على الرغم من بدء تطبيق مشروع التأمين الصحي الشامل منذ 6 أشهر بمحافظة بورسعيد، إلا أن العقبات التي تواجه تحويل المشروع إلى منظومة متكاملة كثيرة ومتنوعة، بما يهدد هذه الفكرة الطموحة بالفشل. حيث يؤكد أطباء أن الفشل بات واضحا لدى المختصين، فمنظومة التأمين الصحي الشامل تصطدم بعدد من المعوقات أبرزها، نقص الأطباء وقلة التمويل، وعدم وضوح آليات التطبيق، بالإضافة إلى اكتفاء الوزيرة ب"الحركات الإعلامية" التي تستهدف جذب الأنظار أكثر من العمل بشكل يسمح بوصول المنظومة إلى بر الأمان. ويرى الخبراء أن منظومة التأمين الصحي الشامل لم تكتمل حتى الآن، مرجعين ذلك إلى سيطرة الوزيرة الدكتورة هالة زايد على مقاليد الأمور بشكل يعيق حركة العمل، الأمر الذي يهدد فعليا بوأد التجربة في مهدها، بحسب رؤيتهم. نقص الأطباء ويبلغ إجمالي عدد الأطباء المُلتحقين بالعمل في القطاع الحكومي، 188 ألفا و535 طبيبا، بمُعدل 1.88 طبيب لكل ألف مواطن، في حين يصل عدد الأطباء في القطاع الخاص وخلافه، إلى 24 ألفا و300 طبيب، بحسب بيانات صادرة عن نقابة الأطباء، أي بإجمالي 212 ألف طبيب، بمُعدل 2.1 طبيب لكل ألف مواطن، بينما يُقدر عدد الأطباء بالمعاشات بنحو 54 ألف طبيب، و20 ألف طبيب على الأقل، ما زالوا يمارسون العمل في القطاع الخاص، بعد انتهاء الالتزام بالعمل الحكومي، ليصبح الأطباء المؤهلون القادرون على العمل في مصر، نحو 232 ألفا و835 طبيبا، بمُعدل 2.3 طبيب لكل ألف مواطن، بحسب بيانات نقابة الأطباء أيضا. وحتى الآن تم تسجيل 7 مستشفيات، و27 مركزا، ووحدة صحية، بمدن ومراكز وقرى بورسعيد، ضمن المنظومة، في حين بلغ عدد السكان الذين سجلوا بياناتهم قرابة ال600 ألف مواطن. وذلك رغم أن التسجيل في المنظومة مجاني، وهو ما يضع علامة استفهام حول سبب عزوف أعداد كبيرة من المواطنين عن التسجيل. وكانت وزارة المالية بحكومة الانقلاب قد كشفت قبل أسبوعين، عن أن منظومة التأمين الصحي في بورسعيد ستتكلف نحو 10 مليارات جنيه، 8 مليارات منها للمستشفيات والأجهزة، وملياران لمصروفات التشغيل والمستلزمات الطبية. شو إعلامي بينما يرى الدكتور خالد سمير، أمين صندوق نقابة الأطباء، سابقًا أن مصير منظومة التأمين الصحي في مهب الريح، حيث إن المشكلات الرئيسة حتى الآن تتمثل في قلة التمويل المادي، لافتًا إلى أنه وفقًا للائحة الأساسية لقانون التأمين الصحي، يتم تمويله من خلال اشتراكات المواطنين، والرسوم التي تُفرِض على الشركات الملوثة للبيئة، مثل: صانعي السجائر، والإسمنت. وأضاف أن عددا كبيرا من المواطنين يرفضون دفع الاشتراكات، كما أن الشركات والمصانع ما زالت تبحث عن خفض لهذه الرسوم، مشيرا إلى أنه بحسب قانون التأمين الصحي الشامل، فإن اشتراكات المواطنين، تتوزع على عدد من الشرائح هي: الموظف الحكومي الذي يتم خصم من 1%، إلى 5% بحد أقصى، والموظف بالقطاع الخاص الذي يخصم 5%، 3% منها عن زوجته، و1% عن كل الأبناء، ويصل الحد الأقصى للخصم منه إلى 7%، وتُعامل المهن الحرة كالقطاع الخاص. وأفاد سمير بأنه من المُفترض في المشروع ألا يكون تحت إشراف وزارة الصحة، ورغم ذلك فالوزيرة تُسيطر على مقدرات التأمين الصحي سعيا وراء الشو الإعلامي، والتلميع الذي يحدث لها مع كل زيارة لإحدى مستشفيات التأمين الجديدة. وأوضح أمين صندوق نقابة الأطباء السابق، أن منظومة التأمين الصحي مستقلة تمامًا عن الوزارة، في ظل وجود 3 جهات مسئولة عن التنفيذ: الأولى هيئة الرعاية الصحية، ومعنية بمنافذ تقديم الخدمة، والثانية هيئة الجودة والاعتماد، وتمنح المستشفيات الاعتمادات اللازمة وفق معايير الجودة المعمول بها، والثالثة هيئة التأمين الصحي، التي تتولى إدارة وتمويل المشروع، لافتا إلى أن وزيرة الصحة هي السبب في عدم نجاح المشروع. مصالح متضاربة وطالب سمير باستغلال دعم القيادة السياسية لمشروع التأمين وإنجاحه، كاشفا عن أن التعيين في منظمات التأمين الصحي الثلاث تشوبه المجاملات، متسائلا: "كيف يكون وزير المالية هو رئيس منظومة التأمين الصحي بالكامل؟". ولفت إلى أن وزارة المالية تُمثل كعضو، لكن لا تتولى رئاسة المنظومة بالكامل، لأنها جهة التمويل، وبالتالي فهناك تضارب مصالح، لأن الوزارة سيكون هدفها تقليل النفقات فقط، ولن تهتم بكون الخدمة الصحية جيدة من عدمه. وكشف أمين صندوق نقابة الأطباء السابق، عن أنه عند زيارة السيسي لمحافظة بورسعيد، لمُتابعة منظومة التأمين الصحي، قامت الوزيرة بسحب مئات الأطباء من مواقعهم في الوحدات الصحية بالمحافظات دون علمهم، حيث فوجئوا بأنه تم نقلهم للعمل للمستشفيات والوحدات الصحية ببورسعيد. بدوره قال الدكتور محمد حسن خليل، منسق لجنة الدفاع عن الحق في الصحة، في تصريحات صحفية، إن هناك تقصيرا في تطبيق خطة منظومة التأمين الصحي ببورسعيد، لأنها كانت تقضي بالتعاقد مع 10 مستشفيات، و35 وحدة صحية، لكن حتى الآن لم يتم افتتاح إلا 7 مستشفيات، و20 وحدة صحية. وأضاف أن المشكلة الثانية، تتمثل في عدم وضوح مبدأ "الشمولية"، المنصوص عليه في القانون، فحتى الآن الأمر متروك للمواطنين، فضلًا عن كون المنظومة لم تُربط حتى اللحظة بقاعدة البيانات السكنية، متابعًا أنه من المُفترض أن يحصل المواطن "المؤَّمن عليه"، على كل الخدمات التي تُوفرها منظومة التأمين الصحي، بصرف النظر عن قدرة الشخص المالية، لكن منظومة التأمين الصحي تُصر على أن يدفع المواطن الاشتراك السنوي، بالإضافة إلى 10% "مُساهمات" بحد أقصى 1000 شهريًا بالنسبة للأدوية، و10% بالنسبة للتحاليل الطبية بحد أقصى 750 جنيها، و10% بالنسبة للأشعة بحد أقصى 750 جنيها، ما عدا الأمراض المزمنة والسكر. وعلى هذا يتوقع منسق لجنة الدفاع عن الصحة، أن يتكلف المواطن في المتوسط نحو 1000 جنيه شهريًا نظير علاجه، وهذا ينسف فكرة التأمين الصحي، من وجهة نظره، مشيرًا إلى أن التأمين الصحي يعني تكافل الدولة لأجل علاج المواطنين. تقصير في التنفيذ وأوضح منسق لجنة الدفاع عن الحق في الصحة، أن هناك تقصيرا في تنفيذ خطة التأمين الصحي، لأن المرحلة الأولى لا تُمثل 10% من سكان مصر، بعكس المرحلة الأخيرة التي سيكون فيها التطبيق في محافظات تُمثل نحو 70% من سكان مصر، وهذا سوء توزيع، لافتًا إلى أن المرحلة الأولى حتى الآن لم تكتمل، رغم قلة عدد السكان، ذلك أنه كان من المُفترض أن تنتهي المرحلة الأولى في شهر يوليو المقبل، لكن هذا لم يحدث. من جهته، يقول الدكتور محمد علي عز العرب، رئيس وحدة أمراض الكبد ومستشار مركز الحق فى الدواء: إن المرحلة الأولى من منظومة التأمين الصحي تشمل محافظات 5، معتقدًا أنها تسير بشكل جيد حتى الآن. وأشار إلى أن أكثر المعوقات التي تواجه المنظومة حتى الآن هي "نقص القدرة البشرية"، إذ لا يوجد عدد كافٍ من الأطباء، فهناك بعض التخصصات النادرة التي يوجد نقص بها، مشيرًا إلى أن النقطة الإيجابية هي الوصول بالتسجيل للمواطنين في بورسعيد والإسماعيلية لنسبة 80% من عدد السكان. كما اعتبر عز العرب أن البنية التحتية من الصيدليات والمستشفيات وشركات الأدوية كثيرة جدًا، مشيرًا إلى أن ذلك يُدلل على نجاح المنظومة حتى الآن، وفتح باب الاعتماد والتسجيل لمواطني الإسماعيلية والسويس والأقصر، حيث يُسجِل المواطن نفسه في أقرب وحدة صحية تابع لها، حسب التوزيع الجغرافي. وطالب مستشار مركز الحق في الدواء، بضرورة تدريب الأطباء في محافظاتالإسماعيلية والسويس وبورسعيد، لافتًا إلى ضرورة توفير التدريب في الأماكن المناسبة في أماكن عملهم، أو توفير وسائل نقل مؤمنة إذا كان التدريب في مناطق بعيدة. كما يجب توفير الميكنة في منظومة التأمين الصحي بالنسبة لجميع الإجراءات، بحسب عز العرب، مضيفًا أنه يجب تلافي مشكلة تعريف "الأمراض المزمنة"، حيث حدثت بعض المشكلات في توصيفها خلال الفترة الفائتة. وهكذا تتكشَّف أكاذيب السيسي ونظامه الانقلابي فيما يتعلق بمنظومة التأمين الصحي الشامل، التي ترهق المواطنين أكثر من أي وقت مضى.