حسام عقل: الضربات الخارجية للانقلاب في تصاعد مستمر وستكون من أهم عوامل التعجيل بسقوطه سيد أبو الخير :استدعاء السفراء للاحتجاج ليس من الأعراف الدبلوماسية.. والانقلاب لا يقوى على مجرد التلويح بقطع العلاقات
لم تجد وزارة خارجية الانقلاب موقفا تتخذه أمام الدول التي تُصر على عدم الاعتراف بشرعيتها وتلاحق مجازرها الوحشية وضلوعها في مجال انتهاك حقوق الإنسان بتقارير دولية تفضحها أمام العالم إلا قطع العلاقات معها وتخفيف التمثيل الدبلوماسي لها إلى الحد الذي جعلوا فيه مصر في عزلة دولية غير مسبوقة على مدار تاريخها. فبعد سحب سفراء مصر في كل من دولتي قطر وتركيا, قام السفير حاتم سيف النصر مساعد وزير خارجية الانقلاب للشئون الأوروبية مؤخرا باستدعاء سفراء الدول الأوروبية التي انضمت للبيان الخاص بشأن أوضاع حقوق الإنسان في مصر والذي تم إلقاؤه خلال الدورة الحالية لمجلس حقوق الإنسان في جنيف مؤخرًا، وذلك لإبلاغهم رسالة احتجاج شديدة اللهجة على انضمامهم للبيان؛ حيث كانت 28 دولة من بينها فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وجهت بيانا مشتركا إلى مجلس الأممالمتحدة لحقوق الإنسان أدانت فيه "الاستخدام غير المتكافئ للقوة القاتلة من قبل قوات الأمن (المصرية) ضد المتظاهرين ما أوقع العديد من القتلى والجرحى".
وأعربت هذه الدول في البيان "عن القلق إزاء حرية التعبير والتجمع السلمي" في مصر، ودعت إلى "ضمان بيئة بلا تمييز وانتخابات شفافة وذات مصداقية ومفتوحة أمام الرقابة الدولية". وتضم قائمة الدول التي استدعت وزارة الخارجية المصرية سفراءها للاحتجاج على موقفها كلا من: فرنسا، وألمانيا، وبريطانيا، والنمسا، وبلجيكا، والتشيك، والدانمارك، وفنلندا، وأيرلندا، ولاتفيا، ولتوانيا، وهولندا، والنرويج، وبولندا، ومقدونيا، وسلوفاكيا، وسلوفينيا، والسويد. وزعم مساعد وزير خارجية الانقلاب خلال لقائه السفراء الأوروبيين أن البيان تضمن الكثير من المغالطات، مستجديًا الدول الأوربية للاعتراف بانقلاب يوليو؛ حيث قال سيف النصر: إنه كان الأحرى بالاتحاد الأوروبي أن يقدم دعما ملموسا لاستكمال العملية الانتقالية وفق خارطة المستقبل إذا كان حريصًا بالفعل على الإسهام بإيجابية في جهود ترسيخ دعائم البناء الديمقراطي والمؤسسي في مصر".
من جانبها كان أول رد على رسالة الاحتجاج الانقلابية من دولة فرنسا حيث قال رومان نادال -المتحدث الرسمي باسم الخارجية الفرنسية-: إن بلاده أخذت علمًا بموقف مصر من بيان مجلس حقوق الإنسان وإن باريس تأمل في أن تلتزم عملية الانتقال بقيم الثورة المصرية والمتمثلة في الديمقراطية، واحترام الأقليات، واحترام حرية الصحافة، واحترام الحريات الأساسية. وهو ما اعتبره الخبراء فشلا جديدا لخارجية الانقلاب في شرعنة وجودها والتسويق لانقلابها، مؤكدين أن فشل الانقلاب خارجيًا لم يقتصر فقط عند حدود ما تسبب فيه من عزلة مصر عن أغلب دول العالم، وإنما كان سببا أيضًا في تكبد الدولة أموال طائلة بسبب المبالغة في التمثيل الدبلوماسي في الدول المختلفة حيث تُكلف البعثات الدبلوماسية مصر شهريًا 55 مليون جنيه، موضحين أن مصر تحتل المركز الثاني عالميًا في التمثيل الدبلوماسي رغم أن العلاقات الدولية في تدهور مستمر ورغم دعوات الحكومة لشعبها بالتقشف وربط الأحزمة على البطون.
عزلة دولية غير مسبوقة في هذا الإطار أكد د. سيد أبو الخير -أستاذ القانون الدولي- أنه لا يمكن قراءة موقف خارجية الانقلاب الأخير إزاء سفراء الدول الأوربية التي شاركت في بيان مجلس حقوق الإنسان بجنيف والذي فضح ممارسات الانقلابيين الوحشية ضد الشعب المصري وانتهاكاته لكل حقوق الإنسان المتعارف عليها دوليًا بأنه موقف رسمي جاد يرمي إلى قطع العلاقات مع هذه الدول وإنما هو موقف للشو الإعلامي فحسب, وذلك لأن خارجية الانقلاب أضعف بكثير من أن تتخذ هذا الموقف الحاسم ضد هذه الدول التي تتسول وتستجدي منها الاعتراف بهذا الانقلاب الدموي لكي تقوي شوكتها وتستطيع تثبيت أركان هذا الانقلاب الهش داخليًا وخارجيًا. مشيرًا إلى أن استدعاء السفراء للاحتجاج أمر ليس من أعراف السياسية الخارجية في شيء وإنما الموقف الدولي الرسمي يكون باتخاذ مواقف جادة تصب في قطع العلاقات مع هذه الدول وهو ما لا يقوى عليه الانقلابيون، خاصة في ظل العزلة الدولية غير المسبوقة في تاريخ مصر، لافتًا إلى أن الانقلابيين على مدار ثمانية أشهر حققوا أعلى معدلات الفشل في السياسية الخارجية على الرغم مما بذلوه من أموال طائلة لتغيير الرأي العام العالمي بأن ما حدث في 30 يوليو ثورة شعبية وليس انقلابا عسكريا.
وأضاف أبو الخير أن مساعي الانقلابيين الخارجية الآن تتركز على محاولات عدم تصعيد القضية للمحكمة الجنائية الدولية، والتي تمثل التقارير الدولية الحقوقية والتي كان آخرها بيان منظمة حقوق الإنسان بجنيف خطوات ممهدة لقبول محاكمة الانقلابيين بعد فضح ممارساتهم أمام دول العالم، ومن ثم نجد مواقف الانقلابيين تتسم بالارتباك وعدم القدرة على اتخاذ أي مواقف جادة. مؤكدًا أن ضعف مواقف الانقلابيين بالخارج له علاقة وثيقة بضعفهم في الخارج، وذلك لأنهم يفتقدون في الداخل التأييد الشعبي حيث أصبحت الحكومة والسلطة الانقلابية في وادٍ والشعب الرافض لوجودها في وادٍ آخر، وهو ما يطلق عليها مسمى سلطة بلا شعب وشعب بلا سلطة، ومن ثم هذا الوضع الداخلي سيمثل حجر عثرة أمام الانقلابيين لترويج انقلابهم في الخارج.
هستيريا الانقلاب ومن جانبه اعتبر د. حسام عقل -رئيس المكتب السياسي لحزب البديل- أن استدعاء خارجية الانقلاب سفراء الدول الأوروبية التي شاركت في بيان حقوق الإنسان بجنيف والذي تسبب في كشف الوجه القبيح للانقلابيين ما هو إلا مسلك هستيري من السلطة الانقلابية بسبب ما تعانيه من أزمة دولية جرّاء ما تسببت فيه من ردة شاملة في مجال الحقوق والحريات، والتي كان أهم عوامل الإساءة لسمعة مصر على المستوى الإقليمي والدولي، وأضاف أن الضربات الخارجية للانقلابيين في تصاعد مستمر والتي لم تقتصر فقط على البيانات والتقارير الدولية وإنما تشمل أيضًا غياب التمثيل لدولة مصر في القمم والمؤتمرات الدولية والتي كان آخرها احتفالات حوض النيل الذي لم تغِب عنه مصر لمدة 14 عامًا متتالية.. لافتًا إلى أن هذا الغياب لمصر في ظل الانقلاب العسكري أتى بناءً على موقف الاتحاد الإفريقي المشرف منذ بداية الانقلاب والذي رفض فيه الاعتراف بشرعية هذه السلطة المغتصبة التي قفزت على إرادة الشعب المصري وانقلبت على أول رئيس منتخب للبلاد.
مشيرًا إلى أن موقف الاتحاد الأوروبي ليس ببعيد عن هذا الشجب للممارسة الانقلاب المنتهكة لكل حقوق الإنسان، مؤكدًا أنه بالرغم من كل هذه الرسائل الدولية الرافضة للاعتراف بالانقلاب وممارسته المنتهكة لكل حقوق الإنسان لا يزال الانقلابيون مستمرين بكل غباء في سياستهم القمعية والتي لا تزيد الأوضاع في الداخل فقط سوءًا؛ وإنما تزيد الأوضاع في الخارج أيضًا سوءًا وتجهض كل محاولات الانقلابيين للترويج لانقلابهم، وهو ما يؤكد غباء وارتباك السلطة الانقلابية في مصر والتي ربما تعتقد أن تعوضها دولة الإمارات الداعمة للانقلاب العسكري عما تعانيه من عزلة خارجية.
وأضاف عقل أن ما تصدره خارجية الانقلاب من رسائل احتجاج ضد الدول التي تكشف عن حقيقية هذا الانقلاب ووحشيته إنما هو تعبير عن إفلاس وفشل جديد للانقلابيين الذين سبق لهم وأن اعتمدوا على شركة أمريكية مملوكة للكيان الصهيوني للتسويق للانقلاب في الدول الأوربية مكبّدة الدولة الملايين من الجنيهات لهذا الهدف، وبالرغم من ذلك لم تخلُ أي صحيفة أوروبية من نقد هذا الانقلاب وسلطته الحالية وتفضح ممارساته، وهو ما يؤكد فشل كل مساعي الانقلاب في إضفاء أي شرعية عليه سواء في الداخل أو الخارج، وهو ما يمثل أهم أسباب سقوطه.