حذر خبراء من عدوان نظام الانقلاب على المناطق التراثية والمساحات الخضراء في مصر، منتقدين الإهمال الشديد من مسؤولي دولة العسكر تجاه الحفاظ على التراث الوطني. وقال الخبراء إن "العام الماضي 2021 شهد الكثير من الاعتداءات الانقلابية على المناطق الأثرية سواء في منطقة القاهرة التاريخية والسيدة نفيسة والإمام الشافعي ومنطقة الأهرامات أو العديد من المناطق الأثرية في الإسكندرية وغيرها من المحافظات". وكشفوا أن مشروعات الطرق والكباري الهدف منها هو تقوية مشروعية الانقلاب، وليس الهدف منها حل المشكلة المرورية، مؤكدين أن تلك المشروعات يتم تنفيذها بشكل غير مدروس. وتساءل الخبراء، لمصلحة من العدوان على الأرض الزراعية والصناعية والمناطق التراثية والمساحات الخضراء ؟ كانت حكومة الانقلاب قد أزالت عشرات المدافن والمعالم الأثرية، من بينها مقابر شخصيات تاريخية، في منطقة "قرافة المماليك" ما آثار انتقادات منظمة اليونيسكو التي حذرت السيسي من الإهمال الذي تتعرض له الآثار وحذرت من شطب القاهرة التاريخية من قائمة التراث العالمي، ونقلها لقائمة التراث المعرض للخطر. كما أعربت المنظمة عن قلقها من إنشاء طريق يمر بمدينة الموتى، واشتكت من عدم تلقيها أي معلومات من نظام الانقلاب، مؤكدة أنها تعمل من أجل ألا تتعارض المشاريع الفنكوشية التي تقيمها حكومة الانقلاب مع حماية مواقع التراث العالمي.
هدم مقابر أثرية من جانبها طالبت الدكتورة جليلة القاضي، أستاذ التخطيط العمراني، ومدير الأبحاث بالمعهد الفرنسي للبحوث من أجل التنمية، بمنع هدم التراث المعماري والحضاري بالقاهرة التاريخية، مؤكدة أن قرافات القاهرة ليست مجرد تراب، ولكنها صفحات على الأرض تحكي تاريخها القديم والحديث، وسِير أعلامها، وتظهر عمارتها . وقالت د. جليلة في تصريحات صحفية إنها "دشنت منذ العام الماضي حملة وقّع عليها أكثر من ألف من المتخصصين والمثقفين المصريين لمنع ما يحدث من تدمير". وشددت على ضرورة توثيق الجبانات في مدافن مناطق السيدة عائشة والسيدة ونفيسة، مؤكدة أن هناك مقابر أثرية مسجلة ومرقمة حاليا باللون الأحمر من أجل الإزالة، وأن الحديث عن أن هذه المقابر مسجلة وتلك غير مسجلة كلام مرسل لتضييع الوقت، وليس هناك فرق بين ما هو مسجل وغير مسجل. وأضافت د. جليلة في الماضي كان هناك من يفهمون، فوضعوا تشريعات لحماية الآثار، لكن التتار والغزاة من طبعهم الإغارة، وتدمير كل ما يعترض طريقهم بدون تمييز، متسائلة لمصلحة من يتم كل هذا؟ أليس هناك رجل رشيد في حكومة الانقلاب؟ ألا يوجد نائب في برلمان السيسي يقدم استجوابا؟ ولماذا يهون تراثنا على الجميع؟ وكشفت أن مشروعات الطرق والكباري الجديد الهدف منه هو تقوية مشروعية الانقلاب، وليس الهدف منه حل المشكلة المرورية، لأن أغلب تلك المشروعات تم تنفيذها بشكل غير مدروس . وتساءلت د.جليلة، العدوان على الأرض الزراعية والصناعية والمناطق التراثية والمساحات الخضراء لمصلحة من؟ مؤكدة أن القضاء على المناطق الخضراء شيء غير مفهوم على الإطلاق، خاصة أن ذلك عكس الاتجاه السائد في العالم كله من توسيع للرقعة الخضراء. وأشارت إلى أن مشروعات الطرق والكباري اخترقت مناطق الجبانات المسجلة على قائمة التراث الإنساني والتي تعد جزءا من القاهرة التاريخية وهي منطقة محمية بقوانين دولية، مؤكدة أن تنفيذ تلك المشروعات يعد اختراقا لهذه القوانين . وأكدت د.جليلة أن حملة إنقاذ جبانات القاهرة التاريخية قدمت مشروعا بديلا لحمايتها، بدلا من هدمها لصالح مشروعات بناء، لكن هناك إهمالا شديدا من دولة العسكر لأي مشروع بديل من أجل تنفيذ واستكمال مشروعات الطرق والكباري.
الذاكرة المصرية واعتبر الدكتور حسين دقيل خبير الآثار أن ما تقوم به حكومة الانقلاب في السنوات الأخيرة، من هدم المباني والمعالم التراثية؛ أمر في غاية الخطورة، مشيرا إلى أنه في الوقت الذي يسعى العالم للحفاظ على تراثه والاعتناء به، تقوم حكومة الانقلاب بهدمه، وهذا يحتم علينا العمل على إيقاف عمليات الهدم. وحذر دقيل في تصريحات صحفية من أن عمليات هدم التراث تمثل هدما للذاكرة المصرية، وحرمانا للأجيال القادمة من التعرف على تاريخها وتراثها، وقطعا للتواصل بين الماضي والحاضر محذرا من أن قيام حكومة الانقلاب بعملية الهدم بنفسها يساعد على نشر ثقافة الهدم للمواقع التراثية بين المواطنين. واشار إلى أن عملية هدم المواقع التراثية تفقد مصر وأبناءها التذوق الفني والجمالي المتمثل في هذا الجمال المعماري الذي ظل لعقود طويلة، يبث في نفوسنا الشعور بالروعة كما تفقد مصر موارد مالية محتملة، حين يتم تحويل تلك المباني إلى مزارات سياحية. وقال دقيل إن "اقتطاع وإزالة وهدم أي مبنى تراثي يضر بالنسيج العمراني المميز للمنطقة التي يقع بها، فالمناطق التراثية تتميز بأنها تربط بين الماضي والحاضر، مؤكدا أن حكومة الانقلاب من خلال قيامها بعملية الهدم لا تلتزم بالدستور الذي وضعته، فالمادة 47 من دستور 2014 الانقلابي تقول صراحة إن دولة العسكر مُلتزمة بالحفاظ على الهوية الثقافية المصرية بروافدها الحضارية المتنوعة، أما المادة رقم 50 منه فقد نصت على أن تراث مصر الحضاري والثقافي والمادي والمعنوي، بجميع تنوعاته ومراحله الكبرى، المصرية القديمة والقبطية والإسلامية، ثروة قومية وإنسانية، تلتزم دولة العسكر بالحفاظ علية وصيانته، وكذا الرصيد الثقافي المعاصر المعماري والأدبي والفني بمختلف تنوعاته، والاعتداء على أي من ذلك جريمة يعاقب عليها القانون". وحذر من أن ما تقوم به حكومة الانقلاب، يؤكد أنها لا تلتزم بالقوانين والتشريعات التي أصدرتها، والخاصة بالحفاظ على التراث؛ كقانون رقم 144 لسنة 2006 الخاص بتنظيم هدم المباني والمنشآت غير الآيلة للسقوط والحفاظ على التراث المعماري ، كما أن عمليات الهدم للتراث تؤكد أن مصر غير ملتزمة بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي وقعت عليها، كاتفاقية لاهاي لعام 1954 بشأن حماية الممتلكات الثقافية،
هدم وتجريف وقال محمد عبد الشكور كاتب صحفي متخصص في قطاع الآثار إنه "في عام 1977 رفعت الكاتبة الراحلة الدكتورة نعمات أحمد فؤاد قضية ضد الرئيس السادات، عندما أعلن عن مشروع بناء منطقة سياحية على هضبة الأهرام تضم حمامات سباحة، وملاعب جولف، وأوضحت في القضية أن هذا المشروع يضر بالمنطقة الأثرية؛ بسبب الرطوبة والتلوث، وتغيير معالم المنطقة، وقامت بتأليف كتاب "مشروع هضبة الأهرام"، والذي تمت مصادرته حينها، ولكن خلال 11 شهرا من رفع الدعوى تراجع السادات عن مشروعه السياحي". ووصف عبدالشكور في تصريحات صحفية ما تقوم به حكومة الانقلاب بأنه حُمّى لهدم وتجريف الآثار، والأماكن التراثية والثقافية والعمرانية، خاصة في القاهرة التاريخية؛ من أجل إنشاء مزيد من الطرق والكباري في مدينة أصبحت مشوهة من كثرة هذه الكباري والمحاور، وعوامل التصحر، ومن خلال قطع الأشجار المعمرة المزروعة منذ عشرات السنين. وأضاف ، لم يفكر مَن يهدمون مدافن عمرها مئات السنوات أو يزيد، ويشتتون رفات الموتى؛ أنه بعد مائة عام أخرى قد يأتي من يسوي مقابرهم أيضا بالأرض، ويقيم عليها ما يشاء من مبانٍ مثلما فعلوا مع مقابر أحمد شوقي أمير الشعراء، أو محمود سامي البارودي، رب السيف والقلم. وأشار عبدالشكور إلى أن الدور جاء على جبانة السيدة نفيسة المزمع إزالتها جزئيا، وهي تقع داخل نطاق القاهرة التاريخية بالكامل، ومسجلة ضمن وثيقة اليونسكو للحفاظ على التراث الإنساني التي صدرت عام 1972، ليتم تسجيلها عام 1979 كجزء من ممتلكات التراث العالمي، وهي جزء من القرافة الكبرى، المعروفة حاليا بالإمام الشافعي، المنشأة من ألف وأربعمائة وخمسين عاما، وتضم مدافن آل البيت، والسيدات: نفيسة ورقية وسكينة وعاتكة والإمام الجعفري، بالإضافة لقبة أم الصالح وقبة الأشرف خليل وضريح شجرة الدر وقبة موفي الدين، وضريح الخلفاء العباسيين، بالإضافة لأحواش الأعيان التي تم رصدها إلى الآن، كأمير الشعراء أحمد شوقي، والمؤرخ الجبرتي. وكشف أنه سيتم أيضا إزالة مشيخة الأزهر التي تطل على ميدان الحسين، وهي ذات طراز متسق مع محيطه، وعلامة مميزة، وحالتها ممتازة، ومسجلة أثرا، كذلك تم استقطاع جزء من حديقة الميريلاند في مصر الجديدة لتحويلها لبوتيكات، حتى وصل الأمر إلى حديقة الأسماك التي تواجه نفس المصير، والتي أنشأها الخديوي إسماعيل منذ أكثر من 150 عاما، وقام ببنائها مدير الحدائق العامة بفرنسا (مسيو ألفوندو)، ليصمم حديقة لم يسبق لها مثيل في العالم في ذاك الوقت، فكانت حديقة الأسماك، وبنى قصرا مشيدا (فندق الماريوت حاليا) يقال إنه "بنى كل ذلك من أجل الملكة أوجيني، ملكة فرنسا في ذلك الوقت، وقام بافتتاح الحديقة والقصر في نفس احتفالات افتتاح قناة السويس".