في الوقت الذي حذر فيه العديد من الخبراء من مغبة سياسات الاقتراض والاستدانة التي أدمنها السيسي منذ انقلابه العسكري، في 2013، فإن نظام الانقلاب واجه تلك الدعوات بالتخوين، ووصمها بأوصاف عدم الوطنية والترصد والانتقاد لكل سياسات السيسي. وهو ما انكشف جزء من المخاطر الكبيرة التي تحيط بمصر في ظل سياسات السيسي؛ حيث وضعت كورونا مصر في مواجهة فضيحة دولية قد تعرضها لإعلان إفلاسها ومصادرة أملاكها أو بضائعها بالخارج؛ حيث دعت حكومة السيسي إلى "إسقاط فوائد ديون الدول الإفريقية". وطالب المندوب الدائم لمصر لدى الأممالمتحدة، علاء يوسف، في جنيف، خلال ندوة عبر الإنترنت حول التداعيات الاقتصادية لجائحة فيروس كورونا على القارة الإفريقية وكيفية احتوائها، بضرورة النظر في إعفاء الدول الإفريقية من دفع فوائد ديونها؛ بهدف توفير السيولة وحيز السياسات المالية اللازمين لتعاطي حكومات الدول الإفريقية مع تداعيات الأزمة. دعوة مصر نيابة عن إفريقيا عكست حجم الأزمة التي تواجهها الحكومة المصرية التي ترزح تحت وطأة أقساط وفوائد ديون خارجية بالعملة الصعبة غير مسبوقة في تاريخها المعاصر، قفزت إلى 109.36 مليار دولار حتى نهاية سبتمبر 2019، كما قفز الدين المحلي إلى 4,18 تريليون جنيه (270 مليار دولار). الديون المقرر أن تسددها مصر خلال العام الجاري 2020 تتجاوز ال18.6 مليار دولار، تمثل إجمالي الأقساط والفوائد التي تتحملها الدولة، وفق بيانات حديثة صادرة عن البنك الدولي. تخارج مستثمرين بوادر الأزمة برزت مبكرًا على السطح بعد إعلان وزير المالية محمد معيط، تخارج المستثمرين من أدوات الدين بنسبة تجاوزت ال50% لتتراجع من 28 مليار دولار إلى ما نحو 13.5 مليار دولار، وفقدان الاحتياطي النقدي 5.4 مليار دولار في مارس فقط، وفق البنك المركزي. وكشفت تقارير رقابية واقتصادية عن أن الديون المقرر أن تسددها مصر خلال العام الجاري 2020 تتجاوز ال18.6 مليار دولار تمثل إجمالي الأقساط والفوائد. وتأتي دعوة مصر لإرجاء سداد الديون، لتعكس أثر تداعيات فيروس كورونا المستجد على الاقتصاد المصري الذي فقد الكثير من عوائده بالعملة الصعبة المتمثلة في السياحة والاستثمارات الأجنبية وتحويلات المصريين بالخارج. وقالت دراسة لشركة "كوفاس" الألمانية لتأمين القروض، صدرت حديثا: إن"هروب رءوس أموال من الدول الناشئة خلال مارس الماضي، تجاوز أربعة أضعاف المبلغ الذي سجل بين عامي 2008 و2009، حيث كان العالم يواجه أزمة اقتصادية كبرى". تفشي الوباء ومع تفشي وباء كورونا بمصر، بدأت الأزمة الاقتصادية تضغط على الاحتياطي النقدي المصري؛ نتيجة توقف إيرادات السياحة، وتراجع تحويلات المصريين بالخارج، وتباطؤ حركة التجارة العالمية عبر قناة السويس"، مشيرا إلى أن "موازنة العام الحالي تواجه ضغوطا غير مسبوقة وغير مخطط لها". وأكد أن "عمر الأزمة هو الذي يحدد حجم الضرر على الاقتصاد المصري، الذي يئن تحت القروض، وذهبت بعض التقديرات إلى أنها قد تستمر 18 شهرا وبعضها ذهب إلى أنها قد تستمر 32 شهرا، وليس أمام مصر سوى الاستدانة ولكن للأسف لا يوجد مشترون حاليون بسبب حالة الترقب من جهة وتراجع التصنيف العالمي لسندات الأذون بالدول المقترضة". صندوق النقد يرفض إعفاء مصر وكان صندوق النقد الدولي رصد مبلغ تريليون دولار لمساعدة الدول المتضررة من الأزمة، ولكن نتوقع أن تكون الأزمة في مصر حادة، خصوصا في ظل غياب السياسات الواضحة للتعامل مع انتشار فيروس كورونا، ومسألة إعادة فتح الأعمال وما هي الخطط إذا ما تفشت العدوى بين الناس". وقرر صندوق النقد الدولي تخفيف أعباء ديون 25 دولة، أغلبها بلداناً أفريقية وعربية ليست بينها مصر، التي حصلت على قرض بقيمة 12 مليار دولار، بينما يتوقع محللون أن تطلب قرضا جديدا في ظل تعرض مواردها المالية لضربة موجعة بسبب تفشي فيروس كورونا الجديد. وقالت كريستالينا جورجيفا، المديرة التنفيذية في بيان، نشر على الموقع الإلكتروني للصندوق، تخفيف أعباء الديون يأتي بهدف تمكين الدول من تركيز مواردها الشحيحة على محاربة جائحة فيروس كورونا. وسارعت حكومة الانقلاب إلى طرق أبوب المقرضين، للحصول على تمويلات لمواجهة تداعيات فيروس كورونا الجديد، الذي وجه ضربات قاسية للاقتصاد، الذي يعاني من مشاكل هيكلية وديون متفاقمة، يتخوف من عدم قدرة الحكومة على الوفاء بها، حال اتساع نطاق الأضرار التي يخلفها الوباء واسع الانتشار. تأثير كارثي وصف أستاذ الاقتصاد، أحمد ذكر الله، تأثير أزمة كورونا على الديون المصرية "بالكارثي"، قائلا: "من سوء حظ الاقتصاد المصري أنه اقتصاد ريعي يقوم في أغلبه على مصادر العملة الصعبة من قطاعات تضررت بقوة من أزمة كورونا كالسياحة والاستثمارات وإيرادات قناة السويس، بالإضافة إلى المنتجات البترولية والتي لعبت دورا في تحسن قيمة الجنيه والآن تشكل ضغطا عليه وعلى الاقتصاد". مضيفًا: "كانت تلك القطاعات فرس الرهان للنظام في مصر ولكن هذه الكبوة أكبر من أن تقيلها أي إجراءات اقتصادية؛ لأنه لا يوجد بديل للاقتراض الذي أصبح صعب المنال الآن، إلى جانب وجود فجوة بين الواردات والصادرات تصل إلى 40 مليار دولار". وأكد أن "خيارات مصر الآن في ظل تأزم الوضع الاقتصادي عالميا محدودة إن لم تكن معدومة، لذا فهي تطرح المزيد من أذون الخزانة المحلية، بعد زيادة تكلفة التأمين على الديون الخارجية، وتقلص سوق الديون العالمية، وغموض الوضع الاقتصادي عالميا، وسيبقى الباب الوحيد هو صندوق النقد الدولي".. والذي استثنى مصر من مبادرته، وهو ما يقرب إعلان إفلاس مصر عالميا.