أثارت توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى لوزير الصناعة بضرورة التوسُّع فى المنطقة الصناعية بمدينة قويسنا التابعة لمحافظة المنوفية، لفتح الطريق أمام بناء عدد جديد من المصانع والورش الكبرى، وتذليل العقبات أمام المستثمرين وأصحاب المشروعات الصغيرة، غضب عشرات المستثمرين وأصحاب المصانع، الذين يعانون من رحلة «الكعب الداير» منذ ما يزيد على عامين، لإنهاء استخراج تراخيص عمل لمصانعهم فى المنطقة ذاتها، والمقامة على قطع أرض مملوكة لهم اشتروها من الأهالى، وحولوها من مقلب عامّ للقمامة إلى منشآت إنتاجية يعمل فى كل واحدة منها ما بين 150 و200 عامل، ليفاجَؤوا منذ عدة أشهُر بقرارات من عدد من الأجهزة المعنية تطالبهم بوقف العمل وإزالة تلك المصانع نتيجة عدم حصولهم على تراخيص عمل وإنتاج. أصحابها: الاستيراد يحقق لنا أرباحاً أكثر.. لكن هدفنا وضع علامة «صنع فى مصر» على المنتجات «الوطن» زارت مجمع المصانع المهدَّد بالإغلاق والإزالة فى مدينة قويسنا بمحافظة المنوفية، واستمعت إلى شكاوى صغار المستثمرين، ورصدت رحلة الإنتاج داخل جدران تلك المصانع. «الأرض دى من 15 سنة كانت مقلب زبالة تابع للمحافظة، مافيهاش وسائل زراعة، اشترينا فيها علشان نعمل مشاريع لبلدنا، وبدل ما نفضل مستهلكين نتحول لمنتجين»، يضيف رأفت شحاتة، صاحب مصنع لإنتاج المربى والمواد الغذائية، «الغرض الرئيسى من شرائنا تلك الأراضى هو إقامة مشروعات منتجة، يعمل بها الشباب، ونستطيع من خلالها إنتاج منتج مصرى مدوَّن عليه عبارة (صُنع فى مصر)، وليس (صنع فى الصين أو تركيا) كما هو سائد الآن، مع العلم بأن العمل بالاستيراد والتصدير يحقِّق لنا ربحاً أكبر بمجهود أقل، وعلى الرغم من ذلك جئنا إلى تلك المنطقة وهى هرم من القمامة، وحوّلناها بالجهود الذاتية إلى مجمع مصانع يزيد على 50 مصنعاً، وسريعاً دارت بها عجلة الإنتاج، وبعد مرور ما يقرب من ثلاث سنوات على عملها، تقدمنا بطلب إلى الجهات المختصة لرصف الطريق، على نفقتنا الخاصة، للتيسير على السيارات عند دخولها وخروجها، ففوجئنا بردّ تلك الجهات بأننا نعمل بطريقة عشوائية (تحت الأرض) وليس لنا الحق فى المطالبة بأى خدمات». محافظ المنوفية: المصانع مقامة على أراض زراعية ولم يحصل أصحابها على موافقات بناء أو تشغيل تاريخ قطعة الأرض التى تزيد مساحتها على 60 فداناً يعود إلى ما قبل 20 عاماً، حسب قول «شحاتة»، الذى يقول إنها كانت مقلب زبالة بعقود رسمية بين مالك الأرض ومجلس مدينة قويسنا بمحافظة المنوفية، وأصبحت غير صالحة للزراعة طبقاً لعديد من التقارير الصادرة عن المركز القومى للبحوث الزراعية التابع لوزارة الزراعة، والتى تؤكّد عدم صلاحيتها للزراعة أو الاستخدام لاحتوائها على عديد من العناصر الخطرة على صحة الإنسان والحيوان، نتيجة تحلُّل القمامة بها على مدار 15 سنة، بالإضافة إلى كونها منطقة جبلية منخفضة عن المناطق المحيطة بها بمعدل مترين ونصف المتر، فتحولت إلى ملتقى للمياه الجوفية والصرف الصحى. سور طويل يمتد لمئات الأمتار بارتفاع قصير، يفصل بين المنطقة الصناعية بقويسنا، ومقلب القمامة الكبير الذى حوّله صغار المستثمرين بالمنطقة إلى عشرات المصانع والورش الصغيرة، بوابات مغلقة على عشرات العمال داخل كل مصنع، آثروا العمل فى «كتمة» الجدران هرباً من مَحاضر موظفى الحى وبعض الجهات المنوط بها الاستثمار والمنتجين، الذين لا يكفون عن تغريمهم، حسب وصف بعض العمال. يقول ياسر رجب، صاحب مصنع منظفات صناعية، إن تلك المنطقة كانت محطة الصرف الرئيسية للمناطق الصناعية الأربع والقرى المجاورة ومصبغة قويسنا، وتجلى ذلك بوضوح فى موت المحاصيل كافة التى زُرعت فيها، وبعد إنشاء وزارة البيئة مصنع تدوير القمامة وتحويلها إلى أسمدة، استغنوا عن تلك المنطقة، ولكونها ملاصقة للمنطقة الصناعية اشتريناها، لنكون مجاورين للمصانع من ناحية، ولأن غالبية منتجاتنا غير مرخص لها العمل وسط كتل سكنية من ناحية أخرى. وأضاف «رجب» أن تعنُّت الأجهزة المعنيَّة ضدَّ صغار المستثمرين لا يتوافق مع تشجيع الرئيس السيسى وحديثه المستمر عن ضرورة الاهتمام بالصناعات الصغيرة وتذليل العقبات أمامها من أجل تنميتها والنهوض بها، والدليل على ذلك، من وجهة نظر الشاب الأربعينى، أن تلك الأجهزة، وزارات الصناعة والزراعة والمحافظة والمجلس المحلى وهيئة التنمية الصناعية، قررت إغلاق المصانع دون تحديد أماكن بديلة لها، أو تقديم حلول لترخيصها، فقط اكتفوا بإلقاء بعضهم المسئولية تجاه بعض، دون أن يُقدِم أحدهم على حل المشكلة، وعندما ذهبنا إلى محافظ المنوفية الدكتور هشام عبدالباسط، تحدث لنا بلهجة حادة قائلاً: «هو انتو مخالفين وجايين لى أعملكم إيه؟ ثم حوّل الأزمة إلى لجنة غير محددة الموعد». الأهالى حوّلوا مقلب زبالة إلى مصانع منتجة.. والمسئولون قرروا هدمها لأنها مُثبَتة «زراعية» طرق التقديم على فرص للاستثمار فى مصر أكثر تعقيداً من وجهة نظر «زكريا الفارس»، صاحب مطبعة مهدَّدة بالإزالة، من إيطاليا التى أقام بها لمدة عشر سنوات، يقول إن من يتقدم إلى الغرفة الإيطالية التجارية، يتم توجيهه إلى «الشباك الواحد» لاستخراج الرخصة خلال عدة دقائق، وبعدها بعدة أيام يصل إلى المستثمر خطاب رسمى ممهور من وزارة الصناعة والاستثمار مكتوب بداخله «مرحباً بك فى عالم رجال الأعمال»، وبعدها تتوالى عروض شركات التأمين لرعاية المشروع. يضيف صاحب المطبعة أن «الحصول على رخصة للعمل فى مصر يقتضى رحلة (كعب داير)، تبدأ بمكتب العمل ثم مجلس المدينة، والمحافظة، وبعدها لا بد من الحصول على موافقات ما لا يقل عن عشر وزارات وهيئات، وبعد كل ذلك تبدأ رحلة البحث عن (إسكات) المفتشين، الذين يتعاملون مع صاحب المصنع بنظام المرتب الشهرى، وفى حالة رفض دفع تلك (الإتاوات)، فليتحمل كل منا حجم المخالفات التى يتم تحريرها له، والتى قد تدفعه إلى إغلاق المصنع». اضطُرّ عرفة السمان، صاحب مصنع للزجاجات البلاستيك، إلى شراء مولدات كهربائية حتى يتمكن من تشغيل الآلات داخل مصنعه، التى تشترط كهرباء «3 فاز»، بعد فشله فى الحصول على موافقة وزارة الكهرباء لتقديم محوِّلات داخل المنطقة، على نفقة أصحاب المصانع، وبعد رحلة من الروتين الحكومى قرَّر كل صاحب مصنع شراء محول كهربائى خاصّ به. إنهاء الأزمة من وجهة نظر «السمان» تقتضى «الحصول على موافقة من وزارة الزراعة تفيد بأن تلك الأرض غير صالحة للزراعة، وهو ما حدث بالفعل، فقد تَوَجَّه ما يقرب من 20 مستثمراً إلى مديرية الزراعة بمدينة قويسنا للحصول على نسخة من تقرير المركز القومى للبحوث الزراعية الذى يؤكِّد عدم صلاحيتها، ليجىء رد مدير الإدارة الزراعية (أبصم بالعشرة إن الأرض دى غير صالحة للزراعة)، ولكنه رفض منحهم التقرير قائلاً: (علشان تاخدوا التقرير ده لازم تشتكونى وتشتكوا وكيل وزارة الزراعة ووزير الزراعة بصفته، وبعدها يتحول الأمر لقضية فى المحكمة، ولو القاضى وافق بيتمّ تحويل الحكم للجنة، وبعدين اللجنة تنزل تعاين من أول وجديد، وتطابق التقرير الجديد بالقديم، وبعدها تاخدوا التقرير اللى انتو بتدوروا عليه)». «مصانع تعمل بطاقة إنتاجية عالية، اشترى أصحابها الأرض المقامة عليها من الأهالى وليس لها علاقة بالدولة، تخضع منتجاتها لرقابة الأجهزة المعنية، وفى حالة اكتشاف خلل، يحرّر المشرفون مخالفات فورية لصاحب المصنع»، يستطرد أسامة العنتبلى صاحب محل أعلاف: «غالبية أنشطة المصانع المقامة هنا لا تصلح داخل الحيز العمرانى، فاضطُررنا إلى المجىء إلى هنا لتقنين أوضاعنا، جينا على مقلب زبالة اشتريناه بأعلى الأسعار وحوّلناه لمصانع، وجبنا شباب شغّلناهم فيها، ودوّرنا حركة الإنتاج، فالدولة قررت تقفلهالنا علشان الأرض دى كانت زراعية من 30 سنة». يضيف «العنتبلى»: «وقّعنا على إقرارات تفيد بعدم بناء أى شقق سكنية فى تلك المنطقة لتفادى مخالفة تحويل أرض (كانت) زراعية، إلى كتلة سكنية، وتوجهنا بهذا الإقرار إلى الأجهزة المعنية كافة، جميعهم رفضوا تسلُّمه بحجة عدم الاختصاص، وكل ما نروح لجهة تقول لنا: وانا مالى؟ أنا أبدأ أتكلم معاكم بعد ما تجيبوا موافقة من باقى الجهات». وعن المقترحات التى من شأنها حلّ الأزمة من وجهة نظر الرجل الخمسينى، أكد ضرورة استخراج رخص صناعية للمصانع المقامة تنفيذاً لطلب الرئيس عبدالفتاح السيسى من وزير الصناعة، وبدلاً من البحث عن منطقة جبلية سوف يتكلف إخلاؤها من الرمال ملايين الجنيهات، يُنظَر إلى منطقة صناعية مُقامة بالفعل، يعمل فيها آلاف العمال، وبعد الحصول على تلك الرخص يتحمَّل أصحاب المصانع النفقات كافة الخاصة برصف الطرق المؤدية إليها وإدخال المياه والكهرباء، حتى نستفيد من الاستثمارات التى تُعرَض علينا بالملايين، وعندما يعلم أصحابها أننا غير مقنَّنين ولا نحمل رخصة صناعية، يسارعون بالهرب». صاحب مصنع: المسئولون قالوا لى: «إحنا فى وقت ثورة ومفيش حد بيمضى ورق.. روح اشتغل وبعدين ابقى رخص» خمسة عشر عاماً من العمل المتواصل قضاها محمود السيد فى ليبيا، حاول خلالها جمع ما يستطيع من أموال لتأمين مستقبل أبنائه الثلاثة، الحاصلين على مؤهلات عليا، لم تعُد تجد حظّها فى سوق العمل المصرية لعدم توافر فرص عمل لها، على حد قوله، قرر بعدها العودة إلى مصر واستثمار المبلغ الذى عاد به فى المنتجات البلاستيكية التى يحظى بخبرة واسعة فيها، فتَقدَّم إلى محافظة المنوفية لتخصيص قطعة أرض فى المنطقة الصناعية تصلح لإقامة المصنع، وقدم مع الطلب نموذجاً لعمل المصنع والقوى الاستيعابية له من العمال، والدول التى سوف يصدّر إليها، ليجىء الرد له: «ماعندناش أرض». يقول الرجل الخمسينى إن وجود مصنع للبلاستيك فى منطقة سكنية يستوجب مخالفة مالية كبرى وإغلاقاً فورياً، لذا ظلّ يبحث لمدة عام ونصف عن مكان له، حتى تمكن من شراء 1000 متر فى تلك المنطقة المهددة بالإزالة الآن، وبعد شرائها بمدة لا تزيد على ثلاثة أشهر، اشتعلت بداخل مصنعه الأفران، وتم إنشاء خط إنتاج يبيع فى السوق الداخلية والخارجية، الأمر الذى مكَّنَه من الاستعانة بما يزيد على 250 عاملاً، ما بين صنايعى وسائق ومندوب مبيعات، ولعل ذلك ما دفعه إلى وضع خطة تطوير سوف تسهم فى تشغيل عدد مضاعف.. ليفاجأ بعد ذلك بمنع الجهات المنوط بها ترخيص المنطقة ومطالبته وباقى المستثمرين بإغلاق مصانعهم. وعن الأسباب التى منعته من الحصول على التراخيص اللازمة قبل بدء التشغيل، أكد أنه ذهب إلى الجهات المختصة كافة «البيئة، الزراعة، المحافظة، مجلس مدينة قويسنا، الصناعة»، وطالب بتلك التراخيص، فجاء ردهم: «إحنا فى وقت ثورة، مفيش حد يجرؤ على أنه يمضى على ورقة، روح اشتغل وبعدين ابقى تعالى رخّص، علشان يكون الكلام على أرض الواقع مش كلام فى الهوا»، وبعد أن أصبح «الكلام على أرض الواقع»، طالبته نفس الجهات بإغلاق مصنعه، فى الوقت الذى أبدى لهم فيه استعداده لتحمُّل تكاليف استخراج الأوراق الرسمية ودفع المخالفات. «الرئيس عبدالفتاح السيسى وجه وزير الصناعة بضرورة زيادة مساحة المنطقة الصناعية بمدينة قويسنا، وتخصيص الجديدة للاستثمارات الصغيرة والورش، مع العلم بأن محيط تلك المنطقة الصناعية من الجهات الأربع عبارة عن جبال وكتل رملية عملاقة، سوف يستغرق تصليحها مجهوداً ضخماً ومبالغ مالية تقدَّر بالملايين»، يستطرد صاحب مصنع البلاستيك «وبعد كل ذلك سيوزَّع جزء من تلك الأراضى على مجموعة مستثمرين قد لا يستغلونها بالشكل الأمثل، والجزء الآخر سوف يستحوذ عليه أصحاب المصانع الكبرى المقامة فى المنطقة، التى لا يمر شهر إلا ويزورها وزير أو مسئول، لذا فمن الأفضل ترخيص المنطقة المقامة بالفعل، وتشجيع أصحابها على زيادة الإنتاج، بخاصة أن إزالتها تعنى تحوُّل الأرض المقامة عليها إلى مقلب قمامة كبير، يتحول إلى مرتع لأصحاب عربات الكارو والمقطورات الذين يعملون فى نقل الزبالة مقابل الحصول على مبالغ مالية من الأهالى». فى المقابل، قال الدكتور هشام عبدالباسط محافظ المنوفية، إن «تلك المصانع مقامة على أراضٍ زراعية خارج نطاق المنطقة الصناعية، وتم إقامتها دون تراخيص مبانٍ أو رخص تشغيل، وبلا أذون عمل من الأمن الصناعى ووزارة البيئة، وهو ما يعنى أنها مخالفة من الدرجة الأولى، ولا يوجد بداخلها أى موافقات تتيح للحاصل عليها العمل والإنتاج». وأضاف «عبدالباسط» أنه استقبل اثنين من أصحاب المصانع الأسبوع الماضى، وواجههما بتلك المخالفات، فردّ عليه أحدهم قائلاً: «يا باشا إحنا فى عهد الثورة، شوف لنا أى حل»، ويستطرد «عبدالباسط»: «على الرغم من ذلك تم تحويل الموضوع إلى لجنة مختصة سوف تزور تلك المنطقة فى وقت قريب لدراسة موقفها، وفى حالة توافق عمل المصانع مع القوانين المنظمة لعمل المصانع المقننة، سوف نخاطب وزارة الزراعة بمنحها رخصة عمل وضمها إلى المنطقة الصناعية بمدينة قويسنا، لأنها الجهة الوحيدة المنوطة بها ذلك، بخاصة أن الأرض المقامة عليها المصانع مثبتة حتى الآن ضمن الرقعة الزراعية بالمنطقة الواقعة بها». وعن اتهامات بعض المستثمرين له بالتعنت ضدهم برفض استخراج التصاريح اللازمة لمواصلة العمل، أكد «عبدالباسط» أن المحافظ ليس من سلطاته منح تراخيص أو أذون تشغيل، لوجود جهات منوطة بها، ذلك مثل وزارتى الصناعة والبيئة وبعض الهيئات والمجالس المحلية، وأن أزمة تلك المصانع ليست فى الحصول على أذون تشغيل من عدمه، وإنما فى كونها مقامة على أراضٍ زراعية لا تزال حتى الآن مُثبتة فى خرائط وزارة الزراعة على أنها منتجة، وأشار إلى أنه يحوِّل مثل تلك المشكلات دائماً إلى لجان مختصة، ولا يتدخل على الإطلاق فى عملها أو إملاء وجهة نظره عليها، حسب قوله، بل يؤشّر بالموافقة على قراراتها، ويتابعها بعد ذلك.