رحل محمود الجوهري، أحد أهم رموز الكرة المصرية وأساطيرها عن دنيانا تاركا خلفه إرثا خططيا وكم من الإنجازات لا يقدر، بجانب خبرات حياتية تعينك على الصمود أمام مصاعب الدنيا. فالجنرال كما كان يلقب، له الفضل في كسر صيام عانى منه المصريين طيلة ما يزيد عن النصف قرن بست سنوات بعد قيادته للفراعنة إلى الوصول لمونديال 1990 لأول منذ 1934. وامتاز الجوهري – أحد أبطال حرب أكتوبر – بصرامته المغلفة بحب وأبوة تجاه لاعبيه، وهى الصفة التي أكدها عليه العديد من اللاعبين الذين لعبو تحت يده، بجانب النظام والدقة الشديدة. وظل الجوهري بإنجازاته رمزا لمختلف الأجيال، فمواليد الستينات والسبعينات يتذكروه لاعبا للأهلي، ومواليد الثمانينات يعلموه مدربا قاد المارد الأحمر للفوز بأول دوري أبطال إفريقيا في 1982 ثم مديرا فنيا حقق مع الزمالك دوري الأبطال والسوبر الإفريقي في 1993 ومواليد التسعينات عاشو معه فرحة الفوز بكأس أمم إفريقيا 1998. ويسرد FilGoal.com أبرز ما قيل عن الجوهري على لسان العديد من الشخصيات التي عايشته. هاني رمزي في بوركينا فاسو 98 لم نكن فعلا نسكن فندقا.. كان مقر إقامة بعثة منتخب مصر أشبه بأكواخ تنذر بأن الاستعداد للبطولة سيكون كارثيا. كابتن جوهري اجتمع معنا، وحل الموقف بفكرة غير تقليدية. قال لنا: سنقوم بمسابقة بسيطة، من سينظف كوخه ويجد لنا حلولا تزيدنا راحة في مقر الإقامة من ناحية تهوية الغرف والنظافة والانتظام سيفوز بجائزة مالية. اللاعبون يومها ابتكروا فعلا الكثير من الحلول واستخدموا أشياء غريبة لجعل إقامتنا أفضل، الأجواء وقتها في الفريق كانت رائعة. حسين بن علي في كأس أمم أسيا 2004، كنت جالسا مع رئيس الاتحاد الياباني لكرة القدم حيث تقيم بعثة منتخبهم وفريق الأردن الوطني.. كنا في المطعم. دخل منتخب الأردن المطعم في ذات التوقيت لتناول الغداء، وكان الجوهري منظما إلى درجة غير طبيعية.. الجهاز الفني أولا ثم اللاعبون، كل يعرف طاولته سلفا. كان منظر منتخبنا أشبه بالجيش العسكري، وقتها قال لي رئيس الاتحاد: الآن فقط سأقلق من مباراتنا معكم في دور الثمانية! الجوهري لم يكن يترك شيئا للظروف، نظامه حتى في الأشياء الدقيقة مثل الجلوس على الطاولات في المطاعم يجعل اللاعبين ينضبطون في كل تصرفاتهم، وينتقل هذا داخل الملعب. أحمد حسام كابتن جوهري الرجل الوحيد في حياتي الذي تقبلت منه الصراخ في وجهي وتوبيخي، الوحيد الذي يعنفني فأنظر في الأرض.. بين كل مدربي العالم الذين عملت معهم! أن ترى الجوهري فهذا يثير الذعر في نفسك، لست أنا فقط.. بل كل اللاعبين، كنا نهابه ونحترمه ونعشقه في الوقت نفسه. السبب؟ قدراته الإدارية والفنية غير عادية، تقريبا لقد علمني كل شيء في الحياة. هذا الرجل دائما نشعر بأنه في ظهورنا، بعد أي هزيمة يخرج ليتحمل الهزيمة.. لا يلوم لاعبا بل يحمينا ويحاوطنا، لهذا نطمئن لوجوده ونمنحه أرواحنا. كما أنه يجيد استثارة هممنا بشكل غير عادية، أتذكر أني لو كنت قابلت مغربيا في الشارع لتشاجرت معه من كثرة شحننا نفسيا لتقديم كل ما نملك في مباراة المغرب مثلا. اسلوب الجوهري أشبه كثيرا بما يفعله حاليا جوزيه مورينيو وينجح بسببه في كل الأندية، فلا يوجد لاعب يتدرب تحت يديه ولا يعتبره رمزا أمامه. أحمد حسن في كأس أمم إفريقيا 2004 كان مدرب المنتخب هو كابتن محسن صالح.. وقتها كان الفريق متأهلا بصعوبة من التصفيات.
انتهت البطولة بوداع حزين للمنتخب من الدور الأول، وبعد العودة لم تكن الأجواء جيدة والاتهامات تلقى جزافا على الجميع. وحين سأل مصطفى الأدور "هل اتهامات محسن صالح حقيقية بأنك كنت رجل الجوهري في المنتخب وأنك كنت تتصل بالرجل كثيرا". فكانت الإجابة "وهل الاتصال بكابتن جوهري جريمة!". سمير زاهر كان الجوهري يعيش المباريات قبلها بفترات طويلة، وتجده دوما يفكر في الخطة ومن الأفضل لشغلها ويبني الكثير من السيناريوهات في رأسه. في أحد المرات كان محمد رمضان لا يلعب أساسيا مع الأهلي، لكن الجوهري كان يرى في لاعب الترسانة السابق الأفضل لأداء دور خططي معين لمباراة في تصفيات كأس العالم على ما أتذكر. كان الجوهري يأخذ رمضان يوميا إلى دار الدفاع الجوي، ويحاول رفع مستواه فنيا وبدنيا وينسق مع الجهاز الفني للأهلي حتى بات اللاعب جاهزا، وبالفعل تألق جدا في اللقاء وتوجه بالشكر لمدرب المنتخب. عادة دار الدفاع الجوي لم تنقطع، واستمرت مع عبد الستار صبري وحازم إمام وكل لاعب احتاجه الجوهري ولم يكن في أفضل حالاته.. هذا أحد أسباب نجاح هذا الرجل وثقتنا التامة في قدراته. سمير عدلي الجوهري يملك كما غير عادي من شرائط الفيديو في منزله، تقريبا كل منتخب في إفريقيا أو واجهه الرجل من قبل له لقطات. دائما ما يهتم الجوهري بتسجيل كل المباريات، يتصل بلاعبيه ومساعديه للتعلم من بعض الفنيات في المباريات. يجمع لقطات للاعب بعينه سيكون خصمنا التالي، يأتي باللاعبين في منزله ليشاهدوا معه كيف يلعب هذا الخصم وما المهام المطلوبة منهم لرقابته أو عبوره. محمود سعد بعد موسم ال6-1.. كان كمال درويش رئيس الزمالك وقتها يبحث عن مدير فني جديد خلفا للألماني أوتوبفستر. تم عرض الكثير من الأسماء، وكان من دواعي سروري أني أحظى بأهمية لدى مجلس الإدارة كمدرب عام في الفريق. لكني أخطرت الإدارة أني لن أعمل مع مدير فني مصري، سوى محمود الجوهري فقط. فهو الوحيد الذي يملك الخبرة التي تفيدني لو كنا نتحدث عن المدربين الوطنيين. حسام حسن كان عمري 18عاما حين قرر كابتن الجوهري تصعيدي للفريق الأول في الأهلي. ومن حينها وجدت والدي الروحي. وقف بجانبي في كأس العالم، في احترافي، عودتي، انتقالي للزمالك، فترة عدم تسجيلي وفترات إصاباتي. أدين لهذا الرجل بكل ما وصلت إليه، ولي الشرف أن يقارنوني به كمدرب. حسن المستكاوي أحيانا يشعر الإعلاميون أن الجوهري يتكبر عليهم، بمعنى أدق يستعرض باستخدام المسطلحات المعقدة كرويا مثل المرونة الخططية وما إلى ذلك. طلبت منه أن يقلل من تلك التعبيرات ليفهم الرجل البسيط، فقال لي إن أبنه احمد طلب منه ذلك أيضا. ثم أوضح لي "لماذا لا نرتقي بهم أفضل من نخدعهم بكلمات معسولة لا معنى لها فنيا، وظيفتنا أن يفهموا مصطلحات كرة القدم فعلا.. لو فشلنا في ذلك فإنها مسؤوليتنا".