قرر رجل الأعمال السعودى منصور بن كدسة، قبل نحو 5 أعوام، تغيير نشاط فضائية «الخليجية» كقناة متخصصة، إلى فضائية سلفية تبث «الوعظ الدينى»، بعد سنوات من تخصصها فى إذاعة الأغانى المصورة، المصحوبة بوصلات الرقص والاستعراض الجسدى، وكان معروفاً بأنه صاحب استثمارات سابقة فى هذا المجال، إلا أن القناة أعلنت «توبتها» بعد النجاح الكبير لشقيقتها الصغرى «الناس» فى الوعظ السلفى. لم يكن استثمار الرجل فى هذا المجال مختلفاً كثيراً عن غيره، ممن دخلوا مجال الاستثمار فى الإعلام، وفى الفضائيات بشكل خاص، فأطلق الأمير السعودى الوليد بن طلال قناة «الرسالة» الإسلامية ضمن باقة قنوات روتانا الفنية، وسبقه ابن بلده، رجل الأعمال صالح كامل فى إطلاق قناة «اقرأ» الإسلامية كجزء من باقة قنوات راديو وتليفزيون العرب (إيه آر تى) المتنوعة. وفى بدايتها كانت «الناس» نفسها حددت وجهتها كقناة ترفيهية متنوعة، تقدم برامج الغناء، ولا تختلف كثيراً عن قناة «ميلودى» وباقى قنوات «الميوزك»، وكان شعارها فى تلك المرحلة «قناة الناس لكل الناس»، قبل أن تتحول بداية من يناير 2006 إلى قناة دينية سلفية بالكامل، لتختار لها شعاراً جديداً يناسب المرحلة الجديدة «قناة الناس.. شاشة تأخذك للجنة!». كانت الحالة السلفية آخذة فى التصاعد، وثمة جمهور سلفى يتزايد على ما يبدو بسبب التضييق الأمنى الذى مارسه النظام السابق على جماعات الإسلام السياسى، ما خلق الحاجة لفضائيات سلفية تلبى ظمأ المشاهد ذى الميل السلفى، فى ظل المشهد الدينى الفضائى التقليدى، سواء كانت رسمية أو أزهرية. من ناحية أخرى، ثمة دعاة كبار لهم جمهورهم وجماهيريتهم ولا يجدون، برغم ذلك، فضاء للدعوة خارج الوعظ «المسجدى» الذى نجحوا فيه، وهم يمتلكون القدرة على جذب هذا الجمهور إلى قناة فضائية، ووقعت «الناس» على نجوم آخرين فى الوعظ لديهم كل إمكانات نجوم الوعظ التليفزيونى. ثم كانت الضمانة الأكثر أهمية فى إمكانية تحييد السياسة والسياسى من هذا الوعظ تلافياً للمنع أو إثارة النظام؛ وهو ما أمكن تحقيقه عبر عدد من أبرز شيوخ الوعظ المباشر المعتزلين للسياسة فى ذلك الوقت مثل محمد حسان، وحسين يعقوب، وأبوإسحاق الحوينى، ومحمود المصرى، وسالم أبوالفتوح، وآخرين. بأقل تكلفة مادية وبشرية؛ نجحت تجربة «الناس» نجاحاً «معتبراً»، حتى صارت الأكثر مشاهدة بين القنوات الدينية، بظهور الوجوه السلفية الشهيرة فى بضعة أشهر، وأول قناة فضائية من بين القنوات الإسلامية التى يتابعها الجمهور، ورغم ضعف الإمكانات الذى استمر مع المرحلة الجديدة، حققت «الناس» انتشاراً واسعاً ولافتاً للانتباه، واحتلت قائمة اهتمامات المصريين، فهى القناة المفضلة لدى أكثر من 70% من الشعب، حسب تقديرات أطلقها بعض الكتاب والصحفيين. بدأت بعدها «الخليجية» فى تغيير جلدها الفضائى، بتغيير ترددها على «النايل سات» القمر الصناعى المصرى، ثم رفعت شعار «نور وبصيرة» لاستكمال مسيرتها الإعلامية وبدأت ببث القرآن الكريم، وكثير من الأناشيد والكليبات الإسلامية، وعُين علاء يعقوب، نجل الشيخ حسين يعقوب مديراً للإعداد بالقناة. وعانى المشاهد بعد ذلك من كثافة الإعلانات التجارية ذات النزعة الاستهلاكية المفرطة التى جعلتها أقرب إلى «سوبر ماركت» كبير، ففى الوقت الذى يدعو فيه الشيوخ والدعاة إلى الالتزام الكامل بتعاليم الإسلام وأخلاقه وما فيها من زهد وورع وتعفف، كانت القناة تغرق مشاهديها بأنماط مختلفة من السلع الاستهلاكية، يحمل بعضها أسماء أجنبية، بدءاً من الملابس، وأعشاب التخسيس، وعلاج العقم، مروراً بإكسير الحياة الذى يعيد للمسن شبابه وحيويته الجنسية، وانتهاء بالمراتب والألحفة. وقبل الثورة قررت تلك الفضائيات الابتعاد عن مساحة التعرض للسلطة، أو مجرد الخوض فى السياسة بقرار مبدئى بالكف عنها، أو المنع منها على الشاشة لضرورة الحفاظ على استمرارية الوجود، ومن ثم تبليغ الدعوة، ولم تتعرض لقضايا الأمة الأساسية مثل قضايا المقاومة، فضلاً عن الجهاد ولو بشروطه الشرعية. وإلى النقيض تماماً تحولت تلك الفضائيات بعد الثورة، فهى لم تتطرق فقط إلى أمور السياسة، وإنما اتخذت نفسها موقعاً لقصف المختلفين فكرياً، على أساس أنهم مخالفون للمنهج الإسلامى، وبدأت فى تجريح الرموز السياسية والفكرية المصرية، عن طريق شيوخ إعلاميين أمثال الشيخ خالد عبدالله. أخبار متعلقة: «الوطن» تفتح ملف «الإسلام السياسي».. «الكلمة» فى مواجهة «السيف» «الجماعة» والإعلام: «الإخوان» لا تعطى لأحد الحق فى معرفة ما يدور بداخلها.. وتعتبر «الكتمان» جزءاً من عقيدتها «شيوخ الفضائيات» منعوا المختلفين معهم ومنعوهم من الظهور.. وشكلوا «لجنة شرعية» لمراجعة البرامج «لا تخرقوا سفينة الدعوة» المنشور الذى أنهى ظاهرة «المدونين الإخوان»