سعدت بمداخلة الرئيس السيسى مع أسامة كمال حول مجلة «نور»، التى أعلن الرئيس دعمها، لم تكن سعادتى فقط لحسن اختيار المذيع، فأسامة ليس من المطبلاتية الذين ينتظرون (نظرة) أو (إشارة)، لكن لأن ملف الأطفال هو شغلى الشاغل منذ سنوات، وكنت قد تحدثت عنه مع الرئيس قبل عام أو يزيد وكتبت أكثر من مرة مؤكداً أن الطفل مشروع أمن قومى، وأنه استثمار فى المستقبل الذى سندفع ثمن تأخرنا فيه لو لم نلحق بأطفالنا هذه الأيام، والواقع أن الأهم من دعم الرئيس لمجلة هو تبنى مشروع متكامل للطفل المصرى الذى أهملته الدولة، وتفرقت شئونه بين الوزارات والهيئات دون أن يقدم له أحد يد العون. هل تسمع عما يسمى (المركز القومى لثقافة الطفل)، أو (المجلس القومى للطفولة والتنمية)؟ بل هل تعرف برنامجاً مميزاً لأطفالك يتابعونه على شاشة التليفزيون المصرى؟ هل تشترى له مجلة بخلاف (ميكى)؟ هل تقدم له (محتوى) مميزاً فى إعلامك يبنيه ويهتم به أم تتركه أمام القنوات الأجنبية؟ دعنى أقل لك ماذا كنا وكيف أصبحنا وبماذا نحلم. كنا مهتمين بهذا الملف، وكان كبار الكتاب والرسامين يقدمون للطفل محتوى مميزاً فى المدارس والبرامج والصحف. كانت لدينا مجلة عظيمة اسمها (سمير) توزع ما يصل لمائتى ألف نسخة، ولم يعد يدعمها الآن أحد، فى الوقت الذى تربت فيه أجيال على مجلة (ماجد) الإماراتية التى كانت، وما زالت، أبرز مصادر القوى الناعمة للدولة الشقيقة، والتى يشارك فى كتابة قصصها ورسمها مصريون فى الأساس، بل وأزيدك من الشعر بيتاً، مناهج التعليم الإماراتية يشارك فى صياغتها مصريون وفق أحدث طرق ومناهج التعليم فى العالم، وبينما نعيش على أطلال الماضى، ونحلم بعودة بقلظ وماما نجوى، تنشئ قطر قناتان للأطفال، إحداهما لمرحلة ما قبل المدرسة، والثانية لمرحلة الفتيان والفتيات، وبعد أن كان لدينا أغنيات أطفال ربت أجيالاً أصبحنا نترك أطفالنا أمام قناة طيور الجنة التى صنعت لهم أغنية (مصر حزينة) مستعينة بمشاهد من فض اعتصام رابعة!! كنا نربى أطفالاً مبدعين، يجدون قصور ثقافة ومراكز شباب ومنابر يعبرون فيها عن أنفسهم، وترعاهم الدولة وتخصص لهم عيداً سنوياً، ومهرجاناً للقراءة يحظى بدعم رئاسى، ثم الآن لا شىء. نعيش على أطلال (بكار) ونحلم بإعادة تقديم (بوجى وطمطم) ونتمنى أن يشاهد أطفالنا تسجيلات (البرلمان الصغير)، أما الآن فلا نجد مكاناً لاكتشاف المواهب فى أطفالنا، فلم تعد المدرسة مدرسة، ولا أصبح أحد يهتم بالطفل، وهى مناسبة لتحية مذيعة الراديو الرائعة الصديقة زهرة رامى، التى تخصص جزءاً من برنامجها الصباحى على راديو «هيتس» للأطفال الذين يتصلون بها خصيصاً ليحيوا العلم، ويغنوا معها النشيد الوطنى، فى الوقت الذى توجد فيه مدارس دولية تحيى علم الدولة التابعة لها المدرسة وليس علم مصر!! إذن فما المطلوب؟ المطلوب هو إدراك للمصيبة واعتراف بها لكى نبدأ الحل، والحل يبدأ من رؤية متكاملة لمشروع واضح الملامح للطفل المصرى ترعاه مؤسسة الرئاسة من خلال (مجلس قومى أو رئاسى لشئون الطفل) يضم خبراء فى كل ما يخص الطفل ويدخل تحت جناحه هيئات الدولة المسئولة عن الطفل ليعاد هيكلتها بما يلائم الواقع، وطفل هذه الأيام الذى يفهم أفضل من كبار يجلسون فى موقع المسئولية عنه!! المطلوب مراجعة حقيقية لمناهج التعليم الأساسى وتعليم ما قبل المدرسة والاستفادة من نموذج (التعليم الترفيهى) أو ال edutainment، الذى يقوم عليه العالم، بل البرامج العالمية الشهيرة مثل (عالم سمسم) الذى يجب الاستفادة من تجربته فى مصر. بل يمكننى أن أقترح الاستعانة بشركات مصرية متخصصة صنعت مناهج الدراسة فى العديد من دول العالم، والغريب أنها موجودة فى مصر وتلاقى العديد من المصاعب. مطلوب تفعيل حقيقى لفكرة (جامعة الطفل) التى ظهرت فى غفلة وماتت فى غفلة فلم يعرف أحد عنها شيئاً، ولم يفعلها أحد كما يجب. مطلوب إدراك واقع (الجمهور المستهدف) من الأطفال، فمحتوى طفل ما قبل المدرسة ومشروعه يختلف عن محتوى طفل يكبر عن عمره بما يراه ويشاهده ويحياه، وبدلاً من أن نهتم به نتركه لأفلام «السبكى» التى أصبحت تخاطب شرائح الأطفال والمراهقين وتحقق نجاحاً كبيراً. مطلوب عدم نسيان أطفال الشوارع، والأطفال ذوى القدرات الخاصة، والأطفال الموجودين فى دور رعاية الأحداث. مطلوب أن يدرك الجميع أن الأطفال ليسوا «لَقطة» أو «شو إعلامى» نهتم به لأن الرئيس أجرى مداخلة، بل قضية أمن قومى يجب أن نهتم به جميعاً.