بعد أسبوع من إصابته فى أحداث قصر الاتحادية، خرج المسئولون فى مستشفى القصر العينى ليعلنوا أمس الأول وفاة الحسينى أبوضيف شهيد الصحافة، لينتشر الخبر على شبكات التواصل الاجتماعى، ويبدأ توافد زملائه من مختلف الصحف على ثلاجة المستشفى الموجودة بالقرب من كوبرى الجامعة، رجال محزونون، وسيدات متشحات بالسواد يجلسن على دكك رخامية باستراحة الثلاجة. حالة من الوجوم تخيم على الجميع، الكل يفكر فى ذكرياته مع الشهيد، يدخل بعضهم فى حالة بكاء هيستيرى. تمكن أعضاء مجلس نقابة الصحفيين من إقناع ذويه بضرورة تشريح جثته لإثبات سبب الوفاة، إقناعهم لم يكن بالأمر السهل استغرق وقتا طويلا، معلومات تتردد عن أن جثمان الحسينى سينقل إلى مشرحة زينهم، وآخرون يؤكدون أنهم أجروا اتصالات وأن الطبيب الشرعى سيحضر للمستشفى، خالد على المرشح الرئاسى السابق كان له دور كبير فى حضور الطبيب الشرعى، الأعداد تتزايد فى الاستراحة وبداخل الثلاجة، يمر الوقت وظلام الليل يكسو المكان والجميع ينتظر حضور الطبيب الشرعى. أنهى كارم محمود سكرتير عام النقابة كل الإجراءات المتعلقة بالجنازة بالاتفاق مع أسرته، الكاتب الصحفى عادل حمودة رئيس تحرير الفجر يحضر إلى المكان، وسيارة بترولية اللون تنتظر حمل الجثة إلى النقابة، ومنها إلى مسجد عمر مكرم فى التحرير ثم تغادر القاهرة إلى سوهاج حيث مسقط رأسه، يحضر أخيراً الطبيب الشرعى إلى الثلاجة مع أذان صلاة العشاء ويدخل من الباب الخلفى، تملك الغضب من زملائه وبدأوا يرددون الهتافات ضد المرشد والإخوان، بينما يطلب منهم آخرون الكف عن ذلك نظرا لهيبة الجنازة، فيقررون تنظيم مسيرة إلى نقابة الصحفيين بعد أن وزع البعض صور الحسينى. أعضاء مجلس النقابة يطلبون من الحضور سرعة التوجه إلى النقابة، والانضمام إلى الموجودين هناك، مؤكدين أن الطبيب الشرعى أوشك على إنهاء عمله، أصدقاء الحسينى لم يكونوا سعداء بتشريح جسده لكن الوضع الحالى أجبرهم على ذلك. ينتهى الدكتور محمد نبيل، والفنى محمود طلبة العياط، من تشريح جثمان الصحفى الحسينى أبوضيف، ويثبت التقرير المبدئى أن سبب الوفاة هو إصابة نارية فى الرأس، أحدثت كسورا بالجمجمة، وتهتك بالمخ والسحايا. الآلاف كانوا فى انتظار جثمان الحسينى عند نقابة الصحفيين يرددون هتافات «يا حسينى يا ولد دمك بيحرك بلد»، و«يا حسينى يا بطل دمك بيحرر وطن»، «لا إله إلا الله الشهيد حبيب الله». مع زيادة الأعداد أمام النقابة، تنطلق مسيرة باتجاه نقابة المحامين تهتف بسقوط الإخوان وسقوط حكم المرشد، يمنعون السيارات من دخول الشارع، بهو النقابة كان مزدحما بعشرات الصحفيين، والسياسيين، والفنانين، والنشطاء السياسيين، حضروا لتشييع رفيق الميدان الثائر. مسيرة الصحفيين التى خرجت من مستشفى القصر العينى تصل إلى النقابة وهى تهتف: «يا حسينى يا بطل دمك مش هيروح هدر»، وسيارة التشييع تحضر أخيراً إلى شارع عبدالخالق ثروت يهرول الصحفيون نحوها، الكل يحاول الإمساك بها، تتوقف لدقائق أمام النقابة، ذلك المكان الذى تظاهر وهتف فيه بسقوط الطغاة، سيارة ربع نقل تتقدم الجنازة تحمل صورا كبيرة له، ولافتات تطالب بالقصاص من قتلته، نوارة نجم تحاول جاهدة الإمساك بمؤخرة السيارة وهى غارقة فى الدموع، وتهتف: «لا إخوان ولا مسلمين باعوا الثورة باسم الدين»، يردد من يحيط بها الهتاف. سكان شارع عبدالخالق ثروت وأصحاب المحلات الموجودة فى شارع طلعت حرب مندهشون من حجم الجنازة، وعدد المشاركين فيها، يتعاطفون مع صرخات زملائه وزميلاته، يترحمون عليه من كثرة ما رأوا وما سمعوا من هتافات. الأعداد الكبيرة التى كانت تتقدم سيارة الإسعاف أجبرت السائق على السير ببطء شديد، سيدة خمسينية تصرخ وتقول: «ولدى يا ولدى مرسى قتل ولدى»، والجميع يردد خلفها. الجنازة تسير فى الشوارع التى طالما كان يسير فيها الحسينى عند تردده على ميدان التحرير. تدخل الجنازة فى تمام العاشرة والنصف ميدان التحرير، صوت تلاوة القرآن الكريم يملأ الميدان بعد أن أذاعته منصة الميدان، يدعو من بها فى الميكروفون للحسينى وسط تأمين الآلاف من المشيعين. هذه هى آخر مرة يزور أبوضيف فيها الميدان الثائر الذى تعرف من خلاله على معظم مشيعيه الآن. تقترب السيارة من مسجد عمر مكرم، حشود هائلة تندفع نحو السيارة، الكل يريد أن يشارك فى حمل جثمانه، مصورو القنوات الفضائية يتسابقون فى أخذ مواقعهم لتصويره لدى خروجه من السيارة، المسجد ممتلئ عن آخره بالمصلين، لم يستطع أحد ممن ساروا فى جنازته طوال الوقت دخول المسجد لعدم وجود موضع لقدم بالداخل رغم اتساع المسجد، فقرروا صلاة الجنازة عليه بالخارج مصطفين خلف الإمام، يدخل الفقيد من باب المسجد بصعوبة بالغة نظرا لكثرة الأعداد، يصلى عليه، ويدعو له الإمام بفسيح الجنات، ورفع السيئات، وأن يحشره مع النبيين والصديقين والشهداء {وحسن أولئك رفيقا}. خروج جثمان أبوضيف من المسجد لم يكن بالأمر السهل أيضاً، استغرق وقتاً لإبعاد المصلين من حوله ومن أمام الباب. لدى خروج الجثمان تتعالى الهتافات «لا إله إلا الله»، أصدقاؤه يودعونه بالبكاء والصرخات، يلوحون بأيديهم؛ مع السلامة يا بطل، مع السلامة يا شهيد. تنطلق السيارة بسرعة، يهرول خلفها الناس لكنها لا تتوقف، الهتافات المعادية للنظام تعود من جديد.من خلال مسيرة حاشدة، تدخل ميدان التحرير، أتوبيسان ينتظران بقلب ميدان التحرير ليركبها من يريد من أصدقاء الحسينى لدفنه فى مسقط رأسه بطما بسوهاج، حيث غادره من سنوات لإتمام حلمه فى العمل الصحفى، لكنه عاد إليه محمولاً فى صندوق.