لم تكن (تسيبى ليفنى) تمزح حينما أكدت فى تصريحاتها فى منتصف يونيو 2013: (إن إسرائيل تتدخل فيما يحدث فى مصر وتركيا، ومرسى وأردوغان سيدفعان الثمن جراء خروجهم من معسكرنا، وكل قائد ودولة فى المنطقة يجب أن يقرروا أن يكونوا إما جزء من معسكر الإرهاب والتطرف أو معسكر البراجماتية والاعتدال، منتقدة بذلك تأييد الرئيسين مرسى وأردوغان لدفاع الفلسطينيين عن بلادهم؛ حيث تعتبرهم إسرائيل إرهابيين ومن يؤيدهم فى كفاحهم المسلح هو منضم إلى معسكر الإرهاب، على حد قولها. وأكدت أنه إذا قرر قائد دولة ما مسارًا آخر غير الاعتدال فسيكون هناك ثمنًا لهذا) (*). وها نحن نرى أن الغارة الصهيونية المتحالفة مع العلمانية العسكرية قد أتت ثمارها فى مصر قلب الربيع العربى، كما أنها تعرقل المسار الانتقالى فى تونس، وما زالت تسعى للسيطرة على تركيا أردوغان الداعمة لثورات الحرية. إن الانقلاب العسكرى العلمانى فى مصر هو رأس حربة تلك الغارة المرتكزة على الدعم الخليجى مستهدفة بالأساس التيارات الإسلامية التى برزت كجسم رئيسى محرك للثورات العربية وداعم للمقاومة الفلسطينية وحاصد للاستحقاقات الديمقراطية فى آن واحد. فقد تكشفت خطورة التوجه الأيديولوجى للإخوان والإسلاميين المرتكز بالأساس على الأصالة والتحرر من التبعية للغرب والرافض للاعتراف بالكيان الصهيونى، لذا أتى الانقلاب لضرب الجسم الرئيسى للحركة الإسلامية فى مصر تمهيدًا لضربها فى الشرق بأكمله والتخلص من صداع الشتاء الإسلامى المخيم على المنطقة. لكن يبدو جليًا الآن أن هدف صانعى ومنفذى الانقلاب الدموى ليس مجرد تعطيل المسار الإسلامى؛ بل هو السعى لاستئصال الحركات الإسلامية من الجذور، وهو ما يفسر ارتكاب العسكر لمجزرة الأربعاء الأسود 14 أغسطس التى صنفتها (هيومن رايتس ووتش) أكبر مذبحة فى تاريخ مصر الحديث. ثم أتى تجميد أموال جميع الجمعيات الخيرية الإسلامية وإعلان جماعة الإخوان المسلمين الأكبر والأوسع انتشارًا كتنظيم إرهابى ليؤكد أن أجندة الانقلاب العسكرى الدموى تستهدف استئصال كل ما يمت للإسلاميين بصلة فى قرارات لم يجرؤ جمال عبد الناصر على اتخاذها؛ فتأميم جمعيات عريقة تأسست قبل الإخوان (1928) كالجمعية الشرعية (1912) وجمعية أنصار السنة المحمدية (1927) وكلاهما لا يمت للإخوان بصلة ولم تكونا عصيتين على الاختراق الأمنى، بل إن الثانية كان الكثير من دعاتها يهاجمون منهج الإخوان طوال حكم مبارك، ورغم ما يستتبع ذلك من تأثير خطير على شرائح من المصريين كانت تعتمد على تلك الجمعيات سواء فى الغذاء أو الكساء أو الدواء، وبالتوازى مع استيلاء الانقلابيين على 1055 جمعية خيرية إخوانية وتأميمهم ل 55 مدرسة إسلامية، كلها أدلة دامغة على أنهم يهدفون تجفيف كافة منابع العمل الإسلامى سعيًا للتخلص من الإسلاميين على المدى البعيد، أى أنهم يسعون مع سادتهم فى تل أبيب وواشنطن وحلفاؤهم فى الخليج إلى استئصال شأفة الإسلام السياسى فى مصر كمقدمة للتخلص من الكابوس الإسلامى فى الشرق توطيدًا لدعائم الحلف الصهيوأمريكى وأنظمة الفساد والاستبداد. تُرى ما هى خطوتهم القادمة إذا استتب لعسكر مصر انقلابهم؟ تبدو المؤشرات صارخة بأنها ستكون العدوان على غزة تحت دعوى محاربة الإرهاب الحمساوى، فكل الشواهد تؤكد ذلك بعد اتهام الجماعة الأم بالإرهاب ثم التهمة الهزلية للرئيس مرسى بالتخابر مع حماس، واتهامها بتحرير الرئيس مع باقى معتقلى جمعة الغضب 28 يناير، وأخيرًا الحملات الإعلامية المخابراتية المتواصلة على حماس على خلفية اضطرابات سيناء،بالتوازى مع تدمير الأنفاق وإغلاق معبر رفح لمنع أى مساعدات لغزة التى باتت تحت جنح الظلام وسط حصار صهيونى عربى لا تخطئه العين. لكن هل تنجح تلك الغارة على الشرق الإسلامى؟ إن استئصال الإسلاميين من المنطقة يبدو وهمًا زائفًا يستحيل تحقيقه فى ظل الخلفية الإسلامية الراسخة فى وجدان الأمة، ونستطيع أن نضرب مثالين واضحين لاستحالة القضاء على الفكر الإسلامى الشامل؛ أولهما هو الصحوة الإسلامية التى اجتاحت مصر أوائل السبعينيات واستمرت جذوتها حتى الآن رغم أن طاغية الستينيات فى خطاباته وهيكل وصحبه فى مقالاتهم قد توهموا فى 1965 أن الإخوان المسلمين قد تم القضاء عليهم للأبد!! والثانى هو الطاغية حافظ الأسد الذى سفك دماء عشرات الآلاف فى مذابح أبرزها التدمير الكامل لحماة فى 1982، وظل إعلام البعث يتغنى بالقضاء على الرجعية بعد أن زرع العداء للإسلاميين فى عقول النشء، ثم أفاقوا من أوهامهم على كابوس ثورة كبرى يقودها إسلاميون أشد بأسًا من رجال الثمانينيات. والحقيقة أن النضال الثورى الذى يقوده الإسلاميون والوطنيون فى مصر ضد الانقلاب الفاشى يعد خط الدفاع الأول ضد نجاح الغارة على الربيع العربى، وللمفارقة فان المقاومة فى غزة التى تمثل بخط الدفاع الاول ضد الصهاينة أضحت تنظر للثورة المصرية كعمق استراتيجى يحميها من اكتمال الإطباق عليها بين فكى كماشة الصهاينة وحلفائهم الانقلابيين فى مصر. فى هذا الإطار يجدر بنا أن نعى مدى خطورة وأهمية الحراك الثورى العارم ضد الانقلاب الدموى، وأن نتنادى ببذل كل غال ونفيس فى سبيل دحره، وتبدو مظاهرات الجمعة 27 ديسمبر دليلًا على أن أحرار هذا الشعب لا يبالون بقرارات الانقلابيين الخرقاء ويدركون مدى خطورة وعدالة قضيتهم والتى بقدر ما تسعى للحرية والكرامة والعدل بإنهاء الحكم العسكرى الفاسد والمستبد فهى فى ذات الوقت تسعى لتحرير ارادة الأمة من نير التبعية للحلف الصهيوأمريكى. أما عن عسكر الانقلاب الذين يسيرون على خطى جورج بوش فى وصف كل مقاومة سلمية لهم بالإرهاب فإننا نهديهم قول الشاعر: الغربُ يبكى خيفةً إذا صَنعتُ لُعبةً مِن عُلبةِ الثُقابِ وَهْوَ الّذى يصنعُ لي مِن جَسَدى مِشنَقَةً حِبالُها أعصابى! والغَربُ يرتاعُ إذا أذعتُ، يومًا، أَنّهُ مَزّقَ لى جلبابى. وهوَ الّذى يهيبُ بى أنْ أُذيعَ فرحتى ومُنتهى إعجابى.. إنْ مارسَ اغتصابى! رائعةٌ كُلُّ فعالِ الغربِ والأذنابِ أمّا أنا، فإنّنى مادامَ للحُريّةِ انتسابى فكُلُّ ما أفعَلُهُ نوعٌ مِنَ الإرهابِ!! ها أنَذا أقولُها..أكتُبُها.. أرسُمُها.. أَطبعُها على جبينِ الغرْبِ بالقُبقابِ: نَعَمْ.. أنا إرهابى!! __________________ (*) رابط فيديو تسيبى ليفنى: http://www.youtube.com/watch?v=iOUdYjEM_qc