لا صوت يعلو فوق صوت آيات «القرآن الكريم»، عند دخولك ليلة أول أمس إلى قلب ميدان التحرير، فتستمع إلى صوت واحد يملأ الميدان، حيث حرص المعتصمون على تشغيل آيات «القرآن»، بعدما تم تشييع جنازة «جيكا» أول شهيد فى الأحداث التى بدأت الأسبوع الماضى، واستشهاد أحمد نجيب، أول أمس، بطلق نارى. بالرغم من الهدوء الذى كان يملأ الميدان، فإن ميدان «سيمون بوليفار» شهد عمليات الكر والفر بين المتظاهرين وقوات الشرطة، بعدما تجددت الاشتباكات مرة أخرى فى الساعات الأولى من الليل، بميدان سيمون باتجاه محيط السفارة الأمريكية من أمام مسجد عمر مكرم، حيث واصل المتظاهرون رشق قوات الأمن بالحجارة، فيما قامت قوات الأمن بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع وطلقات الخرطوش لإبعادهم باتجاه ميدان التحرير. فيما بدأت الاستعدادات داخل ميدان التحرير خلال الساعات الأولى من الليل، استعداداً لمليونية أمس المناهضة لقرارات رئيس الجمهورية، حيث بدأ المعتصمون فى نصب الخيام بصينية الميدان وأمام مجمع التحرير، وأغلق المعتصمون الميدان من جميع المداخل، وبدأت اللجان الشعبية فى ممارسة عملها، على مدار الليل وتفتيش كل القادمين إلى الميدان، فيما وصل عدد المتظاهرين إلى أكثر من 5 آلاف متظاهر بالميدان، ورفعوا الشعارات التى تطالب بإسقاط الإعلان الدستورى الجديد الذى أصدره الرئيس محمد مرسى، والدعم لاستقلال القضاة والمحكمة الدستورية العليا، ورفع المتظاهرون لافتة مكتوباً عليها بمدخل الميدان: «ميليشيات وكتائب الإخوان لن ترهب الشعب»، لما كان يتوقع أن يحدث من أعمال عنف، فى حالة مشاركة جماعة الإخوان المسلمين فى التظاهرات، ولكن أعلنت الجماعة عن أنها لن تشارك فى المليونية، وهو ما استراح له البعض، حتى لا تشهد الأحداث سفك دماء جديدة، بعد سقوط «جيكا» و«أحمد نجيب» و«إسلام مسعود» فى الاشتباكات أمام مقر جماعة الإخوان المسلمين بدمنهور. قال محمد النقراشى، الذى يبلغ من العمر 56 سنة، إنه موجود بالميدان الآن ليس فقط لإسقاط الإعلان الدستورى الذى أقره رئيس الجمهورية، ولكنه هنا لتحقيق مطالب الثورة التى خرج الشعب من أجلها؛ «عيش، حرية، عدالة اجتماعية»، وعودة حق الشهداء، الذى لم يأت حتى الآن، فحقهم ليس فى المال أو التعويض ولكن بمحاسبة من تسبب فى قتلهم»، قائلاً: «مش عايزين نحس إننا بندور على عيل تايه»، فهم خرجوا من أجل مطالب لكل الشعب المصرى ولم تتحقق حتى الآن. يكمل أن لديه رسالة إلى رئيس الجمهورية: «أنت الناس انتخبتك وأنا منزلتش وانتخبتك ولكن أنت رئيس مصر ولازم نحترمك، ولكن خطاب الاتحادية الأخير يدل على أنك ما زلت فى مرحلة طفولة رئاسية، فكيف تأتى إلى ميدان التحرير وتخطب به منذ يومك الأول لتولى الرئاسة، وتذهب إلى جماعة الإخوان المسلمين المؤيدة لقراراتك عند قصر الاتحادية، فأنت أخطأت عندما ذهبت لتتحدث مع فئة وأهملت باقى الشعب المصرى، وهذا يخلق انقساماً فى الشارع المصرى بين الشعب، الرئيس بيضحك علينا وبيتكلم على أنه سيعيد المحاكمات، نحن على مدار سنتين لم يفعل القضاء شيئاً، فكل المتهمين خرجوا براءة فى عهد الرئيس مرسى، وكيف يحدثنا عن إعادة المحاكمة وأبرز المتهمين فيها المشير طنطاوى الذى قام الرئيس بتكريمه وتعيينه مستشاراً له». قال إن الإخوان بهذه التصرفات تريد حرباً أهلية، ونحن لن نرضى بفعل هذا داخل مصر، هم لا يريدون حب مصر ولكنهم يريدون إمبراطورية خارج حدود مصر، فيجب على الشعب المصرى أن يستيقظ مما هو فيه، فأغلب الشعب يريد أن يأكل ويشرب وينام، «إنما اللى بيفهم فى البلد دى هو من يتعب ويسجن ويموت». فيما قال هانى ممتاز، أحد المعتصمين بالميدان، نحن موجودون هنا للمطالبة بإلغاء الإعلان الدستورى الذى أصدره الرئيس محمد مرسى، ومحاسبة كل من تسبب فى قتل الشهداء والقصاص لهم، والعمل على إعادة هيكلة وزارة الداخلية، وحل الجمعية التأسيسية للدستور وإعادة تشكيلها مرة أخرى، فيما يتوافق مع جموع الشعب المصرى. يكمل أنه بعد إعلان جماعة الإخوان المسلمين عدم المشاركة فى مليونية أمس، لم يعد وارداً حدوث أى عنف فى الشارع، فستكون مليونية سلمية تحقق الهدف المرجو منها، فنحن لا ننتمى إلى أى أحزاب أو لدينا أجندة نعمل بها، ولكن خرجنا إلى الميدان من أجل عودة الحق المهدور، وتحقيق المطالب التى طالبنا بها منذ بداية الثورة؛ «عيش، حرية، عدالة اجتماعية، وكرامة إنسانية». قال عبدالله أبوبكر، يعمل مدرساً للغة الألمانية، إنه موجود منذ اليوم الأول لإحياء ذكرى محمد محمود، نحن كنا نظن أن الرئيس محمد مرسى سوف يحاسب كل من تسبب فى قتل الثوار، وأنه سيعمل على تطهير الفساد ومحاسبة الفاسدين، ولكن اتضح الأمر أنه لا يهمه سوى أن يتحكم فى السلطة بأكملها، ويعطى لنفسه صلاحيات توهم الشعب أنه بذلك سيحقق العدالة، فأنا لست ضد إقالة النائب العام ولكن فى إعطاء الرئيس لنفسه هذا الحق، وكيف يتحدث عن إعادة محاكمات وجميع المتهمين خرجوا براءة، هل هو قادر على إثبات اتهامهم مرة أخرى؟! يكمل أن الرئيس مرسى أعطى لنفسه «سلطة إلهية»، أنا كنت ضد نظام بأكمله وليس شخص «مبارك فقط»، فالرئيس مرسى الآن فعل ما لم يفعله «مبارك» على مدار 30 عاماً من الفساد والظلم. المطالبة هى إلغاء الإعلان الدستورى، وإعادة تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور التى أثارت جدلاً كبيراً حولها، وسيطرة فئة واحدة عليها دون النظر إلى باقى الشعب، كيف ستحاكم شعباً على قانون لم يوافق هو عليه، أو يكون له ممثلون ينوبون عنه، فنحن أمام وضع قانون سيحاسب عليه جميع الشعب المصرى، ويخلق دولة قوية يحميها القانون، يعيش تحت سقفها شعب بأكمله وليس فئة محددة، هذه أزمة كبيرة ستعمل على خلق انقسامات داخل المجتمع، وستؤدى إلى زيادة انتشار الجريمة والفوضى والخارجين عن القانون؛ لأنهم سيقرون دستوراً يسير عليه الشعب وهو ليس من الشعب، فيجب على الرئيس مرسى أن يكون رئيساً لكل المصريين وليس رئيساً للإخوان المسلمين.