دفع اشتداد القتال فى العاصمة السورية دمشق وانتقاله لمدينة حلب، رئيس النظام بشار الأسد لوضع إستراتيجية جديدة للنجاة مفادها ضرورة التمسك بتلك المدينتين مهما حدث، فحلب إحدى تلك المدن القديمة التى كان الاستحواذ عليها يحسم مصائر الملوك لعدة قرون. والقتال من أجل حلب أمر أساسى لبقاء نظام الأسد، لهذا فهو سيفعل كل ما فى وسعه للتشبث بدمشق وحلب والطريق السريع الرئيسى الشمالى الجنوبى الرابط بين المدينتين، وهذا الأمر سيضطره للتخلى عن معظم القرى، مما دفع البعض للقول بأن الأسد تخلى عن رئاسة سوريا واكتفى بمنصب "محافظ دمشق وحلب". وقال تقرير نشرته صحيفة "ديلى تلجراف" البريطانية: إن الخطوط العريضة لإستراتيجية الأسد الجديدة للنجاة بدأت تتضح؛ فهو يجرد المحافظات المجاورة من الجنود والدبابات لحشد القوات لهذه المعركة، ورغم أن هذا الأمر يعنى تسليما كاملا لمناطق شاسعة من البلاد للسيطرة الفعلية للثوار. وكأن الأسد قد تحول فى الأسابيع القليلة إلى محافظ غير محصن لدمشق وحلب بدلا من أن يكون رئيسا لكل البلاد، بالإضافة إلى كونه أصبح شرطى سير على الطريق الرابط بين المدينتين، ومع تصاعد الحرب انخفض سقف أهدافه الواقعية. ومع اتخاذ الثورة طريق التسلح، تغيرت شخصية الأسد من رئيس دولة إلى شخصية قائد الحرب البائس، وما زال يتنبأ بالنصر، لكن كلماته باتت أشد سوداوية مع اعترافه بالمجازر التى مورست باسمه، أما عن القوات المسلحة فقد تمددت حتى بلغت حد الانهيار بفعل هذه الأزمة. فعلى الورق يبلغ عدد أفراد الجيش 220 ألفا، لكن معظم جنوده من السنة، وولاؤهم للأسد -الذى تهيمن أقلية علوية على نظامه- غير مضمون دائما. ومن ثم فإن عبء القتال وقع على وحدتين منفصلتين: الفرقة الرابعة بقيادة أخيه ماهر والحرس الجمهورى. وهذان التشكيلان معا لا يتعدى عددهما ثلاثين ألف فرد -أقل من 14% من كامل قوة الجيش- وقد حُملوا نصيب الأسد فى مهمة مقاتلة العصيان المسلح. وخاض هؤلاء الجنود حربا على مساحة تمتد من درعا فى الجنوب إلى إدلب فى الشمال، وقد دفعوا ثمنا باهظا وعددا كبيرا من القتلى على يد الثوار. ونظرا لانخفاض سقف أهدافه إلى مستوى الدفاع عن حفنة من المدن، وتشكيكه فى ولاء جزء من جيشه، لم يعد الأسد يبذل جهدا لتحقيق نصر كامل، ومع أن جزءا مركزيا من قواته الأمنية لا يزال يمكن الاعتماد عليه فى إطاعة الأوامر ودحر الثوار فى معارك هامشية، فإن الساعة الحقيقة بدأت تدق، وما زال بإمكان الرئيس السورى شراء بعض الوقت -ربما لعدة أشهر- لكنه لن يفوز. وبعد أن استثمرت الكثير فى بقائه حيا، ما الذى يدفع روسيا إلى التفكير بالحكمة من السعى لتجنب القدر المحتوم؟ الإجابة قد تكون -من باب المفارقة- فى فرص نجاح الأسد فى حلب. فإذا احتفظ بالجائزة وتشبث بدمشق وتخلى عن معظم بقية سوريا، فإنه بذلك يخبر العالم أن النصر الكامل لم يعد فى المتناول، حينها قد يصل أصدقاؤه إلى ذات الاستنتاجات التى توصل إليها.