«دست الأشراف» دون صرف صحى.. ورئيس الشركة بالبحيرة: «ضمن خطة القرى المحرومة»    عيار 21 الآن بالمصنعية.. سعر الذهب اليوم السبت 20-9-2025 بعد الانخفاض الكبير    أسعار الفراخ وكرتونة البيض في أسواق وبورصة الشرقية السبت 20-9-2025    شهداء وجرحى بقصف إسرائيلي على مدرسة تؤوي نازحين في غزة    تشكيل ريال مدريد المتوقع ضد إسبانيول في الدوري الإسباني    العظمى فى القاهرة 33 مئوية.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم السبت 20 سبتمبر 2025    3.5 مليون طالب ينتظمون فى الجامعات اليوم    كارول سماحة تتصدر الترند وتكشف أسرار أيامها الصعبة بعد رحيل زوجها وليد مصطفى    أشرف زكي يساند عيد أبو الحمد بعد أزمته الصحية ورسالة استغاثة تُحرّك الوسط الفني    نجوم الفن يشعلون ريد كاربت "دير جيست 2025" بإطلالات مثيرة ومفاجآت لافتة    دعاء كسوف الشمس اليوم مكتوب كامل    أحمد صفوت: «فات الميعاد» كسر التوقعات.. وقضاياه «شائكة»| حوار    «تريزيجيه تخلى عن الأنانية».. محمود الدهب يعلق على فوز الأهلي ضد سيراميكا    كيف تحصل على 5250 جنيه في الشهر من شهادات البنك الأهلي 2025؟.. اعرف عائد ال300 ألف جنيه    90 دقيقة تأخيرات «بنها وبورسعيد».. السبت 20 سبتمبر 2025    حبس المتهم بسرقة الدراجات النارية بالتجمع الأول    ترامب: الرئيس الصيني وافق على صفقة «تيك توك».. ولقاء مرتقب في كوريا    حبس تشكيل عصابي تخصص في سرقة السيارات بمنشأة ناصر    ماذا تفعل حال تهشّم زجاج سيارتك؟ خطوات تنقذك على الطريق السريع    الأكاديمية المهنية للمعلمين تعلن تفاصيل إعادة التعيين للحاصلين على مؤهل عالٍ 2025    ترامب: القوات الأمريكية استهدفت سفينة تهريب مخدرات بالمياه الدولية    خبير عسكري| قرار نتنياهو بهدم غزة بالكامل هو رسالة ل«مصر»    مهرجان الجونة السينمائي يقرر.. اختيار كيت بلانشيت ضيفة شرف وجائزة الإبداع لمنة شلبي    حكاية «الوكيل» في «ما تراه ليس كما يبدو».. كواليس صناعة الدم على السوشيال ميديا    ترامب يضيف رسومًا بقيمة 100 ألف دولار على تأشيرة العمالة في أمريكا    عوامل شائعة تضعف صحة الرجال في موسم الشتاء    «هيفتكروه من الفرن».. حضري الخبز الشامي في المنزل بمكونات بسيطة (الطريقة بالخطوات)    شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي استهدف مدرسة تؤوي نازحين وسط غزة    أسعار اللحوم في أسيوط اليوم السبت    أسعار المأكولات البحرية والجمبري اليوم السبت 20-9-2025 في محافظة قنا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 20-9-2025 في محافظة قنا    مذيع يشعل النار في لسانه على الهواء.. شاهد التفاصيل    أسعار المستلزمات المدرسية 2025: الكراسات واللانش بوكس الأكثر شراءً    تحذير عاجل للأرصاد بشأن اضطراب البحر المتوسط غدًا والخريف يبدأ رسميًا الاثنين    كارول سماحة عن انتقادات إحيائها حفلات بعد وفاة زوجها: كل شخص يعيش حزنه بطريقته    رسميًا.. تامر مصطفى مديرًا فنيًا للاتحاد السكندري    عبد الحفيظ: جلستي مع الخطيب استمرت ساعتين.. ولا يوجد قرار رسمي    الأهلي: يتم استهلاكنا في أمور غير منطقية.. وزيزو يعود خلال أيام    ترامب يعلق على انتهاك مزعوم لمجال إستونيا الجوى من قبل مقاتلات روسية    ترامب عن هجوم حماس: ما حدث في 7 أكتوبر كان إبادة جماعية    مؤتمر إنزاجي: هذا سبب التعادل مع أهلي جدة.. وعلينا التعلم من المباراة    انطلاقة قوية ومنظمة وعام دراسي جديد منضبط بمدارس الفيوم 2026    ليلة كاملة العدد في حب منير مراد ب دار الأوبرا المصرية (صور وتفاصيل)    قرار عاجل من النيابة ضد أبطال فيديو سكب السولار على الخبز بالشرقية    مدارس دمياط في أبهى صورها.. استعدادات شاملة لاستقبال العام الدراسي الجديد    للمرة الثانية خلال 12 ساعة، توغل إسرائيلي في 3 قرى بريف درعا السورية    استشارية اجتماعية: الرجل بفطرته الفسيولوجية يميل إلى التعدد    محافظ الأقصر يسلم شهادات لسيدات الدفعة الثالثة من برنامج "المرأة تقود".. صور    شوقي حامد يكتب: استقبال وزاري    القرنفل مضاد طبيعي للالتهابات ومسكن للآلام    ديتوكس كامل للجسم، 6 طرق للتخلص من السموم    محيي الدين: مراجعة رأس المال المدفوع للبنك الدولي تحتاج توافقاً سياسياً قبل الاقتصادي    سيف زاهر: جون إدوار يطالب مسئولى الزمالك بتوفير مستحقات اللاعبين قبل مواجهة الأهلى    محمود محيي الدين: الذهب يتفوق على الدولار فى احتياطات البنوك المركزية لأول مرة    لماذا عاقبت الجنح "مروة بنت مبارك" المزعومة في قضية سب وفاء عامر؟ |حيثيات    موعد صلاة الفجر ليوم السبت.. ومن صالح الدعاء بعد ختم الصلاة    طارق فهمي: المجتمع الإسرائيلي يراقب التطورات المصرية بقلق (فيديو)    مدينة تعلن الاستنفار ضد «الأميبا آكلة الدماغ».. أعراض وأسباب مرض مميت يصيب ضحاياه من المياه العذبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طبيبُ الأسنان ونَفْسُ الداعية
نشر في الوطن يوم 05 - 12 - 2012

الحمد لله.. أخيراً وبعد سنتين من التسويف ذهبت إلى طبيب الأسنان..
ويا لهول ما أرانى الطبيب على شاشة عرض الصور..
ضرسٌ كان محشواً، وتأخرتُ عن تركيب تاج الحشوة له، فأضحى منخوراً مسوساً، بَشِعاً مُروعاً، مُقززاً مُنفراً..
نبهنى ألم العلاج إلى أن للإهمال ثمناً ومغرماً..
وأشفقت على حالة الضرس وقد افترسه التسوس، فشوّه منظره بعد أن كان سوياً..
قد سخَّره الله لخدمتى فأخلص وكافح لما يقرب من 40 سنة ليلاً ونهاراً، دون شكوى أو اعتراض أو تردد.. فكان الإهمال فى تنظيفه والتسويف فى تطهيره سبباً فى تَلفِه بل وتحوّله إلى مصدر ألم وإزعاج..
سرحْتُ فى غمرة الألم متأمّلاً كيف أنّ الألم يأتى من إهمال ما استرعانا الله تعالى إياه.
وكذلك نفوسنا.. نعم كذلك نفوسنا الأمارة بالسوء..
فقد تجتهد النفس فى خدمة أهدافنا السامية لسنوات دون كلل أو ملل أو شكوى.. لكن إهمالنا لتزكيتها وتطهيرها يجعلها تالفة بشعة كما بدا الضرس فى الصورة.. بل قد تصبح النفوس المهمَلة سبباً فى إلحاق الضرر والأذى بما كانت بالأمس تخدمه.. وبمن كانت تخدمه، تماماً كما يفعل الضرس بصاحبه إذا نخره التسوس، فكم يسبب له من الآلام والمتاعب..
كنت أنظر إلى الشاشة وأتساءل: هل يا ترى وصلت نفسك إلى هذا المستوى من التلف؟
هل أضحت بهذا القدر المُنفِّر من البشاعة؟
لِم لا وقد أكثرت من الاستمتاع بمضغ «حلويات» مدح المتابعين بشَرَه؟
لِم لا وقد أطلْت التلذُّذ بالتهام «سكاكر» ثناء المحبين وتصفيق المستمعين بنهَم؟
هل أهملتَ تنظيفها ب«سِوَاك» الانكسار والاعتراف حتى تراكمت عليها الأوساخ من مخلفات الشهرة والظهور، أم أنك أغفلت تعقيمها ب«معجون» التفكر فى عظيم ستر الله لعيوبك عن مادحيك وسَعة حلمه عن مخازيك؟ لعلها تستحيى من الله فترعوى عن غيّها وضلالها..
وهل وصل بك الإهمال لتطهير نفسك إلى حدٍ نخر فيها بسببه «سوس» حب الظهور ومرض ال«أنا»؟
هل أضحت نفسك كريهة مؤذية بشعة كالحال الذى صار إليه هذا الضرس؟
ولكن انتبه.. لا تستعجل، وحاذر من الإجابات المظلمة التى تأتى من استيلاء حالة النفى والإنكار أو التبرير.
فلا تقل إنك روَّضتها بعمل الخير ونفع الناس..
لا تقل إنك جاهدتها سنوات طويلة لتخدم الدين ليل نهار..
لا تقل إن المشاقّ التى تحمّلتها، والتضحيات التى بذلتها، والأذى الذى أصابك فى سبيل الله، والصبر والاحتساب اللذين قابلت بهما كل الابتلاءات فى رحلة الدعوة كانت كافية فى تطهير هذه النفس المذنبة الطالحة، وتخليصها مما علق بها من أوساخ ادّعاء الاستحقاق..
لا تقل ذلك.. فهذا الضرس، أيضاً لم يتوقف يوماً عن خدمة بقية الأعضاء، ليلاً ونهاراً، صيفاً وشتاءً، ولم يتبرّم يوماً من برودة ما يرد عليه أو من حرارته.. وقد أمضى عقوداً فى طحن الطعام وتهشيمه وتجهيزه لإرساله بعد ذلك إلى المعدة..
بل إن هذا المسكين لم يقتصر فى الخدمة على مجرد «المضغ» الذى هو مجال اختصاصه الذى خلقه الله من أجله فحسب، فقد كان يسارع إلى امتثال الأوامر حتى فى غير مجال وظيفته واختصاصه..
فإذا طُلب منه تهشيم شىء أو فتح غطاء لم يكن يستكبر عن الخدمة، وكان يقتحم المغامرات مسارعاً دون تردد أو التفات لما قد تسببه له هذه المغامرات من أضرار..
ومع ذلك لم يُغنِه هذا كله عن الحاجة إلى العلاج والتنقية والتزكية..
فكان إهمال تنظيفه سبباً فى تلوثه، وتراكم الأوساخ عليه..
والأعجب من ذلك أن كل ما قدّمه من خدمات لم تكن لتشفع له فتحميه من نخر التسوس له..
أوّاه.. وآه..
فلقد كان تألم نفسى من التفكير فى هذه الحقيقة الصادمة أشدَّ من ألم عصب ضرس العقل وهو يستقبل الحفارات الطبية التى تعالجه وتنظفه من التسوُّس..
وأخذت التساؤلات تعصف بى والقلب يرتجف من هذه الحقيقة المرة..
هل ذهب جهدك أدراج الرياح؟ هل أُحبطت أعمالك وأنت تتيهُ على الآخرين بسجل نجاحاتك المتوهمة؟
هل ستأتى ساعة الوفاة وأنت على هذا الحال من الإفلاس؟
وهل لديك ما تقابل به ربك ساعة الوقوف بين يديه يوم العرض عليه وأنت وحيد فريد عارٍ كيوم ولدتك أُمك؟
فكم مرة استترت فيها من أعين الناس وأنت غافل عن نظر الله إليك؟
بِمَ ستجيب ربك الذى أقسم لك فى كتابه بأن الفلاح لمن زكاها وأن الخيبة لمن دسّاها؟
هل تستطيع التظاهر فى حضرته بما اعتدت أن تتظاهر به أمام الناس من دعاوى الورع والصلاح، أم أن لسانك المُتفصِّح سيسعفك بما تنجو به من عتابه تعالى وسُخطه؟
هيهات، فقد قال تعالى: «الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ».
وما زلت مأخوذاً بصدمة الحقيقة، ذاهلاً بما انكشف منها عما سواها، متجرعاً مراراتها.. حتى بدأت نغمة صوت الدكتور عمار الشجية تلامس شغاف القلب وهو يعمل محاولاً إصلاح ما أفسدتُ أنا، لا الدهر، ويترنم قائلاً:
واسأل نجوم الليل هل زار الكرى
جفنى وكيف يزور من لم يعرفِ؟
يا مانعى طيب المنام ومانحى
ثوب السقام به ووجدى المتلفِ
لو أن روحى فى يدى ووهبتها
لمبشرى بقدومكم لم أنصفِ
الله الله.. الله الله.. كلما ناديت يا هو.. قال: يا عبدى أنا الله..
فانهمرت دموع حرِّى، والعجيب أن حرارتها كانت برداً وسلاماً على قلبٍ هاله المعنى، وامتزج فيه الألم بالرجاء والخشية بالحياء فى رحاب المحبة، فأخذت أستحضر أبياتاً أخرى من فائية ابن الفارض:
قلبى يحدثنى بأنك مُتلِفى
روحى فداك عرفت أم لم تعرفِ
عطفاً على رمقى وما أبقيت لى
من جسمى المضنى وقلبى المُدْنَفِ
اللهم آتِ نفوسنا تقواها وزكّها أنت خير من زكّاها أنت وليها ومولاها.. يا كريم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.