بينما يركز بشار الأسد قواته من أجل استعادة السيطرة على مدينة حلب المركز التجارى لسوريا، يحقق مقاتلو المعارضة ببطء مكاسب على الأرض فى مناطق العشائر بشرق البلاد؛ حيث توجد الجائزة الكبرى من نفط البلاد. ومن مواقع نائية حصينة فى المنطقة الصحراوية المنتجة للخام بالقرب من العراق تقصف القوات الحكومية دير الزور وهى مدينة سنية فقيرة على ضفاف نهر الفرات الذى يشق طريقه فى منطقة قاحلة شاسعة على الحدود مع العراق. لكن غالبية القوات الموالية للأسد ومعظمها من الأقلية العلوية التى ينتمى إليها منهمكة بشكل أساسى فيما سيصبح معركة طويلة من أجل السيطرة على حلب وكذلك تعزيز قبضة غير مؤكدة على العاصمة دمشق. ويقول خبراء عسكريون ودبلوماسيون إنه فى إطار هذه العملية يواجه الأسد احتمال انفلات محافظة دير الزور من دائرة سيطرته ومعها إنتاج النفط السورى الذى يبلغ 200 ألف برميل يوميًّا. وأشار سكان إلى أنه على مدى الأشهر الثلاثة المنقضية مددت المعارضة سيطرتها على مساحات واسعة فى دير الزور مع تقهقر القوات الموالية للأسد إلى مجمعات أمنية فى وسط عاصمة المحافظة وضواحيها. ويقول مقاتلو المعارضة: إنهم يسيطرون على نصف مدينة دير الزور على الأقل، وإن إنتاج النفط تراجع إلى النصف منذ الثورة التى بدأت قبل 17 شهرا، فيما حرمت العقوبات الغربيةدمشق من زبائن النفط السورى الرئيسيين فى أوروبا. ولفت دبلوماسى غربى إلى أن قوات الأسد تفتقر إلى العدد وإلى خطوط الإمداد اللازمين لهزيمة المعارضة فى دير الزور. وأضاف "هناك كثير من قوات الأمن فى دير الزور وهذه القوات أكثر عرضة لهجمات مسلحة من جانب المعارضين، ومع وجود القوات المسلحة الرئيسية فى دمشق فإن المرء يتساءل متى تنسحب القوات النظامية فى مناطق مثل دير الزور". ومضى الدبلوماسى قائلًا: "مع استخدام المدفعية وهى سلاح شامل ضد الأحياء الآهلة بالسكان فإن دعاية النظام بأن الجيش يقاتل إرهابيين لا بد أن تتبدد". وقال مهيمن الرميض -منسق جبهة ثوار سوريا-: إن تعزيزات الجيش إلى حلب ترسل من الحسكة والرقة وهما محافظتان مجاورتان لدير الزور وهو ما يجعل قوات الجيش مكشوفة أمام الهجمات من الخلف. وأكدت مصادر بالمعارضة أن الصورة فى مدينة دير الزور -التى يبلغ عدد سكانها 600 ألف نسمة والمناطق النائية التى بها عدد ضئيل من السكان- معقدة بشبكة روابط إقليمية وأجنبية أقامها الأسد، لكنها الآن فى حالة تغير مستمر. وما يزال الجيش والميليشيا الموالية للأسد التى تعرف باسم الشبيحة يستمدان معظم أفرادهما من الغالبية السنية الأقل تعليما فى المناطق الريفية بدير الزور. وركّز الأسد تفوقه الكبير فى قوة النيران فى القضاء على المعارضين فى مدن رئيسية بعينها، وأحيانا محدثا قدرا هائلا من الدمار وهو ما جعل المسلحين يستفيدون من ذلك فى أماكن أخرى، والآن يدور قتال فى معظم المحافظات. وقال مراقبون: إن "عمليات الحصار" التى يمارسها الأسد لكبح مقاتلى المعارضة فى دير الزور أدت لحرب استنزاف فى غير صالحه؛ حيث يحصل مقاتلو المعارضة تدريجيًّا على أسلحة قادرة على إصابة طائرات حربية وشل فاعلية الدبابات والمدفعية. وأضافوا: "الأسد لن يتعرض لهزيمة سريعة فى دير الزور، لكن جيشه يتآكل، إذا سقطت دير الزور فإننا لسنا واثقين مما إذا كان بإمكانه تخصيص قوات للعمليات الخاصة أو أن يتمكن من توفير خط لإعادة الإمداد لاسترجاعها". وأغلقت معظم إدارات الحكومة أبوابها، ولا يحصل موظفوها على رواتبهم فيما يصفه ناشطون بأنه عقاب جماعى لسكان مترابطين ينحازون إلى المعارضة بدرجة متزايدة بعد انهيار التحالفات بين نخبة دمشق وشيوخ العشائر. وقال سامح -وهو معلم بمدرسة اكتفى بذكر اسمه الأول-: "النظام يحاول تقويض الدعم الشعبى للجيش السورى الحر.. لقد قطع الخدمات الأساسية وكنا فى معظم الشهر المنقضى بلا مياه أو كهرباء أو اتصالات هاتفية". وأضاف: "من حسن الحظ أن لدينا خزانا كبيرا للرى ونستخدم مياهه للشرب، لكننى لم أحصل على راتبى منذ شهور، فالناس بصفة عامة مع الثوار". وأشار سامح إلى مشاعر السخط المحلى إزاء حكم العلويين؛ فقد استجلب النظام فى السنوات القليلة الماضية معلمين علويين غير مؤهلين وموظفين عموميين من ساحل البحر المتوسط فى الجانب الآخر من البلاد، ليتسلموا وظائف إدارية، بينما يشغل السنة المحليون مناصب أدنى.