لم يكن فى مصر قبل ثلاث أعوام أى وجود للنقابات العمالية المستقلة، بل مجرد محاولات بسيطة على استحياء، ومارست وزيرة القوى العاملة السابقة عائشة عبد الهادى دور القمع بمهارة حتى تجهض كل محاولات إنشاء نقابات مستقلة، رفضت الأوراق لأسباب قانونية، وأحيانا تلجأ إلى البلاغات ومحاضر رسمية للقضاء على حقوق العمال. لم تلتزم الحكومة يوما بالمعاهدات الدولية التى وقعت عليها مصر، والتي تسمح بالتعددية النقابية، لكن الوزارة لم تنظم يوما ما الشكل القانوني لإنشاء نقابات مستقلة. نستعرض هنا تاريخ إنشاء النقابات المستقلة التى ما زالت تزاحم من أجل الوصول لحقوق العمالة المهدرة فى كل شبر فى مصر. النقابة العامة للعاملين بالضرائب العقارية: انطلقت الشرارة الأولى فى سبتمبر 2009 حين احتج موظفو الضرائب العقارية وأعلنوا عن تأسيس نقابتهم المستقلة بقيادة الكادر العمالى كمال أبو عيطة بعد أن طفح الكيل من ضياع حقوقهم. لم يمر هذا التحرك العمالي بسلام، حيث كانت البلاد تعانى من نظام مبارك الفاسد الذي بدأ في مقاومة الاتحاد الرسمي للعمال التابع لوزارة القوى العاملة، واتهم أبو عيطة بمحاولة تفتيت العمال، وخضع للتحقيق فى نيابة العمرانية بالجيزة إثر بلاغ تقدم به فاروق شحاتة العوضى رئيس النقابة العامة للعاملين بالبنوك والتأمينات والأعمال المالية بتهم تأسيس نقابة بطريقة غير قانونية، تهديد الأمن العام لمصر، استئجار مقر بالمخالفة لقانون النقابات العمالية. تجمهر 100 موظف من الضرائب العقارية أمام النيابة تضامنا مع أبو عيطة حتى أفرج عنه، لكن ظل الصراع قائما بين النقابة غير الرسمية ونظيرتها الحكومية حتى قيام ثورة 25 يناير، لاعتراض وزارة القوى العاملة على التعددية النقابية. النقابة العامة لأصحاب المعاشات جاءت بعد ذلك محاولة تأسيس النقابة العامة لأصحاب المعاشات فى أبريل 2010، وعند تقديم الأوراق إلى وزارة القوى العاملة والهجرة رفضتها بحجة أن طلب اتحاد أصحاب المعاشات غير قانونى، وعليهم إنشاء روابط أو جمعيات أهلية بدلا من النقابة. قرر الوفد أن يحرر محضر إثبات حالة بقسم شرطة مدينة نصر، ثم توجه إلى مكتب منظمة العمل الدولية بالقاهرة لإبلاغهم بالواقعة التي تخالف تفاقيات الدولية وقعتها مصر. تعلقت مشكلات وهموم 8.5 مليون صاحب معاش بضوء الأمل الصغير فى وجود نقابة تحمى حقوقهم ومصالحهم الاقتصادية، وتوفر لهم الرعاية الصحية، وتقدم الخدمات الاجتماعية. عقب ثورة 25 يناير عاد ضوء الأمل يبزغ من جديد ووافق أحمد البرعى وزير القوى العاملة السابق على إنشاء نقابة مستقلة لأصحاب المعاشات بعيدا عن الاتحادات الحكومية في مارس 2011، ووصف مؤسس النقابة البدرى فرغلى وعضو مجلس الشعب عن دائرة بورسعيد، القرار بأنه "تاريخى"، وبداية للحرية النقابية فى مصر، التى كانت على القائمة السوداء لدى منظمة العمل الدولية والاتحاد الدولى للنقابات. النقابة العامة للعلوم الصحية نجح 13 ألف توقيع فى إنشاء نقابة لخريجى المعاهد الفنية الصحية قبل قيام ثورة 25 يناير بأيام، تحديدا فى ديسمبر 2010، وقرر أعضاء النقابة المستقلة الجديدة الاحتفال داخل نقابة الصحفيين. بدأت فكرة إنشاء نقابة مستقلة تحمى حقوق العمال الفنيين بالصحة بكتابة بيان من الفنيين طالبوا فيه بحقهم في إنشاء نقابة مستقلة تعمل على تطوير المعاهد الفنية الصحية، وتحمى حقوق أكثر من 300 ألف فنى على مستوى الجمهورية. نقابة المعلمين المستقلة رفضت الوزيرة السابقة عائشة عبد الهادى مثل العادة في صيف 2010 أوراق تأسيس نقابة مستقلة للمعلمين، ومع رحيلها بسقوط المخلوع، عاد الوفد الممثل عن النقابة بخطوات الأمل وسلم إخطارًا بتأسيس أول نقابة مستقلة رسمية تهتم بشؤون المعلم. وفى بداية العام الدراسى 2011 دعت النقابة المستقلة برئاسة حسن أحمد نقيب المعلمين إلى الامتناع عن الذهاب للمدارس والإضراب احتجاجا على سياسات الحكومة وتجاهل الوزارة لمطالبهم. أخيرا، اتحاد مصري للنقابات المستقلة انتهى عصر الاستبداد وأصبح للعمال فى مارس2011 اتحاد مصري للنقابات المستقلة رئيسه كمال أبو عيطة، تبلغ عضوية العمال المشتركين فى الاتحاد نحو 50 ألف عامل. فتحت الثورة باب التعددية بعد أن تزحزحت القوى الفاسدة التى كانت تصد الطرق وتعرقل السكك إلى الحقوق، الآن أصبحت هناك نقابات فى طريقها إلى التأسيس وبعضها بدأ العمل بالفعل، من بينها نقابة عمال النقل العام، ونقابة عمال البناء والأخشاب، ونقابة موظفي القوى العاملة، وعمال النسيج، ونقابة البحارة المصرية، وموظفي مراكز المعلومات، ومازال هناك المزيد فى الطريق من أجل تصليح أوضاع العمل فى مصر.