كان عام 2011 يحمل لمصر وللمصريين الكثير، حينما بدأت حركة الشباب يوم 25 يناير، لم يتوقع أحد أن الأحداث ستتتابع لتصل إلى حراك شعبى جارف يوم 28 يناير، يسفر عن اعتصام فى ميدان التحرير لمدة 18 يوما، يعلن بعدها فرعون مصر حسني مبارك نخليه عن السلطة إلى مجلس حربه، والذي اتضح للجميع فيما بعد أنه هو الفرعون، وما كان مبارك إلا واجهة للحكم العسكري المترسخ فى مصر منذ العام 1952. ذلك الحكم العسكري، الذي يرسخ أركانه ويبسط نفوذه على مصر، فى إطار شكلى من الحياة المدنية، ونموذج هش من الديمقراطية، مثل فيه العسكر الطرف الضامن لبقاء دولتهم وحكمهم، وبحلول عام العام 1991 حين تولى المشير طنطاوي وزارة الدفاع، وبعد أن أمضى مبارك فى حكم مصر 10 سنوات، كان هذا العام بداية لهجمة عسكرية كاملة على مفاصل مدنية الدولة فى مصر، ونستطيع القول إنه في هذا العام كانت بداية تأسيس مملكة الفساد والمحسوبية المباركة فى المؤسسة العسكرية. ومن أهم ملامح هذه المملكة: أولا- التخلص الكامل من رجال حرب أكتوبر حتى صغار الضباط منهم. ثانيا- الإغداق على رجال العسكر من رتبة لواء لما هو أدنى بمكافأة ضخمة لنهاية الخدمة، بالإضافة إلى المعاش المرتفع مقارنة بالنظراء فى الوظائف الأخرى. ثالثا- فتح كافة المؤسسات فى قطاع الأعمال أو الحكومة أو القطاع الخاص أو حتى النوادي الرياضية والاجتماعية، والجامعات والأجهزة الإعلامية أمام الضباط المتقاعدين ليشغلوا مناصب مهمة فيها، مع مرتبات فى أغلب الأحيان خيالية. رابعا- فتح باب مد الخدمة لمدة تتراوح من 6 أشهر إلى سنة تتجدد أمام اللواءات أصحاب الولاء، بل وتعميم ما يسمى بدل الولاء (بدل نقدي). خامسا- ظل منصب رئيس الأجهزة الرقابية المدنية منصب يحتكره العسكر لسنوات (هتلر طنطاوى 1996 :2004)، (محمد التهامى 2004: 2011). سادسا- ظلت منظومة الحكم المحلى عسكرية بامتياز، فمن المحافظ العسكرى المعين من الرئيس، العسكرى بدوره، إلى رئيس الحى والمدينة، فرؤساء المجالس المحلية، بما في ذلك المنتخبة منهم، غالبيتها من العسكر. هذه بعض ملامح مملكة العسكر في مصر، ولعل أخطر ملامح هذه المملكة هو الجانب الاقتصادي بالطبع، فقد دشن المشير أبو غزالة وزير الدفاع الأسبق، سلسلة مشروعات اقتصادية ضخمة لتحقق اكتفاء ذاتيا للجيش، لكن سرعان ما تحولت تلك الآلة الاقتصادية الضخمة إلى آلة مسيطرة، ومهيمنة على اقتصاد مصر، فالعسكر يتحكمون فى 40٪ من اقتصاد مصر، وقد كانت ميزانية الجيش فى أوائل التسعينيات 2.5 مليار جنيه لتصل فى 2012 الى 26 مليار جنيا، بالإضافة إلى المعونات الأمريكية التى ظلت ملفا سريا لا يخضع لأى إشراف أو رقابة، علاوة على ميزانية الجيش نفسها التى ظلت ولا زالت صندوقا أسودا غير معلوم. ومع بداية مشروع جمال مبارك فى وراثة أبيه، كان وجوده نفسه تهديدا واضحا لمملكة العسكر، باعتباره وجها مدنيا. ولما كان من المحتم الحصول على دعم ولو من حيث المبدأ من الإدارة الأمريكية والتى تتعامل بشكل براجماتي بحت، فهى حيث كانت المصالح كانت القرارات، وحيث كان أمن إسرائيل كانت الإدارة الأمريكية.. جمال مبارك كان بمنزلة ورقة لتحسين وجه الحكم فى مصر ليتحول إلى حكم مدنى ظاهريا على الأقل مع وجود المؤسسة العسكرية ضامنا لنظام الحكم، وبالطبع ضامنا للمصالح الأمريكية. لكن العسكر وإسرائيل لم تكن لتقبل بجمال مبارك خشية من سيطرة الإسلاميين على مقاليد الأمور في ظل حكم مدني، ولعل النموذج الفج الذى قدمه مبارك الابن ورجاله عام 2010 من إقصاء للإسلاميين فى الانتخابات البرلمانية، عبر تزوير فج، كان نموذجا ومحاولة لتقديم ورق اعتماده لدى الإدارة الامريكية، لكن ثورة الشباب فى 25 يناير أربكت كل الحسابات. تفتحت الأبواب على كل الاحتمالات، بل فكت الاشتباك القائم بين رجال مبارك الأب والمؤسسة العسكرية من جهة، وبين مبارك الابن والمؤسسة العسكرية ورجال الأعمال من جهة أخرى، ولعل أحداث الأربعاء 2/2/2011 فيما عرف إعلاميا بموقعة الجمل كانت نهاية مشروع مبارك الابن ومنع بدايات يوم الجمعة الذى تلا موقعة الجمل فاستعادت المؤسسة العسكرية السيطرة التامة واتخذت قرارها بإزاحة مبارك الأب والابن واستيعاب الموجة الثورية الهادرة.