حشدت المخابرات الحربية قبل أيام ما وصفتها ب"مليونية" أمام النصب التذكاري بمدينة نصر، بزعم التأكيد على الاستقرار ودعم السفاح عبد الفتاح السيسي، ولتوجيه رسالة مفادها استغلال الجوع والفقر والضنك الذي سقط فيه المصريون وحشد الآلاف لاستغلالهم في المشهد السياسي، في مقابل وجبة رخيصة ومبلغ زهيد. وتحت شعار "جمعة الغضب"، خرج مصريون في مظاهرات احتجاجا على تردي الأحوال المعيشية وهدم المنازل، لكن ميلشيات الأمن واجهت المحتجين بالقوة، حيث أفادت مصادر بسقوط أكثر من شهيد وجرحى، كما جرى اعتقال العشرات في مناطق عدة. يقول الناشط تيتو محمود: "اللي حصل عند المنصة دة أثبت حاجة مهمة؛ إن ممكن الصهاينة يحتلوا مصر في ساعة ب 100 جنيه ووجبة"، وتقول ريحانة الجنة: "واللي اكتر من كدا اثبت ان احنا لا عندنا قيم ولا أخلاق ولا دين وشيوخ السلطان بيفصلوا الدين ع مزاجهم". ويقول الناشط أيمن علي: "ممكن أقل من كده عشين جنيه وساندوتش كبده بس تعرف ده كله من إفقار الشعب أعرف ناس فعلاً محتاجة الوجبة وال 100جنيه ومش مهم عندهم مين يحكم ظالم أو غيره سيسي أو غيره مسلم أو يهودي والله في ناس بتستني الوجبه دي وال 100جنيه". الأرياف تغلي وخرجت المظاهرات المعارضة للانقلاب عقب صلاة الجمعة الماضية في مناطق بالقاهرةوالجيزة وفي قرى وبلدات عدة من دمياط شمالا وحتى المنيا وسوهاج والأقصر جنوبا، حيث ردد المتظاهرون هتافات تؤكد مشروعية مطالبهم وتدعو لرحيل السفاح السيسي، وتواصلت الاحتجاجات خلال ساعات الليل. واستشهد شخصان على الأقل وأصيب آخرون برصاص ميلشيات الأمن في قرية البليدة بمحافظة الجيزة، وتصدت ميلشيات الأمن للمتظاهرين في مناطق عدة بإطلاق الخرطوش وقنابل الغاز المدمع، واعتقلت سلطات الانقلاب عشرات المتظاهرين في محافظتي الجيزةودمياط. واعتقلت سلطات الانقلاب أشخاصا بدعوى تحريضهم على قطع طريق الأوتوستراد بالقاهرة، وأظهرت مقاطع فيديو متظاهرين يقطعون طريق الأوتوستراد في القاهرة قرب منطقة سجون طرة، مرددين هتافات ضد السفاح السيسي، كما خرجت مظاهرة في ضاحية حلوان جنوبي القاهرة. وفي محافظة الجيزة، خرجت مظاهرات في قرى أم دينار والمنصورية والكداية ومنشية فاضل وكذلك في منطقتي كفر الجبل ونزلة السمان قرب أهرامات الجيزة. وتصدت ميلشيات الأمن لمظاهرة بمنطقة ميت رهينة في مركز البدرشين بمحافظة الجيزة بإطلاق قنابل الغاز، وأضرم المتظاهرون النار في إطارات سيارات لمواجهة محاولات الفض. وتأتي هذه المظاهرات استجابة لدعوة أطلقها المقاول والممثل محمد علي الذي بدأ مؤخرا في بث مقاطع اتهم فيها سلطات الانقلاب بإنفاق المال العام على بناء القصور الفخمة بينما يعاني المواطنون من الفقر. ونشر بعض النشطاء مقاطع فيديو أمس السبت تظهر محتجين وهم يمزقون صورا للسفاح السيسي، بينما أظهرت مقاطع أخرى متظاهرين في محيط ميدان التحرير يرددون هتافات مناوئة لحكومة الانقلاب منها "الشعب يريد إسقاط النظام"، و"ارحل، ارحل". ورصدت "الحرية والعدالة" وجودا مكثفا لقوات الانقلاب المدنية والشرطة العسكرية التابعة للقوات المسلحة لمنع التظاهرات والتي بدأت بأعداد قليلة قبل أن تأخذ أعدادها في التزايد. وقال مراقبون ل"الحرية والعدالة" إن رسائل الاحتجاجات الأخيرة تشي بأن الشعب نجح في كسر حاجز الخوف الذي تراكم بفعل القمع الأمني المتزايد منذ الانقلاب العسكري الذي قاده السفاح السيسي في صيف 2013 عندما كان وزيرًا للدفاع. هدم المنازل وشهدت مصر خلال الأسبوعين الماضيين تصاعد الغضب الشعبي تجاه عصابة السفاح السيسي، خاصة مع توسع حكومة الانقلاب في هدم المنازل بدعوى مخالفتها لتراخيص البناء. كما اشتعلت مواقع التواصل بالهشتاجات المطالبة برحيل السفاح السيسي، وكان أبرزها هاشتاج "مش عايزينك" وذلك ردًا على تصريحات كرر فيها السفاح السيسي استعداده للرحيل إذا طلب المصريون منه ذلك، داعيًا إلى إجراء استفتاء على اغتصابه للحكم. وحاولت عصابة الانقلاب امتصاص الغضب الشعبي عبر تعديل بعض إجراءات التصالح في مخالفات البناء وتخفيض القيمة المالية للتصالح، مع ترحيلٍ غير مباشر للموعد النهائي لهدم المنازل والذي كان مقررًا نهاية الشهر الماضي. وتفاعل نشطاء مع دعوات التظاهر مؤكدين أن أسباب الغضب هذه المرة أكبر من العام الماضي، وأن العديد من مؤيدي السفاح السيسي باتوا معارضين له بسبب تدهور الأحوال المعيشية وتشديد القبضة الأمنية وتأميم الحياة السياسية والإعلامية، وهو ما انعكس على المقاطعة الكبيرة لمسرحية انتخابات مجلس الشيوخ الشهر الماضي. ومن المقرّر عقد مسرحية انتخابات برلمان الدم في أكتوبر الجاري، وسط توقعات بتكرار مشهد المقاطعة مرة أخرى، خاصة مع هيمنة الأجهزة الأمنيّة على إعداد قوائم النواب المُقترحين بما يحسم الانتخابات قبل بدئها. وتزامنا مع غضب المصريين واستعدادهم للثورة، يواجه السفاح السيسي معضلة أخرى بفرضية غياب الداعم الرئيسي للانقلاب في البيت الأبيض، وليست الانتخابات الأمريكية شأناً أمريكياً خالصاً، فالدور التخريبي لواشنطن يجعل عواصم كثيرة تدار بالريموت كنترول تتابع الحدث، ومنها القاهرة التي تحتفظ عصابة العسكر بها بعلاقات جيدة مع إدارة ترامب، لكن ماذا لو فاز جو بايدن الذي لم يبعث بإشارات ودية للسفاح السيسي؟ شريك في القمع وسواء وصفه ب"ديكتاتوري المفضل"، يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يتعامل مع السفاح السيسي، كشريك رئيسي في قمع شعوب منطقة الشرق الأوسط، والحفاظ على تأديتها وظيفتها في خدمة الكيان الصهيوني. وباستثناء محطات قليلة للغاية اختلفا حولها، ساد التفاهم للغاية بين ترامب والسفاح السيسي وظهرا حليفين في وجه الانتقادات الموجهة لهما، غير أن الانتخابات الأمريكية القادمة التي ستحدد بقاء ترامب في البيت الأبيض من عدمه، قد تكون لها انعكاسات على علاقات واشنطن بعصابة العسكر فيما بعد. ولا تحبذ عصابة العسكر بمصر حدوث تغيير في البيت الأبيض بما يفتح المجال أمام رحيل أحد أكبر المدافعين الدوليين عن القمع والتخريب والنهب الذي تمارسه، ومهما بلغ التقارب مع أيّ رئيس أمريكي من الحزب الديمقراطي، لن يجد السفاح السيسي رئيساً ك"ترامب" يشيد به على الدوام، ولا يعارض حتى خططه بالاستمرار ديكتاتوراً للأبد فوق أنفاس المصريين، رغم كل الضغط الحقوقي الغربي على واشنطن واتهامها بغض الطرف عن واقع بشع لحقوق الإنسان في مصر. ويركز الجمهوريون كثيرا على اتهام "الإسلام" بتهديد الحلم الأمريكي، وفق تقرير لمجلة فورين بوليسي، ويرون أن السفاح السيسي يمثل حليفاً في الحرب على الإسلام. وتقول المجلة إن ما أعلنه السفاح السيسي عام 2015، من تجريف المناهج التعليمية في التعليم الديني لمواجهة الإسلام، "منح دفئاً لقلوب السياسيين والمحللّين المحافظين" في أمريكا، في الجانب الآخر يركز الديمقراطيون على كيف يمكن للقمع والقتل والاعدام والإرهاب الذي تمارسه سلطات الانقلاب بمصر أن يؤدي في النهاية إلى التطرّف والعنف والإضرار بمصالح واشنطن.