كان الفيضان عاليا يتم الاتفاق على حجم المياه المخزنة، وإن كان الفيضان شحيحا يتم الاتفاق على حجم المياه المخزنة، لافتا إلى أن إثيوبيا لا تريد إبرام أي اتفاقيات بشأن ملء وتشغيل السد، وأنها تريد أن تجعل حقوق التصرف في ذلك ملكية خاصة لها، وشؤون الدول والعلاقات الدولية لا تبنى على ذلك النحو. وطالب علام نظام الانقلاب بالرد على التصريحات الأثيوبية الخطيرة لكونها مضللة، محذرا من أن هناك وسائل إعلام بدأت في التعاطي معها بوصفها إيجابية، لكنها غير ذلك على الإطلاق، بل هي مضللة وتحمل رسائل فيها جرأة على مضر، فضلا عن كونها استفزازية.
حائط مبكى
وحذر من أن سد النهضة به مشاكل فنية كبيرة، موضحا أن أحد العيوب الرئيسية لهذا السد أنه يتكون من (سدين) خرسانة وهو الرئيسي وأخر ركامي وهو الجانبي بطول 8 كم، والخرساني مهما بلغ ارتفاعه، لا يستطيع تخزين أكثر من 14-15 مليار متر مكعب، وأن أي زيادة عن هذا التخزين، يهرب ما بين جبلين جانبيين ليعود مرة أخرى إلى النيل الأزرق للسودان مرة ثانية. وتابع علام ، لهذا تم تشييد السد الركامي ليسد الفتحة بين الجبلين ويحجز المياه حتى يصل المخزون إلى 74 مليار متر مكعب، ولذلك فإنه لأي سبب كان، لا قدر الله، وانهار السد الركامي فأي مياه مخزنة أكثر من 15 مليار متر مكعب تعود مباشرة مرة ثانية إلى مجرى النيل الأزرق. وفي هذه الحالة سيتحول السد الخرساني إلى حائط مبكى ويفشل مشروع السد في تحقيق أي من أهدافه سواء توليد كهرباء أو أي شئ أخر، إلا السياحة مثلا . وشدد على أن سلامة السد تهم الجميع وليس الشعب الأثيوبي وحده، وهذه قد تكون إحدى أهداف المفاوضات الثلاثية .
موقف قوي
وقال الدكتور أحمد المفتي، العضو المستقيل من الوفد السوداني لمفاوضات سد النهضة الإثيوبي، إن "استمرار النظام الإثيوبي يتجاهل كل الاتفاقات ويرفض إخبار مصر والسودان بجداول الملء لسد النهضة ، مؤكدا أن كل الإجراءات التي تقوم بها أديس أبابا مخالفة للقانون الدولي. وأضاف المفتي، في تصريحات صحفية، أن إثيوبيا تصرفت أحاديا في الملء الأول والثاني وحاليا تستمر في التصرف الأحادي في الملء الثالث، محذرا من أن هذا الملء سيكون له أثار كبيرة على السودان ومصر. وأشار إلى أن تصريحات مدير سد النهضة الإثيوبي تزيد من حدة التوتر في العلاقات بين الدول؛ لأن الإدارة لسد النهضة من المفترض أن تكون مشتركة مع السودان ومصر، مؤكدا أن ذلك سيخلف أثارا اقتصادية واجتماعية وبيئية كبيرة على البلاد الثلاث. وشدد المفتي على ضرورة أن يكون هناك موقف قوي من قبل مصر والسودان للرد على تصريحات أثيوبيا المضللة، لأننا على مسافة شهرين فقط من الملء الثالث، للمحافظة على الحقوق التاريخية لمصر والسودان.
المجتمع الدولي
وطالب الدكتور محمد محمود مهران أستاذ القانون الدولي العام والمتخصص في نزاعات الأنهار الدولية؛ المجتمع الدولي بالتدخل والتأثير علي إثيوبيا والضغط عليها ودعم الحقوق المشروعة لدولتي المصب مصر والسودان، للحفاظ على الأمن المائي المصري والعربي، ولعدم حدوث ارتباك في المنطقة . وشدد مهران في تصريحات صحفية على ضرورة إلزام إثيوبيا بالتعاون في التفاوض والابتعاد عن سياسة الأمر الواقع، وعدم اتخاذ إجراءات أحادية الجانب، والالتزام باتفاقية المبادئ المبرمة عام 2015، وكذلك قواعد القانون الدولي وما جاء باتفاقية الأممالمتحدة الإطارية بشأن استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية لعام 1997. وحذر من بدء أثيوبيا في الملء الثالث للسد في أغسطس وسبتمبر القادمين خلال موسم الأمطار ، مؤكدا أن هناك آثارا جانبية لهذا الملء على دولتي المصب مصر والسودان مما يزيد من تفاقم الأزمة. وانتقد مهران استمرار الجانب الإثيوبي في اتخاذ قرارات أحادية الجانب تضر بحقوق دول المصب، وتفرض سياسة الأمر الواقع لافتا إلى أن إثيوبيا تعترف بأضرار السد على مصر والسودان، وهي تتعمد هذا الإضرار بدولتي المصب، وتؤكد للعالم والمجتمع الدولي أجمع ما آل إليه الوضع من تعسف وخرق لقواعد القانون الدولي. ودعا إلى ضرورة الضغط على إثيوبيا حتى ترضخ لمطالب دولتي المصب المشروعة، وحملها على احترام مبادئ القانون الدولي للمياه والحفاظ على الحقوق المكتسبة للشعبين المصري والسوداني.