لى شطحات صوفية أكاد أخفيها، وهى كامنة بداخلى من مرحلة الصبا، عندما كانت الصوفية تجذب عاطفتى، وكانت أفكار الإمام محمد عبد الوهاب تخاطب عقلى؛ حيث تسنى لى أن أقرأ رسائل الإمام صغيرًا، فى وقت كانت كتب التاريخ التى ندرسها فى المدارس تقدمه على أنه إنسان جعل من الدين ستارًا لتحقيق أغراضه السياسية، ولا أظن أن هذه النصوص موجودة إلى الآن فى كتب التاريخ المقررة فى المدارس! صغيرًا أصيبت عيناى بالرمد الربيعى، مثل الشيخ عبد الحميد كشك، وعميد الأدب العربى طه حسين، وعندما كبرت علمت أنهما كانا يستخدمان العلاج البدائى والوصفات الشعبية، مما كان سببًا فى أنهما أصبحا كفيفين، لكن الله سلم فى حالتى.. علم أن بى ضعفًا فنجانى! بعد يأس من العلاج كان الاقتراح بضرورة أن أزور مقام ‘العارف بالله' بسوهاج وأسأله الشفاء، وأن أقرر له نذرًا، ولم أكن مقتنعًا بالكامل بصحة ما أفعل، فرسائل بن عبد الوهاب ترتقى بهذا التصرف إلى مرتبة الشرك بالله، ووقفت فى حضرة المقام، ألقى بأوامرى على صاحبه: "اسمع أيها الرجل، لا أحب اللف والدوران، أمامك أسبوعًا إن شفيت فيه فالفضل يرجع لك، فإن حدث الشفاء بعد ذلك فلا علاقة لك بالموضوع". لكن بعد مرحلة الاستقطاب هذه، غادرت لأكون ليبراليًا، أميز نفسى عن الليبرالية العميلة للسفارات الأمريكية بأنى ليبرالى على كتاب الله وسنة رسوله ومذهب الإمام أبى حنيفة النعمان، وباعتبار أن المذهب الحنفى هو المذهب الرسمى فى مصر فى مسألة الأحوال الشخصية! وعلى الرغم من المغادرة، فإنه لا تزال بى شطحات صوفية، لم تصل بالطبع إلى شطحات الراحل حسن التهامى، الذى كانت له حركات لافتة فى هذا الصدد، ومع هذا كان مقربًا من الرئيسين السادات وجمال عبد الناصر، وفى حضوره لجلسات الاتفاق التمهيدى مع القيادات الإسرائيلية للاتفاق على معاهدة السلام؛ إذ كان سببًا فى إصابة الإسرائيليين بالخفيف؛ إذ يكون جالسًا فى أمان الله عندما يهتف: "وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته"، فيرتبك القوم، فيقول لهم إن سيدنا الخضر كان مارًا وأنه ألقى عليه السلام، وقد التقيته مرة واحدة قبل وفاته، وسألنى من علم باللقاء ألم تلاحظ أنه مجنون؟.. ونفيت له ذلك ربما لأن الحال من بعضه، وربما لأن الخضر لم يمر عليه فى الوقت الذى قضيته معه، فلا يجتمع اثنان من أهل الحقيقة فى صعيد واحد.. أنا والخضر. جاذب للنساء شطحة صوفية كامنة قفزت خلال الأيام الماضية مستيقظة، جعلتنى على يقين من أن كل من تآمر على الرئيس محمد مرسى ولو بالصمت، سيفضحه الله ولو فى عقر داره، وسيكون لمن بعده آية، وعندما شاهدت على مدى يومين كاملين عبر "الجزيرة وأخواتها" الفيديوهات التى بثها موقع "رصد"، للفريق السيسى، على نحو مثل فضيحة أيقنت ساعتها أن لعنة الرجل ستحل بمن خانه وتآمر عليه ولو بالتواطؤ. الفيديو الأول كان عن لقاء تم فى شهر ديسمبر الماضى وفيه أعلن الفريق عبد الفتاح السيسى وكان بين قيادات فى الجيش، أن المتحدث الرسمى للقوات المسلحة "جاذب للنساء" للتأكيد على أهليته للمنصب، وعندما مُنحت فرصة التعقيب على هذا لم أقم بالتركيز عليه مخافة أن يتم اتهامى بأنى حاقد على المتحدث الرسمى، ومنذ اللحظة الأولى لظهوره إعلاميا فوجئنا بتأوهات كتلك التى سمعناها عندما زار أميتاب باتشان القاهرة فى بداية التسعينيات، وقد ذهبت مجموعة من الفتيات إلى المطار، كن ينظرن فى عينيه ويغبن عن الوعى، وإحداهن سقطت مغشيًا عليها وعندما كبرت عملت مذيعة. ستتركون يا قراء الموضوع حتمًا وتسألون من تكون هذه المذيعة؟!.. فلا ترهقوا أنفسكم بالسؤال لأننى لن أجيب، وظنى أنه ما دامت هذه المذيعة ليست ملكة الجزيرة المتوجة خديجة بن قنة، فلا معنى لمحاولة الوقوف على اسمها، فكل المذيعات يؤخذ منهن ويرد بمن فى ذلك جمانة نمور، إلا خديجة بن قنة. خديجة جزائرية، تجلت جزائريتها مرة للناظرين، عندما كانت خارج استوديوهات القناة فى الدوحة، لتغطية انتخابات فى بلد ما، نسيت البلد والمناسبة، قاتل الله الزهايمر، وحطت الكاميرا فجأة على وجهها، وهى فى حالة غضب وتكاد تعصف بفريق العمل، وبالسماعة التى فى أذنها والتى بدت لى أنها من النوع الردىء، ومن الواضح أن من اشتراها احتفظ لنفسه بفارق السعر! خديجة كانت اختيار الرئيس محمد مرسى فى أول وآخر مقابلة له على قناة الجزيرة، وبعد عدة شهور من طلب المقابلة ومن توليه الحكم، فى حين أن محمد حسنين هيكل اختار محمد كريشان لحواره، قبل أن يهبط قدره، إلى حد أن تكون محاورته الأثيرة هى لميس الحديدى، التى تسأله فى السياسة "بدلال مصطنع" كما لو كانت تسأله عن أول خطاب كتبه لبنت الجيران، وهو أمر مبرر؛ فهى تمارس الدلال بأموالها التى هى أموال القناة، فما تدفعه له "سى بى سى" فى الحلقة الواحدة بمجمل ما كانت تدفعه الجزيرة فى سلسلة حلقاتها، ولا نعرف ماذا سيصنع بكل هذه الأموال، ولم يعرف عنه فى تاريخه أنه إنسان خيّر كمصطفى أمين، فحتى المبلغ الذى قرره قبل سنوات وقفًا لتدريب الصحفيين لا ذكر له الآن، بعد أن ملأ الدنيا حديثًا عنه. قصر برقاش ومؤخرًا تجلى هيكل فى حضرة لميس الحديدى، وهو يتهم جماعة الإخوان بأنها وراء حرق قصره فى منطقة "برقاش"، وكيف أن القرار صدر من اعتصام رابعة العدوية، ليتأكد بعد يومين من هذا أن ما تعرض له قصره كان بدافع السرقة، وأن إحراقه كان لإزالة آثار من أقدم على هذا، وأن الإخوان لا ناقة لهم ولا جمل فى الموضوع، وأن الأستاذ مثلنا يغضب لنفسه، فتفارقه الموضوعية، ولا ينشغل بأن يستخدم ملكاته الصحافية ليتوصل إلى الجانى حتى لا يصيب قومًا بجهالة. خديجة حاورت مرسى المختطف حاليًا، وكريشان حاور من رسم سيناريو الانقلاب والخطف، وأتمنى أن يحاور يسرى فودة الفريق عبد الفتاح السيسى هذه الأيام، وكل من حاورهم يتعرضون لزيارة خاطفة من عزرائيل فى الأسبوع التالى لبث الحوار... سيقول أحدهم لمن "يروى" أن ملك الموت اسمه عزرائيل، وردى: من قال لكم إننا نتحدث عن الموت؟! ما علينا، فإذا كانت كل مواهب المتحدث العسكرى فى أنه "جاذب للستات"، فأعتقد أن أميتاب باتشان يمكن أن يؤدى المهمة بشكل أفضل، وقد شاهدنا كيف كانت الغائبات عن الوعى من أول نظرة من الفتيات الصغيرات، فقد كانت المذيعة التى أغمى عليها "صغيرة على الحب" حينئذ، فى حين أن كل المعجبات بالمتحدث العسكرى هن من القواعد من النساء، اللاتى فاتهن قطار الحب والتقدير، أما الصغيرات فى هذه الأيام فهن فى نضال يومى لكسر الانقلاب وبشكل يبعث على الدهشة لواحد مثلى، من جيل من ناضل منه أصابه اليأس دون أن ينتج بنضاله شيئًا على الأرض! يوم الخميس الماضى كان مسئول عن إحدى الحركات إياها يتحدث عبر "الجزيرة مباشر مصر"، وحركته أرهقتنى لمواقفها المتقلبة تقلب الليل والنهار، فقد أيدت الانقلاب وتحمست له، وذهب ممثلون عنها إلى القصر الجمهورى ليجلسوا فى حضرة الرئيس المعين، وطلبوا السماح لهم بالسفر لبلاد الفرنجة على أن تتحمل الدولة نفقات ذلك من أجل إقناع الغرب بأن ما جرى فى مصر هو ثورة وليس انقلابًا، ثم دبت بين النشطاء الخلافات فكل منهم يريد أن يكون هو فى الصورة، فى حملة العلاقات العامة المدعومة من القصر الجمهورى. ونفض الانقلابيون أيديهم منهم. وقد أسعدنى أن يصف المتحدث باسم الحركة ما جرى بأنه انقلاب، وأن الشرطة تمتهن كرامة الناس لأنها عادت إلى مرحلة ما قبل ثورة يناير، ومع هذا يقول إن حركته لن تشارك فى المظاهرات المقرر لها يوم السادس من أكتوبر ضد الانقلاب، لأنها لن تسهم فى تعميق حدة الانقسام فى الشارع! فى هذه اللحظة كانت الصورة التى تبثها "مباشر مصر" من محافظة أسيوط، وإذا بمظاهرات تقوم بها الطالبات، اللاتى وقفن فى مواجهة الشرطة التى تريد اعتقال تلميذ فى المرحلة الثانوية.. وكانت الصورة كاشفة عن أن الخير قادم على يد شباب وفتيات مصر الذين لم تثقل أذهانهم الحسابات، فهم ليسوا متذبذبين بين هؤلاء وهؤلاء، فمواقفهم واضحة: الشرعية فى مواجهة الانقلاب.. قضى الأمر الذى فيه تستفتيان. سد الحنك لقد وضع أنصار الانقلاب العسكرى فى أفواههم "سد الحنك" بعد بث هذه الفيديوهات، ثم قاموا بلملمة الأشلاء المبعثرة، وأخذوا يتكلمون عن ماذا فى كون المتحدث العسكرى "جاذب للنساء" على نفس درجة الجاذبية الأرضية! فات هؤلاء أن الأمر خاص بالجيش، وليس لفريق لكرة القدم، وهنا يكون الاختيار والكلام على مستوى المسئولية الوطنية. أعلم أن "حبيبك يبلع لك الزلط وأن عدوك يتمنى لك الغلط"، ومثل هذا الكلام لو كان قائله هو الرئيس محمد مرسى لقامت قيامة فضائيات الثورة المضادة، لكن هذه الفضائيات الآن لا ترى فيما جرى مشكلة، ولن أقف طويلًا أمام هذا الأمر، حتى لا يقال إننى مدفوع بسيف الغيرة، ولو كانت الغيرة مذهبى، لكانت من الجاذب للفتيات، وليس للقواعد من النساء، فأنا لم أغر مثلًا عندما تزوج أبو هشيمة من "الوالدة" هيفاء، فمن يستحق أن نغار منه حقًا هو عماد أديب، وهل يمكن لمثلى أن يغار لأن هيكل تحاوره لميس الحديدى، مع أنى عندما شاهدت خديجة بن قنة تحاور الرئيس محمد مرسى هتفت: "أزرق"، والعين كما تعلمون فلقت الحجر! إذا استبعدنا الجاذبية الأرضية من الموضوع، فأعتقد أن الأزمة فيما جرى الحديث حوله تتمثل فى مخطط السيطرة على الإعلام، من خلال استخدام "الأذرع" ولا أعرف لماذا أشبع القوم الرئيس مرسى سخرية لحديث الأصابع، فى حين مر حديث "الأذرع" على قلوبهم كالعسل؟! الأمر الثانى فى هذه الفيديوهات، هو حديث الفريق السيسى بمنطق الرأسمالية المتوحشة، فمن يريد خدمة عليه أن يدفع ثمنها، ولا حديث عن الفقراء، وأنه لو كان الأمر بيده لحصل على قيمة المكالمة الهاتفية من الطالب ومن المطلوب، وهو خطاب يليق برجل أعمال كنجيب ساويرس ولا يليق برجل يتم الحديث عنه أنه عبد الناصر الذى عاد للحياة، وعبد الحكيم جمال عبد الناصر قال إن السيسى هو "الوريث الوحيد" لوالده، وما كنا نظن أن عبد الناصر سيجرى اختزاله يوما ليصبح مجرد رب أسرة، من الطبيعى أن يقرر أحد أفرادها من هو الوريث الشرعى لأبيه! الأمر الثالث فى الفيديوهات المسربة، والذى زفت بها الجزيرة القوم زفة "المطاهر يوم طلوعه على المعاش" هو فى إعلان الفريق السيسى أن الضباط لن يحاسبوا بعد اليوم على قتل المتظاهرين أو إصابتهم. وبعيدًا عن كل هذا، فإن تسرب هذه الفيديوهات، التى تقوم على تصويرها جهة واحدة، تتبع القوات المسلحة أمر له مدلوله الخاص، ولا نستبعد أن يكون هذا أحد تجليات خلاف الجنرالات.. فالفريق سامى عنان منذ أن أعلن ترشحه وهناك حملة ضده من قبل أنصار الفريق السيسى، والتهديدات الموجهة ضده واضحة وحاسمة ودخلت على الخط الفضائيات الموالية للانقلاب.. لكن من يهدد من؟!. عندما شاهدت الفضيحة عبر الشاشات، قلت إنها لعنة مرسى التى ستحل على كل من تآمر عليه. وبروح صوفية شفافة، سوف ترون فى هؤلاء ما يشفى الغليل.