أرجأ وفد مخابراتي مصري زيارة كانت مقررة له الثلاثاء، أول سبتمبر 2020، إلى قطاع غزة في أعقاب إعلان حركات المقاومة الفلسطينية عن توصلها لاتفاق تسوية مع حكومة الاحتلال برعاية قطرية مؤكدة أن الاتفاق يحقق كثيرا من مطالب فصائل المقاومة. النجاح القطري في تحقيق هذه التسوية يأتي على حساب دور مخابرات السيسي التي قادت جولة واحدة من الوساطة حملت خلالها مطالب المقاومة التي رفضتها حكومة الاحتلال، ولم يمارس الوسيط المصري أي ضغوط على حكومة الاحتلال بهذا الشأن، ما أفضى إلى فشل الوساطة المصرية وعودة الوفد إلى القاهرة دون تحقيق إنجاز يذكر. فبعد توتر ميداني دام لأسابيع بين حماس والكيان الصهيوني في قطاع غزة، نجحت قطر في إبرام اتفاق تهدئة بينهما يقضي بإنهاء التوتر بكافة أشكاله، بما يشمل وقف إطلاق البالونات الحارقة، مقابل استمرار قطر في تقديم مساعدات اقتصادية وإغاثية للقطاع. ووفقا لوكالة الأناضول التركية، فقد برز في هذه الجولة من التصعيد الصهيوني ضد القطاع حضور الدور القطري على أعلى المستويات لإنجاح جهودها في احتواء التصعيد، مقابل تراجع وانسحاب مصري مبكر من جهود الوساطة، على عكس ما شهدناه في جولات سابقة، حينما كان الوسيط المصري هو المسئول المباشر عن مفاوضات التهدئة، وكان الدور القطري آنذاك مقتصراً على تمويل ما يتم الاتفاق عليه. ويبدو أن الجانبين، حماس والكيان الصهيوني فضّلتا الوساطة القطرية على المصرية هذه المرة، لكن السؤال البارز هنا: لماذا؟ يشرح وسام عفيفة، مدير شبكة الأقصى الإعلامية ذلك موضحا أنه منذ الساعات الأولى لبدء التصعيد قدّمت المخابرات المصرية رؤية لحركة حماس، تتضمن إعادة حالة الهدوء إلى غزة دون الوصول للمواجهة العسكرية، لأن الظرف السياسي -وفق وجهة نظر المصريين- لن يكون في صالح حماس. واعتبرت حماس تصريحات الوفد المصري رسالة تهديد ولذلك فشلوا في إقناع حركات المقاومة بقبول تسوية سياسية لا تلبي مطالب الفصائل الفلسطينية وتنحاز للاحتلال. مكاسب للمقاومة من جانب آخر، فإن الوسيط المصري لم يقدم أي ضمانات أو وعود بالضغط على الكيان الصهيوني للالتزام بشروط الفصائل للتهدئة، على عكس الجانب القطري الذي استطاع لعب هذا الدور بكفاءة عالية، عبر تمويل ما يلزم من مشاريع إنسانية وإغاثية. ويفسر محمود مرداوي، عضو مكتب العلاقات الوطنية في حركة حماس ذلك في تصريحات إعلامية موضحا أن ما جرى هو أن الوسيط المصري أبدى استعداده في بداية التصعيد لتولي مهمة الوساطة بين حركة حماس والطرف الصهيوني. وقام الوفد المصري بنقل مطالب الحركة للجانب الصهيوني الذي لم يوافق عليها، ما اضطر إلى انسحابه، وتولت قطر هذه المهمة التي تكلّلت بإبرام اتفاق تهدئة يلبي مطالب الفصائل دون أي تكلفة بشرية أو مساومة سياسية. أحد أسباب نجاح الوساطة القطرية أن رئيس اللجنة القطرية لإعادة الإعمار السفير محمد العمادي لم يغادر قطاع غزة خلال فترة التصعيد، وكانت مفاوضاته مباشرة مع زعيم حماس في غزة يحيى السنوار، في حين كان اتصال وزير الخارجية القطري محمد عبدالرحمن آل ثاني برئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية قبل ساعات من إعلان اتفاق التهدئة، ما أكسب الوساطة القطرية بُعداً سياسياً هذه المرة.وبحسب رئيس اللجنة القطرية لإعادة الإعمار السفير محمد العمادي، فإن بلاده قررت مضاعفة المنحة المالية للقطاع عبر تخصيص 7 ملايين دولار لمتضرري جائحة كورونا، و10 ملايين دولار للأسر الفقيرة بواقع 100 دولار ل100 ألف أسرة، والتكفل بتمويل خط الغاز من شركة (ديلك) الصهيونية لإعادة تشغيل محطة توليد الكهرباء في القطاع. يضاف لهذه التسهيلات إعادة الوضع عما كان عليه قبل بدء جولة التصعيد، إذ تم إعادة فتح معبر كرم أبوسالم الواصل بين غزة والاحتلال لمرور البضائع والسلع إلى القطاع، كما تقرر إعادة فتح البحر أمام حركة الصيد، إضافة لتقديم مساعدات طبية للجهاز الصحي في القطاع لتجاوز أزمة تفشي وباء كورونا. انتقادات صهيونية في المقابل، عارض وزير الأمن والخارجية السابق أفيغدور ليبرمان، رئيس حزب "يسرائيل بيتنا" اليميني المعارض، اتفاق التسوية، ووصفه بأنه "اتفاق خضوع للإرهاب". وفي مقابلة مع إذاعة "كان" اليوم، خلص ليبرمان إلى القول إن "حماس تثبت مجدداً أن ممارسة العنف تؤتي أكلها، نحن نلحظ تعاظم قوة "حماس"، وستصل إلى الحدود التي وصل إليها "حزب الله"، مؤكداً أن وتيرة تعاظم القوة العسكرية هناك (لدى حماس) مخيفة. من ناحيتها، حذرت رونيت مرزين، التي تولت مواقع متقدمة في شعبة الاستخبارات العسكرية الصهيونية "أمان"، من أن خطورة الاتفاق تكمن في أنه يمنح قطر القدرة على التأثير، ليس على قطاع غزة فحسب، بل على مستقبل المنطقة بشكل عام. وفي مقابلة مع قناة "كان"، زعمت مرزين، التي كانت مسئولة عن الساحة الفلسطينية في لواء الأبحاث التابعة ل"أمان"، أن قطر لا تتدخل من أجل استعادة الهدوء في القطاع، بل في إطار تعاونها مع تركيا والإخوان المسلمين، للتأثير في الإقليم بنحو لا ينسجم مع مصالح الكيان الصهيوني ومصالح مصر، السعودية والإمارات. وأضافت أن قطر تعمل، عبر المواقع الإخبارية التي تمولها، على نزع الشرعية عن الكيان الصهيوني وتجريم التطبيع معها، إلى جانب التحريض على أنظمة الحكم العربية في المحيط، ولا سيما نظام عبد الفتاح السيسي في مصر وأنظمة خليجية. ودعت مرزين إلى إخراج قطر من غزة فوراً، وعدم الاستعانة بها في استعادة الهدوء هناك، مشيرة إلى وجوب الاستعاضة عن دورها عبر تنظيم مؤتمر دولي بمشاركة مصر ودول خليجية أخرى للتعاطي جذرياً مع التحدي الذي يمثله القطاع.