تحكى الأسطورة أن رجلاً يدعى إبيمثيوس كان يعيش فى سعادة مع زوجته باندورا، إلى أن ألحت عليه لفتح صندوق تملكه، أهداه لها «زيوس» كبير الأرباب فى الأساطير الإغريقية القديمة. ولأنها كانت تعشق المادة ولا تعنى بالإنسانية، تصورت أنه يحتوى على مفاتيح كنوز الدنيا، وكانت أصوات بداخله تناديها وتعدها بالسعادة المطلقة، ولكن إبيمثيوس الحكيم كان يصر دائماً على عدم فتحه. وذات يوم استغلت باندورا فرصة غياب زوجها وفتحت الصندوق، فأفزعها خروج أرواح شريرة منه على هيئة خفافيش سوداء ذات مخالب حادة، يحمل كل منها أسماء مخيفة كالمرض والنفاق والفقر والقحط والبخل والكبرياء، وحاصرتها فى الغرفة إلى أن أظلم العالم من حولها. وبعد صراع تمكنت باندورا من إغلاق الصندوق فى النهاية، قبل أن تخرج منه الروح الطيبة الوحيدة بداخله التى تدعى «الأمل» وكانت السبب فى أن ينحبس أهم شعور يحتاجه الإنسان، كى يستطيع محاربة تلك الأشباح المحلقة، فلو لم تفتح باندورا الصندوق لكنا نعيش الآن فى جنة بمفهوم الأسطورة. ويتحول «صندوق باندورا» فى الأسطورة إلى صندوق الثورة فى واقعنا، فيظن البعض منا لأغراض وخلفيات تسيطر على وعيهم، أننا لو لم نقم بتلك الثورة العظيمة لما انفتح الصندوق، ولما تفجرت كل تلك المخاوف من الانهيارات الحادة على كافة المستويات، ولما تجسدت كل الأمراض المجتمعية التى ذكتها عقود من الاستبداد، فى شتى مناحى التعاملات الإنسانية بيننا. يتمنون العودة بعقارب الزمن إلى الخلف، هرباً من التعامل مع الخفافيش السوداء التى تتخاطفنا من كل جهة، وهم يجلسون على الصندوق، الذى يخفت صوت الأمل من داخله أمام ارتفاع عويلهم بندب الحال والأحوال. ويظن آخرون ممن يكافحون من أجل إحكام قبضتهم على مفاتح السلطة والثروة، أنهم هم وحدهم القادرون على محاربة الخفافيش، كل الخفافيش، بشرط أن يدخلوا هم وحدهم إلى الصندوق كى يروضوا الأمل ويشكلوه ليحاكى آمالهم، وآمال أتباعهم، غير مدركين أن الأمل طائر محلق يحتاج إلى الحرية، ويطعم من يد الجميع دون استثناء، ويتقيأ ما يثقله عن الطيران مما طَعِمه. وهناك من يجاهدون فى سبيل الإنسانية ومبادئها المفتقدة بين هؤلاء وهؤلاء، كى لا يكون الصندوق بما تبقى داخله ضحية لتلك الصراعات والنزاعات النكدة، ويتعين عليهم فى المرحلة المقبلة الحفاظ على إخلاص النوايا، وتقليص أدوار الأدعياء بينهم، والتوحد على ذلك الهدف السامى. وللتاريخ، فإن طائر الأمل الذى تحكى عنه أسطورة «صندوق الثورة»، لا يمت بصلة «لطائر مشروع النهضة»، الذى صدع به حزب الحرية والعدالة أدمغتنا فى الشهور الماضية، وأحاطت به السخرية المريرة من الكثيرين، وأصاب الإحباط من كانوا يرجون منه أن يبيض لمصر ذهباً، وهو لا يزال فرخاً أعمى. ذلك لأن الأمل يكمن فى بناء الإنسان المصرى، بوعى سليم، متحرر من طبقات الأوهام، وزيف كثير من الثوابت التاريخية والفكرية، كى يتمكن من التعامل مع كل الخفافيش السوداء التى انطلقت قبله من الصندوق، بينما ما يطلق عليه «مشروع النهضة» لا يحمل فى طياته وفكر واضعيه، أى منهج لصناعة وعى حضارى متكامل يمكن المصريين من أداء رسالاتهم الإنسانية. وللتأكيد، فإنه لا يمكن بحال لحزب أو فصيل بذاته أن يصبغ بمشاربه الفكرية الأحادية، لون وعى شعب بأكمله، لأن تلك المحاولات تسير على درب العنصرية ومسالك اليمين المتطرف فى التاريخ الإنسانى، سواء كان ذلك اليمين دينياً أو علمانياً. الأمل فى البنى آدم المصرى «الإنسان».