أمام الفشل المتواصل والهزائم المدوية التي تتعرض لها مليشيات اللواء خليفة حفتر أمام الجيش الوطني الليبي التابع لحكومة الوفاق المعترف بها دوليا؛ تضغط كل من الإمارات والسعودية من أجل توريط الجيش المصري في حرب مباشرة داخل الأراضي الليبية. وثمة خلاف في تقديرات الموقف بين القاهرة وأبو ظبي، إذا تضغط الأخيرة بشدة من أجل توريط المؤسسة العسكرية المصرية في حرب مباشرة ضد حكومة الوفاق المعترف بها دوليا والمدعومة من تركيا، من أجل وقف سلسلة الهزائم المدوية التي منيت بها مليشيات اللواء خليفة حفتر، وحصول حكومة الوفاق على غنائم كبيرة من الأسلحة والمعدات الإماراتية التي كانت تدعم بها المليشيات. لكن القاهرة ترى منح حفتر فرصة أخيرة لإدارة الموقف على الأرض؛ لأنها لا تزال متشككة في مدى ولاء أي شخصية أخرى لها، عكس ثقتها الكبيرة بحفتر التابع للقاهرة وأجهزتها منذ بداية ظهوره في المشهد الليبي. في الوقت ذاته ترى الرياض وأبو ظبي أنه من الصعوبة استمرار قبول هذا الوضع المهدر للطاقة والمساعدات والفرص، وأن الرهان على حفتر مجددا بات مهدرا للطاقة والمساعدات والفرص. وتنقل صحيفة "العربي الجديد"، في تقرير لها عن مصادر مطلعة بحكومة الانقلاب، أن خطاب رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي، السبت الماضي، حول توافر الشرعية الدولية لأي تدخل عسكري مصري في ليبيا جاء في أعقاب ضغوط سعودية إماراتية من أجل إنقاذ ما تبقى من مليشيات حفتر، ووقف سلسلة الهزائم التي يتعرض لها. ووفقا للتقرير، فإن اتصالات عديدة جرت بين رئاسة الانقلاب والمخابرات المصرية وبين القيادات في أبو ظبي والرياض، اتجه فيها حديث تلك القيادات نحو دعم التحرك المصري "الحتمي" في ليبيا اقتصاديا وعسكريا، والترحيب به لحسم تفاقم المواجهات بين مليشيات شرق ليبيا التي يتزعمها خليفة حفتر والمدعومة من الدول الثلاث، وقوات حكومة الوفاق المدعومة من تركيا، وذلك على عكس اتجاه الاتصالات الجارية على مدار الساعة مع القوى الأوروبية والولايات المتحدة، والتي باتت أكثر حرصا على التوصل إلى حل سياسي، مع استشعار اقتراب الخطر من منطقة الهلال النفطي. تقديرات موقف محذرة وبحسب التقرير، فقد تلقى السيسي عددا من تقديرات الموقف من مختلف الأجهزة (القوات المسلحة والمخابرات العسكرية والمخابرات العامة ووزارة الخارجية). وأن بعض تقديرات الموقف تحذر من انغماس مصر بشكل مباشر في مستنقع ليبيا يصعب الخروج منه، كما حذرت بعض التقارير من الدفع الإماراتي والسعودي في اتجاه الحرب الكاملة، نظرا لتطابق مصالحهما مع دخول الجيش المصري في أتون هذه المعركة، في وقت تشكل فيه إثيوبيا وقضية سد النهضة التهديد الرئيس الاستراتيجي لمصر. وتذهب بعض تقديرات الموقف إلى اقتراح الاستمرار بالعمل على تجهيز الجيش بالكفاءة القصوى، خاصة سلاحي الجو والبحرية، والاكتفاء بتوجيه ضربات جوية كبيرة لأهداف ليبية وتركية في حال استمرار تعقّد الموقف حول سرت والجفرة، من دون الانجرار إلى تدخل بري أو بحري مباشر، معتبرا أن من أهداف هذه الضربات تخويف إثيوبيا. بينما اقترح تقرير موقف آخر تم تداوله في جهات رسمية عليا، وهو العمل سريعا على إنشاء قاعدة عسكرية مصرية في شرق ليبيا؛ لضمان استمرار مراقبة الجيش المصري عن قرب للأوضاع الميدانية، وعدم الزج بأعداد كبيرة من القوات، مع التوسع في تدريب أفراد القبائل الليبية والبدء في تكوين جيش ليبي كبير موالٍ لمصر تكون نواته مليشيات حفتر. وهو الطرح الذي يتوافق مع مفردات ومضامين خطاب السيسي الأخير خلال افتتاحه قاعدة سيدي براني في غرب ليبيا. مدى التدخل العسكري المصري في ليبيا مصر متورطة في ليبيا بشكل غير مباشر، عبر مد مليشيات حفتر بالسلاح والتدريب والمعلومات والدعم السياسي والإعلامي والعسكري، وقصفت طائرات مصرية عدة مواقع لحكومة الوفاق دون الإعلان عن ذلك على مدار السنوات الماضية. لكن الوضع حاليا أكثر خطورة؛ ذلك أن الضغوط السعودية الإماراتية تريد توريطا مباشرا للجيش المصري في ليبيا من أجل مصالح هذه الدول التي تستهدف إلحاق أي هزائم بالرئيس رجب طيب أردوغان، بما يسمح للقوى الداخلية المعادية له داخل تركيا اللعب عليها من أجل زعزعة الثقة الشعبية الكبيرة التي يحظى بها الرئيس التركي؛ وهي خطوات تتسق مع جهود إنجاح انقلاب على الرئيس التركي، وقد فشلت المحاولة العسكرية الكبيرة منتصف 2016م أمام صمود شعبي أسطوري ضرب أروع الأمثلة في رفض الانقلابات التي اكتوت بها تركيا خلال العقود الماضية. الأمر الآخر أن حديث السيسي الأخير يكشف أنه يستعد بتدريب وتسليح قبائل ليبية، وعلى أقصى تقدير فإن السيسي سيدعم هذه المليشيات القبلية بقصف عدة مواقع لقوات الجيش الوطني الليبي التابع لحكومة الوفاق، ولن ينجر على الأرجح نحو تدخل عسكري بري أو بحري مباشر يمكن أن يسفر عن سقوط ضحايا في ظل هشاشة الوضع المصري الداخلي. يعزز من هذه التحليلات أن المخابرات العامة تحذر وسائل إعلام تابعة لها من بث أو نشر مواد منقولة عن وسائل إعلام إماراتية أو سعودية تسعى إلى تهيئة المصريين نفسيا لتدخل عسكري مصري في ليبيا. كما سبق أن استبعدت مصادر دبلوماسية وحكومية مصرية مطلعة أن تعلن الدولة قريبا التعبئة العامة استعدادا للتدخل العسكري المباشر بالصورة التي أوحى بها حديث السيسي، مؤكدة أنه ليس في مصلحة مصر فتح جبهة عسكرية قد يطول أمدها مع تركيا وقوات حكومة الوفاق في الوقت الحالي، خصوصا أن الخطاب التركي والإشارات الواردة من الوفاق تعكس أولوية الرغبة في التفاهم مع حول مستقبل الأوضاع في ليبيا، مع تأكيد ضرورة استبعاد حفتر من المعادلة السياسية والاستراتيجية.